تعبئة أزيد من 2200 عنصر أمني لحماية أكبر موسم شعبي بالمغرب

 الأمن في موسم مولاي عبد الله أمغار: بين الضرورة والمبالغة

موسم مولاي عبد الله امغار
 مقدمة
يُعتبر موسم مولاي عبد الله أمغار بمدينة الجديدة واحدًا من أبرز وأضخم التظاهرات الدينية والثقافية في المغرب والعالم العربي. يمتد هذا الموسم العريق على مدى أسبوع كامل، ويستقطب سنويًا مئات الآلاف من الزوار، من داخل المغرب وخارجه، لما يحمله من دلالات روحية، اجتماعية، اقتصادية، وفلكلورية. غير أن هذا الإقبال الجماهيري الكثيف يجعل من الموسم تحديًا أمنيًا ولوجستيًا بالغ الأهمية، ما يدفع السلطات المغربية إلى حشد ترسانة كبيرة من الموارد البشرية والوسائل التقنية لضمان مرور هذه التظاهرة في أجواء آمنة ومنظمة.
وقد أثار انتباه الرأي العام في السنوات الأخيرة، وخاصة في نسخة 2024، حجم التعبئة الأمنية الضخمة التي فاقت 2200 عنصر أمني، مدعومة بدرونات وكاميرات مراقبة متطورة، إضافة إلى كلاب بوليسية مدربة. وهو ما جعل البعض يتساءل: هل كل هذه الإجراءات ضرورة ملحة أم أنها مبالغة غير مبررة؟
من هنا، تبرز أهمية هذا الموضوع الذي سنناقشه من خلال عرض أسباب هذه التعبئة، مظاهرها، وانعكاساتها على نجاح الموسم، قبل أن نخلص في النهاية إلى استنتاج شامل حول مدى مشروعيتها وأثرها الإيجابي على صورة الموسم ومستقبله.
 العرض
1. خصوصية موسم مولاي عبد الله أمغار
موسم مولاي عبد الله ليس مجرد مهرجان شعبي، بل هو ملتقى روحاني وثقافي واجتماعي تتجذر جذوره في التاريخ المغربي منذ قرون. يقام هذا الموسم في فضاء واسع على الساحل الأطلسي، وتُضرب فيه عشرات الآلاف من الخيام، ليشكّل مدينة مصغرة تستقبل سنويًا ملايين الزوار.
يتميز الموسم بعدة طقوس وعادات، أبرزها عروض التبوريدة التي يشارك فيها آلاف الفرسان من مختلف ربوع المملكة، إضافة إلى الطقوس الدينية المرتبطة بالولي الصالح مولاي عبد الله أمغار. إلى جانب ذلك، يزدهر النشاط الاقتصادي بشكل لافت، إذ يتحول الموسم إلى سوق كبرى تعرض فيها مختلف البضائع والخدمات، من المنتجات التقليدية إلى الأطعمة الشعبية.
لكن هذه الخصوصية لا تخلو من تحديات؛ فالتجمعات البشرية الضخمة تطرح دائمًا مخاطر متعلقة بالأمن، سواء من حيث احتمال وقوع جرائم أو حوادث تدافع أو حتى انتشار مظاهر الفوضى.
2. الأسباب الكامنة وراء التعبئة الأمنية الضخمة
لا يمكن فهم حجم الانتشار الأمني الكبير إلا من خلال إدراك حجم المخاطر المرتبطة بموسم من هذا النوع.
أ. الكثافة البشرية الهائلة
يستقطب الموسم أكثر من مليوني زائر، وهو رقم يتجاوز في بعض الأحيان عدد سكان مدن مغربية كبرى. هذا التدفق البشري يجعل من الضروري وجود جهاز أمني قوي قادر على ضبط النظام وضمان سلامة الحشود.
ب. التحديات الجنائية والتهديدات المحتملة
تشير تقارير إعلامية إلى أن السلطات الأمنية خلال نسخة 2024 تمكنت من توقيف أكثر من 600 شخص بينهم مطلوبون للعدالة، إضافة إلى حجز حوالي 10 أطنان من مسكر ماء الحياة و20 كغ من مخدر الشيرا، فضلاً عن أسلحة بيضاء وأقراص مهلوسة. هذه الأرقام تكشف أن الموسم يشكل أيضًا بيئة يستغلها بعض المنحرفين لترويج المخدرات أو ارتكاب جرائم.
ج. الطابع الرمزي والوطني للموسم
باعتباره أحد أقدم وأكبر المواسم المغربية، فإن أي حادثة خطيرة خلاله يمكن أن تسيء إلى صورة المغرب داخليًا وخارجيًا، خاصة وأنه يجذب أيضًا وفودًا من الخارج. لذلك، يصبح الجانب الأمني رهانا أساسيا في الحفاظ على سمعة المملكة وصورتها الثقافية.
د. الحفاظ على النظام العام
إضافة إلى الجانب الجنائي، فإن إدارة حركة المرور، تنظيم مواقف السيارات، ضبط صفوف المتفرجين، وتأمين الساحات الكبرى كلها مهام تحتاج إلى حضور أمني مكثف ومدروس.
3. مظاهر التعبئة الأمنية خلال الموسم
تميزت النسخة الأخيرة من موسم مولاي عبد الله بانتشار أمني غير مسبوق، تمثل في عدة محاور:
أ. الموارد البشرية
تم نشر أكثر من 2200 عنصر أمني، موزعين بين الدرك الملكي، القوات المساعدة، الأمن الوطني، والسلطات المحلية. كما أُنشئت مراكز قيادة متنقلة وخلايا تنسيق لتأمين مختلف أرجاء الموسم.
ب. الوسائل التقنية
استُخدمت طائرات الدرون لمراقبة التحركات من الجو وتغطية المساحات الشاسعة التي يستحيل مراقبتها كلها بالعين المجردة. كما نُصبت كاميرات مراقبة من الجيل الجديد مرتبطة بمراكز تحكم مزودة ببرمجيات للتعرف على الوجوه وتتبع التحركات المشبوهة.
ج. الكلاب البوليسية
ساهمت الكلاب المدرّبة في كشف المخدرات والأسلحة البيضاء المحتملة، كما وفرت عنصر ردع إضافي يعزز من هيبة الجهاز الأمني ويطمئن الزوار.
د. الإجراءات التنظيمية
تم تشديد المراقبة عند مداخل الموسم من خلال سدود قضائية ونقط تفتيش، إضافة إلى تنقيط رقمي لعشرات الآلاف من الأشخاص عبر وحدات متنقلة مجهزة بلوحات إلكترونية.
4. نتائج التعبئة الأمنية
النتائج التي تحققت كانت ملموسة على عدة مستويات:
تراجع نسبي للجريمة داخل فضاء الموسم مقارنة بسنوات سابقة، بفضل التدخلات الاستباقية.
ضبط كميات كبيرة من المواد المحظورة، ما منع وقوع حالات تسمم أو شغب مرتبط بالإفراط في استهلاك الكحول والمخدرات.
تعزيز ثقة الزوار في قدرة السلطات على ضمان سلامتهم، وهو ما ساهم في رفع نسبة الإقبال.
تحسين صورة الموسم داخليًا وخارجيًا، باعتباره نموذجًا لتدبير التجمعات الكبرى بشكل آمن واحترافي.
5. بين الانتقادات والمشروعية
رغم هذه النتائج الإيجابية، اعتبر البعض أن مشهد الانتشار الأمني المكثف قد يعطي انطباعًا مبالغًا فيه، وكأن الموسم ساحة حرب أكثر منه فضاءً للترفيه والروحانية. غير أن هذا الطرح يغفل حجم المخاطر التي يمكن أن تترتب عن أي تراخٍ أمني في مناسبة بهذا الحجم.
فالتجارب العالمية أظهرت أن أبسط خلل في التنظيم قد يؤدي إلى كوارث إنسانية، كما حدث في مواسم وحفلات موسيقية كبرى عبر العالم، حيث حصد التدافع أرواح العشرات. ومن ثَمّ، يمكن القول إن هذه الإجراءات ليست مجرد استعراض للقوة، بل هي استثمار في سلامة الزوار وصورة المغرب.
 خاتمة
موسم مولاي عبد الله أمغار ليس حدثًا عابرًا، بل هو تراث وطني متجذر في وجدان المغاربة، ومناسبة تجمع بين الروحانية، الثقافة، والتاريخ. غير أن ضخامة هذا الحدث وما يستقطبه من حشود تفرض على السلطات تحديًا أمنيًا كبيرًا، لا يمكن مواجهته إلا بتعبئة بشرية ولوجستية وتقنية هائلة.
إن انتشار أكثر من 2200 عنصر أمني واستخدام أحدث الوسائل من درونات وكاميرات مراقبة وكلاب مدربة ليس فوضى، بل هو جزء من استراتيجية عقلانية واستباقية، هدفها حماية الأرواح، منع الجريمة، وضمان انسياب التنظيم في أجواء تليق بمقام الموسم.
وعليه، فإن مثل هذه التعبئة لا ينبغي النظر إليها كإفراط في الاحتياط، بل كخطوة ضرورية لترسيخ الثقة بين المواطن والدولة، وضمان استمرار الموسم كأحد أبرز الملتقيات التراثية في المغرب. فالأمن في النهاية ليس مجرد وجود رجال بزي رسمي، بل هو شعور بالطمأنينة يرافق الزائر منذ دخوله فضاء الموسم وحتى عودته إلى بيته، وهذا ما تحقق بفضل هذه الإجراءات المحكمة.

تعليقات