فضيحة "استوديوهات الأقنعة" تهز القنيطرة: شبكة سرية لتصوير مشاهد إباحية

شبكة محترفة لتصوير محتوى إباحي داخل شقة في القنيطرة باستخدام أقنعة واستدراج الفتيات

 في مدينة القنيطرة، وفي صيف عام 2025، اهتز الرأي العام المغربي على وقع خبر صادم ومثير للجدل، إذ تم الكشف عن شبكة منظمة يُشتبه في ضلوعها في إنتاج وتوزيع محتوى إباحي عبر وسائل احترافية داخل شقة سكنية وسط حي سكني هادئ. الحكاية بدأت حين لاحظ بعض السكان في محيط الشقة المعنية تحركات غريبة وغير مألوفة، حيث كانت تتردد على الشقة فتيات شابات في مقتبل العمر، بعضهن يأتين فرادى وأخريات بصحبة رجال لا تربطهم بهن علاقة ظاهرية واضحة. تصرفات هؤلاء الأشخاص، إلى جانب دخول معدات إلكترونية متطورة من حين لآخر، أثارت فضول الجيران، مما دفع أحدهم للتواصل مع السلطات الأمنية وتقديم شكاية رسمية. بعد مراقبة دامت أيامًا، قامت عناصر الشرطة بمداهمة الشقة المعنية، ليُكتشف أن المسكن قد تم تحويله إلى استوديو شبه احترافي يُستخدم لتصوير مشاهد جنسية تُنشر لاحقًا على منصات عالمية تُعنى بالمحتوى الإباحي. المفاجأة لم تتوقف عند هذا الحد، إذ وُجد في المكان معدات تصوير متقدمة، من بينها كاميرات عالية الدقة، حوامل إضاءة احترافية، ميكروفونات صغيرة موجهة، وأقنعة بأشكال مختلفة تُستخدم لتغطية وجوه الفتيات والشبان على حد سواء. كما عُثر على عدد من أجهزة الحاسوب المحمولة التي تُستخدم في معالجة وتحرير المقاطع المصورة، بالإضافة إلى تسجيلات مخزنة على أقراص خارجية تُقدر بالمئات.
تبين لاحقًا أن الشبكة كانت تشتغل بطريقة دقيقة ومنظمة، حيث يتم استقطاب الفتيات عبر وعود مالية مغرية، وغالبًا ما تُعرض عليهن مبالغ تتراوح بين 2000 و5000 درهم مقابل جلسة تصوير واحدة، كما يتم إغراؤهن باستخدام مساحيق تجميل وماسكات تُوضع على الوجه لإخفاء الهوية ومنح إحساس بالأمان. هذه الأقنعة التي تُوضع قبل التصوير لعبت دورًا نفسيًا كبيرًا في طمأنة الفتيات بأن هويتهن لن تُكشف، مما شجع الكثيرات منهن على المشاركة، خاصة وأن أغلبهن كنّ في وضعية اجتماعية هشّة أو بحاجة ماسة إلى المال. عمليات التصوير كانت تتم في أجواء تُوصف بأنها “شبه مهنية”، حيث يُطلب من المشاركين أداء مشاهد مخطط لها مسبقًا، وبعض المقاطع كانت تُصور في مواضيع معينة، وتُستخدم فيها ملابس تنكرية أو سيناريوهات درامية مصطنعة. وتم تسجيل أكثر من 300 مقطع في هذه الشقة وحدها، بعضها يتراوح طوله بين عشر دقائق ونصف ساعة، وقد تم نشر معظمها عبر مواقع إباحية أجنبية مقابل مبالغ مالية تُحوّل عبر حسابات بنكية مجهولة أو باستخدام العملات المشفرة. التحقيقات كشفت أن المشرفين على هذه الشبكة لم يكونوا مجرد هواة، بل أشخاصًا على دراية كبيرة بكيفية تسويق المحتوى الإباحي عبر الإنترنت، حيث تم تسجيل القناة التي تُنشر فيها الفيديوهات باسم يشير إلى مدينة القنيطرة، وهو ما جعل الوصول إليهم أسهل بعد أن لاحظت الجهات الرقابية على شبكة الإنترنت تكرار كلمة “Kénitra” في توصيف المقاطع. وأثناء المداهمة، تم توقيف أربعة أشخاص، من بينهم رجلان وامرأتان، تتراوح أعمارهم بين 24 و37 سنة. أحد الرجال يُشتبه في كونه العقل المدبر، إذ كان يتولى التفاوض مع الفتيات، تجهيز المكان، الإخراج الفني، وحتى تعديل المقاطع قبل نشرها. أما المرأتان فكانت مهامهما تتعلق بإقناع المشاركات الجديدات، وضع الماكياج والماسكات، وحتى لعب أدوار مساندة في التصوير.
الشرطة القضائية وضعت الموقوفين تحت الحراسة النظرية في انتظار تعميق البحث، كما تم الاستماع إلى عدد من الفتيات اللواتي ظهرت وجوههن في المقاطع المصورة رغم ارتدائهن الأقنعة، بعد أن تم التعرف عليهن من خلال تفاصيل جسدية أو وشوم ظاهرة. البعض منهن اعترف بالمشاركة مقابل المال، فيما أنكرت أخريات معرفتهن بنوعية المحتوى الذي سيتم تصويره. المؤسف في هذه القضية أن بعض الفتيات تورطن بسبب احتياجهن المادي، وبعضهن قاصرات تم التغرير بهن عبر وعود كاذبة بالعمل في مجالات مثل عروض الأزياء أو التجميل. وكشفت المصادر الأمنية أن هذه القضية ليست الأولى من نوعها في المغرب، بل تُعد جزءًا من سلسلة شبكات تُستخدم فيها شقق مفروشة كمقرات لتصوير محتوى إباحي يتم توجيهه نحو منصات عالمية، مستغلين ثغرات قانونية أو ضعف الرقابة في بعض الأحياء. وقد سبق أن تم توقيف شبكات مشابهة في مدن أخرى كطنجة ومراكش وأكادير، وإن كانت هذه الشبكة في القنيطرة تُعد من بين الأكثر احترافية وتنظيمًا من حيث جودة المعدات وعدد الفيديوهات المنتجة. التحقيقات لا تزال جارية، وتعمل الشرطة على تحديد باقي المتورطين، من بينهم أشخاص يتكلفون بإدارة الحسابات البنكية أو تسويق المحتوى عبر مواقع أجنبية. كما يجري التنسيق مع السلطات المختصة لمخاطبة المنصات الإباحية الدولية من أجل سحب المقاطع المصورة ووقف الأرباح الناتجة عنها، إضافة إلى دراسة إمكانية تتبع التحويلات المالية التي جنتها الشبكة.
من جهة أخرى، تسببت هذه القضية في نقاش واسع في الأوساط الإعلامية والحقوقية حول الأسباب التي تجعل بعض الفتيات يُقدمن على مثل هذه التجارب رغم خطورتها القانونية والاجتماعية. البعض يرى أن الفقر، البطالة، وضعف الوعي بخطورة الاستغلال الجنسي، إلى جانب الانبهار الكاذب بالشهرة أو المال السريع، كلها عوامل تجعل بعض الفتيات عرضة للاستغلال من قبل شبكات من هذا النوع. بينما يرى آخرون أن انتشار الثقافة الرقمية وغياب الرقابة الأسرية، مع ضعف التعليم الجنسي والتربوي، ساهم أيضًا في خلق فراغ جعل فئة من الشباب يتجه نحو محتوى يُصوّر باعتباره "حرية شخصية" بينما هو في الحقيقة استغلال ممنهج للضعف الإنساني. وهناك من طالب بتشديد العقوبات على مثل هذه الجرائم وتحديث القوانين لتشمل التجاوزات الرقمية الجديدة، خاصة مع دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي والتزييف العميق، مما قد يفتح الباب أمام ممارسات أكثر خطورة مستقبلاً.
القضية لم تنتهِ بعد، ولا تزال تحت أنظار القضاء، لكن آثارها على الرأي العام كانت قوية، ليس فقط لما تضمنته من تفاصيل صادمة، بل لأنها وضعت الجميع أمام مرآة الواقع: واقع الشباب، واقع القيم، واقع الرقابة، وواقع الإعلام الرقمي الذي يكشف المستور ويسمح أحيانًا بتجاوز الخطوط الحمراء دون مساءلة. وبينما ينتظر المغاربة صدور الأحكام، لا تزال الأسئلة مطروحة بإلحاح: من المسؤول الحقيقي؟ هل هم من صوروا؟ أم من نشروا؟ أم من تركوا هؤلاء الشبان والشابات بلا فرص كريمة للحياة؟ القضية إذن، ليست فقط عن محتوى فاضح، بل عن مجتمع بأكمله يصرخ في صمت.
تعليقات