أصحاب الموقف في المغرب : عمال على باب الله

   أصحاب الموقف: صمود العمال اليوميين في المغرب


معاناة عمال "الموقف" في المغرب: حياة يومية بين الأمل والإحباط

في المدن المغربية، من الدار البيضاء إلى فاس ومراكش وطنجة، تنتشر ظاهرة "الموقف"، وهي الأماكن التي يتجمع فيها العمال اليوميون بحثًا عن فرص عمل مؤقتة. هذه الأماكن، التي غالبًا ما تكون في ساحات قريبة من الأسواق أو المناطق الصناعية، مثل "موقف العمال" في حي سيدي مومن بالدار البيضاء أو قرب سوق الجملة بفاس، هي نقطة التقاء لأشخاص من خلفيات مختلفة: بعضهم قادمون من البادية على دراجاتهم النارية ذات الـ50 سي سي، وبعضهم من أحياء المدينة الشعبية. حياة هؤلاء العمال مليئة بالتحديات، حيث يعيشون على وقع عدم اليقين، يواجهون صعوبات مادية ونفسية، ويحملون على عاتقهم آمال أسرهم البسيطة.بداية اليوم: رحلة الأمليبدأ يوم عامل "الموقف" في المغرب مبكرًا، غالبًا قبل بزوغ الفجر. بالنسبة للقادمين من البادية، مثل قرى الأطلس أو المناطق الريفية المحيطة بالمدن الكبرى، تبدأ الرحلة على دراجة نارية صغيرة، تحمل أدواتهم البسيطة - مطرقة، مجرفة، أو حتى مجرد كيس بلاستيكي يحتوي على ملابس إضافية. هذه الدراجة، التي قد تكون متهالكة من كثرة الاستخدام، هي شريان حياتهم، تنقلهم عبر طرق ترابية أو وعرة، تحت البرد القارس في الشتاء أو الحرارة الشديدة في الصيف. الرحلة قد تستغرق ساعة أو أكثر، وهي مليئة بالمخاطر، لكن الأمل في العثور على عمل يدفعهم لتحمل هذا العناء.أما العمال من أحياء المدينة، مثل الأحياء الشعبية في الدار البيضاء (سيدي مومن، عين الشق) أو فاس (حي بنسودة)، فيصلون إلى "الموقف" مشيًا أو عبر حافلات النقل العام المزدحمة. هؤلاء قد يكونون أكثر اعتيادًا على إيقاع المدينة، لكنهم يشتركون مع نظرائهم من البادية في التحدي الأكبر: عدم اليقين. في "الموقف"، يتجمع العمال في مجموعات صغيرة، يحملون أدواتهم أو يقفون بلا شيء سوى أيديهم، ينتظرون صاحب عمل يأتي لاختيار من يحتاجه ليوم أو يومين. الانتظار هو سمة حياتهم اليومية، انتظار مشحون بالأمل الممزوج بالقلق.العمل اليومي: بين الفرص النادرة والإحباطعندما يصل صاحب عمل إلى "الموقف"، سواء كان مقاولًا يبحث عن عمال بناء، تاجرًا يحتاج إلى عمال تحميل وتفريغ، أو صاحب منزل يريد دهانًا أو إصلاحات بسيطة، يبدأ التدافع. يتقدم العمال، يعرضون مهاراتهم، ويحاولون إقناع صاحب العمل باختيارهم. الأجر اليومي في المغرب يتراوح عادةً بين 50 و100 درهم (حوالي 5 إلى 10 دولارات)، وهو مبلغ متواضع بالكاد يكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية مثل الطعام أو إيجار غرفة صغيرة في حي شعبي.لكن الفرص ليست مضمونة. قد يقضي العامل يومًا كاملًا في "الموقف" دون أن يتم اختياره. أحيانًا تمر أيام، أو حتى أسابيع، دون عمل. في بعض الحالات، قد يحصل العامل على عمل ليوم واحد، ثم يعود للانتظار 10 أو 20 يومًا دون دخل. هذا الواقع يجعل حياتهم غير مستقرة، حيث يعيشون على حافة الفقر. حتى عندما يحصلون على عمل، قد يواجهون استغلالًا، مثل تأخير الأجر أو دفع أقل مما تم الاتفاق عليه. هذا الإحباط يتراكم، لكنه لا يمنعهم من العودة إلى "الموقف" كل صباح، مدفوعين بالأمل في يوم أفضل.
العودة إلى البيت: بين فرحة الأطفال وخيبة الأملاللحظة الأصعب في يوم العامل هي العودة إلى البيت، خاصة إذا كان اليوم بلا عمل. العامل الذي يحصل على أجر يومي يحاول تخصيص جزء صغير منه لشراء شيء لأطفاله - ربما حلوى، برتقال، أو حتى لعبة صغيرة من بائع متجول. هذه الهدايا البسيطة تعني الكثير للأطفال، الذين ينتظرون والدهم عند الباب، يترقبون بحماس ما قد يحمله لهم. فرحة الأطفال بهذه الهدايا هي لحظة من البهجة في حياة العامل، تعوضه قليلًا عن تعب اليوم.لكن عندما يعود العامل خاوي الوفاض، بعد يوم أو أيام دون عمل، تكون العودة ثقيلة على قلبه. الأطفال، ببراءتهم، يركضون نحوه، يسألونه "يا بابا، جبتي لينا شي حاجة؟"، فيضطر إلى ابتسامة مصطنعة لإخفاء شعوره بالعجز. هذه اللحظات مؤلمة، لأن العامل يشعر بثقل المسؤولية تجاه أسرته، لكنه لا يملك ما يكفي لتلبية توقعاتهم البسيطة. الأم في الأسرة غالبًا ما تحاول التخفيف من هذا الضغط، تدير الميزانية الضئيلة بحكمة، لكن في الأيام الصعبة، قد تضطر الأسرة إلى الاستدانة من الجيران أو الأقارب، مما يزيد من الضغط الاجتماعي.الفروق بين عمال البادية والمدينةهناك اختلافات واضحة بين العمال القادمين من البادية وأولئك من أحياء المدينة. العامل الريفي، الذي يأتي من قرى الأطلس أو المناطق الجنوبية مثل تارودانت أو زاكورة، غالبًا ما يكون أكثر بساطة في توقعاته. حياته في البادية تعتمد تقليديًا على الزراعة أو الرعي، لكن الجفاف وقلة الموارد دفعته للبحث عن عمل في المدينة. رحلته اليومية على الدراجة النارية مكلفة، سواء من حيث الوقود أو صيانة الدراجة، وهو يواجه تحديات إضافية مثل صعوبة التكيف مع إيقاع المدينة السريع أو التمييز الاجتماعي أحيانًا.أما العامل الحضري، الذي يعيش في أحياء شعبية مثل حي المحمدي بالدار البيضاء أو حي الزواغة بفاس، فقد يكون أكثر دراية بفرص العمل في المدينة، لكنه يواجه منافسة شديدة بسبب العدد الكبير من العمال في "الموقف". كثير من هؤلاء العمال كانوا يعملون في وظائف غير مستقرة، مثل الباعة المتجولين أو عمال المصانع، لكنهم لجأوا إلى "الموقف" بعد فقدان وظائفهم أو بسبب نقص المؤهلات التعليمية. على الرغم من اختلاف خلفياتهم، يشترك العمال الريفيون والحضريون في نفس التحدي: عدم الاستقرار الوظيفي والضغط النفسي الناتج عنه.التحديات النفسية والاجتماعيةحياة عمال "الموقف" في المغرب لا تقتصر على التحديات المادية. الضغط النفسي الناتج عن عدم اليقين يؤثر بشكل كبير على صحتهم العقلية. الانتظار الطويل في "الموقف"، والرفض المتكرر من أصحاب العمل، والشعور بالعجز أمام احتياجات الأسرة، كلها عوامل تجعل العامل عرضة للقلق أو الاكتئاب. ومع ذلك، يظل الكثير منهم متمسكين بالصبر والأمل، وهي قيم متجذرة في الثقافة المغربية.من الناحية الاجتماعية، يعاني هؤلاء العمال من التهميش أحيانًا. في "الموقف"، يتشكل نوع من التضامن بين العمال، حيث يتبادلون القصص، يتقاسمون الطعام أو الشاي، ويدعمون بعضهم بعضًا. لكن خارج "الموقف"، قد يواجهون نظرات دونية من المجتمع، خاصة إذا كانوا وافدين من البادية أو يعملون في مهن يُنظر إليها على أنها "دنيا". هذا التهميش يزيد من شعورهم بالعزلة، خاصة لمن يعيشون بعيدًا عن أسرهم.حلول محتملة لتحسين الأوضاعلتخفيف معاناة عمال "الموقف" في المغرب، هناك حاجة إلى تدخلات على مستويات متعددة. أولًا، يمكن للحكومة المغربية تنظيم هذه الأماكن بشكل رسمي، من خلال إنشاء منصات رقمية أو مكاتب عمل تربط العمال بأصحاب العمل بشكل عادل. ثانيًا، برامج التدريب المهني يمكن أن تساعد العمال على اكتساب مهارات تؤهلهم لوظائف أكثر استقرارًا، مثل السباكة، الكهرباء، أو البناء المتقدم. ثالثًا، توفير شبكة أمان اجتماعي، مثل التأمين الصحي أو دعم مالي محدود في الأيام التي لا يجدون فيها عملًا، يمكن أن يخفف من الضغط المادي.بالإضافة إلى ذلك، يمكن للجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية لعب دور في دعم هؤلاء العمال، سواء من خلال تقديم مساعدات غذائية أو دعم نفسي. تعزيز الوعي المجتمعي بقيمة هؤلاء العمال، الذين يشكلون جزءًا أساسيًا من الاقتصاد المحلي، يمكن أن يساهم في تقليل التهميش الاجتماعي.خاتمةعمال "الموقف" في المغرب هم رمز الصمود والكفاح. سواء كانوا قادمين من البادية على دراجاتهم النارية أو من أحياء المدينة الشعبية، فإنهم يواجهون تحديات يومية تجمع بين الجهد البدني والضغط النفسي. حياتهم مليئة بالتناقضات: أمل الصباح وإحباط المساء، فرحة الأطفال بالهدايا البسيطة وألم العودة خاوي الوفاض. هؤلاء العمال يستحقون التقدير والدعم، لأنهم، على الرغم من الظروف القاسية، يواصلون العمل بجد لتوفير حياة كريمة لأسرهم. تحسين أوضاعهم يتطلب جهودًا مشتركة من الحكومة، المجتمع، والأفراد، لضمان أن يكون "الموقف" نقطة انطلاق نحو حياة أفضل، وليس مجرد محطة للمعاناة.
تعليقات