يا بني، العدل حصنك والدنيا متاع زائل
ولي العهد مولاي الحسن |
يا بني، إن الأمانة التي على عاتقك أثقل من الجبال، وإن العرش الذي تنتظره ليس سريرًا من ذهب، بل صخرة من الصبر والحكمة، وأنت اليوم على أبواب زمن يتغير، ورياحه لا تعرف الرحمة بمن لا يعرف كيف يمسك بالدفة. فاعلم يا بني أن الملك في هذا العصر ليس درعًا يقيك وحده، ولا لقبًا يرفعك فوق الناس، بل هو امتحان دائم، كل ساعة فيه حساب، وكل قرار فيه شهادة أمام الله والناس والتاريخ. فاحذر أن يغرّك المديح، فإن المداحين كثيرون، لكنهم كظلّ الشمس، يطول معك إذا كانت الدنيا مشرقة، ويختفي إذا غابت عنك الأضواء. ولا تصدّق أن الشعب يُساق بالكلمات وحدها، فإن القلوب تُكسب بالعدل، والعقول تُقنع بالبرهان، والبطون تُشبع بالعمل، وليس بالخطابات والوعود.
يا بني، إن الملك بلا عدل كسفينة بلا بوصلة، تضلّ حتى لو كان بحرها هادئًا. والعدل لا يعني المساواة العمياء، بل أن تعطي كل ذي حق حقه، وأن تسمع لصوت المظلوم ولو كان ضعيفًا، وأن تقيم الميزان ولو على نفسك وأهلك وأقرب المقربين إليك. واعلم أن الفساد إذا استشرى في الدولة أكلها من الداخل كما تأكل الأرضة الخشب، فلا يترك فيها قائمًا إلا وأسقطه. فلا تكن ممن يكتفي بتغيير الوجوه ويترك الجذور الفاسدة في مكانها، فإن الشعب يميز بين إصلاح حقيقي وآخر شكلي، ويدرك متى تكون الخطوات للأمام ومتى تكون للوراء.
يا بني، إن التاريخ لا يرحم من غفل عن لحظته الفاصلة. وقد رأيتَ كيف سقطت عروش في بلاد العرب، وكيف تبدلت أحوال شعوب من الغنى إلى الفقر، ومن العز إلى الذل، ليس لأن أعداءهم أقوى منهم، بل لأنهم لم ينتبهوا إلى الصدع في جدارهم حتى أصبح هدمه سهلًا. فتذكر أن الملوك الذين لم يسمعوا إلا أصوات المستشارين المتملقين، صاروا أسرى قصورهم حتى أسقطهم من كانوا يظنونهم أوفياء. فلا تغلق على نفسك أبواب القصر، ولا تحصر عينيك في تقارير تصاغ لك لإرضاء الآذان، بل انزل إلى الناس، وانظر في عيونهم، واسمع شكواهم بلسانهم، بلا وسيط ولا رتوش.
يا بني، إن الريادة في هذا العصر لا تقاس بعدد الخطب، ولا بعدد الوفود الأجنبية التي تزورك، بل بقدرتك على جعل بلدك قويًا في اقتصاده، آمنًا في حدوده، عزيزًا بين الأمم. وإن المغرب، وإن كان له تاريخ طويل ومكانة محترمة، فإنه يعيش في عالم شرس، لا مكان فيه للضعفاء. فابنِ جيشًا قويًا، لا ليعتدي، بل ليحمي. وابنِ اقتصادًا متينًا، لا ليظهر في أرقام التقارير، بل ليشعر به الفلاح في حقله، والصانع في ورشته، والشاب الباحث عن عمل في يومه وغده. ولا تنسَ أن التعليم هو أساس الدولة، فإذا أردت أن ترفع شأن المغرب، فارفع شأن مدارسها وجامعاتها، وأعد للعلم مكانته فوق المحسوبية والواسطة، فإن الأمم لا تنهض إلا بعقول أبنائها.
يا بني، ستأتيك أيام يغريك فيها القريب قبل الغريب، ويحدثك فيها الناصح قبل العدو، فاعلم أن النية الصالحة وحدها لا تكفي، بل لا بد أن تصاحبها بصيرة نافذة ومعرفة دقيقة بمن حولك. فقد يكون في مجلسك من يبتسم في وجهك وهو يزرع الشوك في طريقك. فلا تعطِ الولاء المطلق إلا لمن ثبت إخلاصه بالعمل لا بالكلام، وتذكر أن الخيانة لا تأتي من بعيد، بل غالبًا من قريب كان يُؤمن جانبه.
يا بني، اعلم أن السياسة بحر متلاطم الأمواج، فيها المد والجزر، وفيها الغدر والمفاجآت. فلا تكشف أوراقك كلها، ولا تدخل حربًا إلا إذا عرفت كيف تخرج منها منتصرًا أو سالمًا على الأقل. ولا تجعل العواطف تقود قراراتك، فإن السياسة لا تعرف الرحمة إلا إذا كانت مدروسة. لكن، في الوقت نفسه، لا تدع القسوة تُفسد قلبك، فالقائد بلا رحمة يصبح جلادًا، والرحيم بلا عقل يصبح لعبة في يد من لا يرحم.
يا بني، إن صورة الملك أمام شعبه لا تبنى في المناسبات فقط، بل في المواقف الصعبة، حين يراك الناس ثابتًا لا تهتز أمام العواصف، صادقًا لا تنافق في وجه الأزمات. فإن أعظم ما يتركه القائد بعد رحيله هو سمعته، وهي رأس ماله الحقيقي. ولا تظن أن التاريخ يُكتب بأقلام المؤرخين فقط، بل يُكتب أيضًا في ذاكرة الشعب، وفي القصص التي يتناقلها الناس عنك، جيلاً بعد جيل.
يا بني، المغرب ليس قصورًا وحدائق ومواكب، بل هو قرى بعيدة وطرق وعرة ومدارس متهالكة ومنازل لا تدخلها الكهرباء إلا نادرًا. فإذا أردت أن تحكم المغرب حقًا، فابدأ من هناك، من حيث يعيش الناس حياتهم اليومية، بعيدًا عن البروتوكول والأضواء. فإذا صلح الهامش، قوي المركز، وإذا أهملت الأطراف، ضعف الجسد كله.
يا مولاي الحسن، تذكر دائمًا أن العالم يتغير بسرعة، وأن التكنولوجيا اليوم أقوى من الجيوش في تغيير العقول وتشكيل الرأي العام. فلا تترك الإعلام في يد من لا يدرك خطورته، ولا تسمح أن تصبح صورة المغرب في الخارج أسيرة رواية الآخرين. ابنِ إعلامًا وطنيًا قويًا، صادقًا وذكيًا، يعرف كيف يخاطب الداخل والخارج، وكيف يدافع عن البلاد دون أن يقع في فخ الكذب أو المبالغة.
يا بني، إن الملك إذا لم يكن له مشروع حضاري واضح، يصبح أسير اللحظة، تائهًا بين ردود الفعل. فضع رؤية طويلة المدى، لا لعشر سنوات فقط، بل لأجيال قادمة. واجعل هذه الرؤية قابلة للتنفيذ لا مجرد شعارات، وكن أول الملتزمين بها، فإن القدوة تبدأ من القمة.
واعلم يا بني أن العدل والرحمة وجهان لعملة واحدة، فلا يمكن أن تكون عادلًا حقًا إذا لم تكن رحيمًا، ولا رحيمًا إذا لم تكن عادلًا. وأن الملك بلا تواضع يصبح عبئًا على عرشه، وأن القائد الذي لا يسمع النقد يكتب نهايته بيده.
يا بني، إن التاريخ مرايا كثيرة، منها ما يريك جمال الحكمة إذا اتبعتها، ومنها ما يريك بشاعة الغفلة إذا أهملتها. فانظر إلى تاريخ أسلافك من ملوك المغرب، تجد فيه ما يُبهج وما يحزن، وما يُرفع به الرأس وما يوجب الحذر. ألم ترَ كيف أن جدك المولى إسماعيل، مع ما عُرف به من الشدة، استطاع أن يحفظ للمغرب استقلاله وهيبته وسط أطماع القوى الأوروبية، لأنه فهم أن الملك بلا قوة كالجسد بلا عظام، وأن المفاوضات لا تثمر إلا إذا كان خلفها جيش قوي وهيبة راسخة؟ لكنه في الوقت نفسه، أدرك أن القوة إذا لم يرافقها نظام وعدل، تصبح سيفًا على رقاب الناس، لا درعًا يحميهم.
وانظر يا بني إلى الحسن الثاني، الذي واجه محاولات اغتيال وانقلابات، بعضها من أقرب رجاله، لكنه عرف كيف يخرج منها بأقل الخسائر، بذكاء وحزم وقدرة على قراءة العقول. لقد كان يدرك أن السياسة ليست لعبة صداقات، بل ميدان تنافس وصراع، وأن القائد الذي يثق في الجميع على السواء، ينتهي به الأمر ضحية لمن لا يرحم. ومع ذلك، فقد ارتكب أخطاء جعلت فئات من الشعب تحمل عليه في قلبها جراحًا، وهذا درس لك بأن القوة في الحكم لا تعني إهمال مصالحة القلوب.
يا بني، إنك ستجد في العالم أمثلة أخرى لملوك وقادة كانوا أقرب إلى وصايا الحكمة، مثل الملك محمد الخامس، الذي اختار أن يقف مع شعبه ضد الاستعمار، رغم أن ذلك كان يعني له مواجهة قوى عالمية. لقد فهم أن حب الشعب هو أقوى ضمان للعرش، وأن التاريخ يخلّد القائد الذي يكون مع الناس لا فوقهم فقط. وفي المقابل، انظر إلى شاه إيران محمد رضا بهلوي، الذي ظن أن عرشه خالد لأنه يملك جيشًا وأموالًا ونفطًا، لكنه فقد كل شيء حين أدرك الشعب أن الحكم لم يعد يعبر عنهم، فانهارت أركان ملكه في أيام معدودة، لأن القصور لا تصمد إذا اهتزت الأرض تحتها.
يا بني، إذا أردت أن تعرف كيف تُبنى الدول العظيمة، فانظر إلى التجارب التي نجحت رغم قلة الموارد. اليابان بعد الحرب العالمية الثانية كانت أنقاضًا، لكنهم جعلوا من التعليم والابتكار سلاحهم، حتى صاروا قوة صناعية كبرى. وسنغافورة، التي لم يكن لها من الأرض إلا مساحة صغيرة، أصبحت من أغنى دول العالم، لأن قادتها فهموا أن النزاهة والشفافية أقوى من النفط والذهب. وفي المقابل، هناك دول تسبح فوق الثروات، لكنها غارقة في الفقر، لأن الفساد فيها أقوى من القوانين.
يا بني، إن من أخطر ما يهدد الملك أن يظن أنه يعرف كل شيء، وأنه وحده صاحب الرأي الصائب. القائد الحكيم يحيط نفسه بمستشارين يختلفون في الرأي، لا بنسخ مكررة من نفس الصوت. لكن احذر من أن تتحول الاختلافات إلى صراعات، فإن إدارة التوازن بين الآراء مهارة لا يتقنها إلا القليل. وقد رأيت كيف أن بعض القادة في التاريخ انهزموا لا في ساحة الحرب، بل في غرف القرار، حين سمحوا للغيرة والحسد بين رجالاتهم أن تتفشى حتى شلّت الدولة.
يا بني، إذا كان لك أن تتذكر شيئًا عن السياسة الخارجية، فتذكر أن المغرب كان دائمًا جسرًا بين إفريقيا وأوروبا، وبين العرب والغرب. وهذه ميزة، لكنها أيضًا امتحان. فإن أحسنت استغلال موقعه، صار قوة مؤثرة، وإن أهملته، صار مجرد تابع لسياسات الآخرين. وابحث دائمًا عن تحالفات مبنية على المصالح المتبادلة، لا على العواطف أو المجاملات، فإن الصداقة بين الدول تُقاس بما تحققه لشعوبها، لا بعدد الابتسامات أمام الكاميرات.
يا بني، لا تنسَ أن القوة الناعمة قد تكون في أحيان كثيرة أقوى من القوة العسكرية. الفنون، الثقافة، الرياضة، واللغة، كلها أدوات لتوسيع نفوذ المغرب وجعله حاضرًا في قلوب الشعوب قبل عقولهم. فإذا جمعت بين قوة السلاح وقوة الثقافة، كنتَ قائدًا له سطوة وهيبة لا تزول بسهولة.
وانظر يا بني إلى حال الدول التي أهملت شبابها، كيف تحولت طاقاتهم إلى غضب أو هجرة. إن الشاب الذي لا يجد عملًا، ولا يرى أملًا في وطنه، يصبح سهل الانجراف وراء التطرف أو الهجرة السرية. فإذا أردت أن تحمي المغرب، فابدأ بحماية أمل الشباب فيه. وفر لهم تعليمًا يفتح أبواب العمل، لا شهادات بلا قيمة. شجع المبادرات، وافتح الطريق للمواهب، وكن أول من يسمع أفكارهم.
يا بني، إنني أوصيك أيضًا أن تكون قريبًا من الميدان في أوقات الأزمات، فإن الظهور بين الناس في المحن له أثر لا تساويه أي حملة إعلامية. إذا ضربت السيول قرية، أو اشتعلت الحرائق في الغابات، أو حلّت أزمة غذائية، كن هناك. ليس بروتوكولًا للتصوير، بل فعلًا حقيقيًا، فإن مشهد الملك بين الناس في لحظة ضعفهم، يبني جدارًا من الثقة لا تهدمه الشائعات.
يا بني، اعلم أن الرخاء لا يدوم إذا لم يُبنَ على أسس متينة. إن المشاريع الكبرى مفيدة، لكن قيمتها الحقيقية تظهر حين تنعكس على حياة البسطاء، لا حين تبقى أرقامًا في التقارير. وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "لو أن بغلة في العراق عثرت، لسألني الله عنها: لم لم تمهد لها الطريق؟" فكيف بملك يحكم شعبًا كاملاً؟
وأحذرك يا بني من داء الاستبداد بالرأي، فهو يقتل الإبداع، ويخنق روح الدولة. فإن سمعت من يقول لك إن كل قراراتك صائبة، فاعلم أنه إما أعمى أو مخادع. وإن سمعت من ينتقدك بصدق وأدب، فأعطه أذنًا صاغية، فقد يكون ذلك الصوت أصدق من مئات المديح الكاذب.
يا بني، أوصيك بالحذر من الأحزاب إذا كان همها مصلحتها قبل مصلحة الوطن، فإن كثيرًا منها يرفع الشعارات الكبيرة ليخفي بها مطامعه الصغيرة، ويبيع الكلام المزخرف ليشتري به مكاسب عاجلة. لا تتبع هوى أي حزب ولا تجعل ولاءك لغير المغرب وشعبه، فإن الحزب إذا غضب عليك أو اختلفت معه في مصالحه، نسي كل ما بينكم، أما الشعب إذا أحبك بصدق فإنه يظل معك في السراء والضراء. واعلم أن قربك من المواطن البسيط، الفقير والمهموم، أكرم عند الله من قربك إلى أصحاب النفوذ والمال، فإن الضعيف إذا أحس أنك تحميه، دعا لك من قلبه، ودعوة المظلوم والفقير أسرع إلى السماء من كل المدافع والطائرات.
واحذر يا بني من مصاحبة أعداء الله وأعداء الإنسانية، فإنهم لا يخلصون لك مهما أظهروا الود، ولا يراعون في أحد عهدًا ولا ذمة. وإن جاورتهم أربعين يومًا ولم تحذر منهم، صرت تشبههم في أخلاقهم، ولو لم ترد ذلك. فإن الجليس الفاسد ينقل إليك عدواه بلا أن تشعر، كما النار إذا وضعت بجوار الحطب اليابس فلا بد أن تحرقه. اجعل جلساءك من أهل الصدق والوفاء، فإنهم زادك في الشدائد، وسندك في الأزمات، ولا تقرب من يبيع ضميره، لأن من يبيع ضميره اليوم، يبيعك أنت غدًا.
وأوصيك يا بني بالعدل، فإنه أساس الملك، وهو الحصن الذي إذا انهار انهار معه كل شيء. إن العدل لا يقاس بعدد القوانين التي تصدر، بل بمدى شعور الناس أن هذه القوانين تحميهم جميعًا بلا استثناء. وإذا أردت أن ترى أثر العدل، فانظر إلى البلدان التي استقر فيها الأمن رغم قلة مواردها، وإلى الأخرى التي ضاعت فيها الثروات لأن الظلم عمّها. ولا يكن ميزانك في العدل متأثرًا بالقرب أو البعد، ولا بالحب أو الكراهية، فإن الملك العادل يزن الأمور بميزان الحق، لا بميزان الهوى.
ولا تغتر بالدنيا يا بني، فإنها دار امتحان لا دار مقام، وزينتها خادعة، وسلطانها زائل، وما من ملك جلس على العرش إلا جاء يوم تركه، طوعًا أو كرهًا، وبقي بعده اسمه ممدوحًا أو مذمومًا في ألسنة الناس. فإذا أردت أن يبقى اسمك ممدوحًا، فاعمل لما بعد الدنيا كما تعمل لها، وأعلم أن المال إذا زاد ولم يُصرف في الخير صار وبالًا، وأن السلطة إذا استعملت للظلم قصرت أيامها ولو طال عمر صاحبها.
واعلم يا بني أن أقصر طريق إلى قلب الشعب هو أن تجعل همك الأكبر المواطن الضعيف، الذي لا يجد من يمد له يد العون، ولا من يسمع صوته. فإذا أقمت العدل بينهم، وحميت حقوقهم، ورفعت عنهم الظلم، أحبوك بصدق، وكانوا حصنك من كل عاصفة، فإن دعاءهم لك سلاح لا يراه أحد، لكنه أقوى من ألف جيش.
وفي الختام يا بني، تذكر أن الملكية في المغرب صمدت قرونًا لأنها عرفت كيف تتأقلم مع الزمن، ولأنها وجدت في الأزمات فرصًا للتجدد. فإذا أردت أن تكون حلقة قوية في هذه السلسلة، فكن ملكًا يسمع كما يتكلم، ويعمل كما يأمر، ويخدم كما يُخدم. اجعل من حب الشعب لك حصنك، ومن عدلك سلاحك، ومن علمك مصباحك. وحين يأتي يومك، وتغلق وراءك أبواب الدنيا، لن يبقى في صحيفتك إلا ما فعلت للناس، وما تركته لهم من إرث يجعلهم يذكرونك بالدعاء لا باللعن.
وأخيرًا يا بني، اعلم أن الله إذا أحب عبدًا استعمله في خدمة عباده، وأن الملك إذا كان في خدمة الشعب، كان الشعب له سندًا ودرعًا، أما إذا كان الشعب في خدمة الملك وحده، فإن الريح إذا عصفت لم يجد من يصد عنها. فاجعل يوم توليك الحكم بداية لعهد جديد، لا يخاف فيه الناس من قول الحق، ولا يخشى فيه الضعيف من ظلم القوي، واجعل همك أن تترك المغرب أقوى مما استلمته، وأجمل مما وجدته، وأكثر عدلًا مما كان.
هذا يا بني ما أستطيع أن أوصيك به، وأنت بعدُ على أعتاب الطريق. فإن حفظته وعملت به، كنت ملكًا يحبه الله والناس، وإن غفلت عنه، ضيعت الأمانة، وخسرت نفسك قبل أن تخسر عرشك.