يتهيأ العالم لمتابعة حدث غير مسبوق على صعيد التضامن الدولي مع غزة

أسطول الصمود العالمي: موجة تضامن غير مسبوقة لكسر حصار غزة

اسطول الصمود


مقدمة

في نهاية شهر أغسطس 2025، يترقب العالم حدثًا يُوصف بأنه الأضخم من نوعه في تاريخ التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية: انطلاق "أسطول الصمود العالمي"، وهي مبادرة بحرية شعبية تهدف إلى كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ عام 2007. هذا الحدث، الذي يُعد الأوسع منذ سنوات، يجمع تحالفات عالمية من ناشطين ومنظمات مدنية من أكثر من 44 دولة، في محاولة لفتح ممر إنساني بحري وإيصال المساعدات إلى سكان غزة المحاصرين، الذين يواجهون مجاعة غير مسبوقة وتدهورًا إنسانيًا كارثيًا. في هذا المقال، سنستعرض تفاصيل هذه المبادرة، سياقها التاريخي، التحديات التي تواجهها، ودلالاتها على المستوى العالمي.

خلفية الحدث: الحصار على غزة وسياقه الإنساني

منذ منتصف عام 2007، يعيش قطاع غزة تحت حصار إسرائيلي شامل، يشمل البر والبحر والجو، بهدف عزل القطاع عن العالم الخارجي. هذا الحصار، الذي يُوصف بأنه غير قانوني بموجب القانون الدولي، فرض قيودًا صارمة على حركة البضائع والأفراد، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل كارثي. تفاقمت هذه الأزمة منذ أكتوبر 2023، حين شهد القطاع تصعيدًا عسكريًا إسرائيليًا أسفر عن أكثر من 61 ألف شهيد و153 ألف جريح، إضافة إلى آلاف المفقودين، وانتشار المجاعة التي أودت بحياة مئات الفلسطينيين، بينهم عشرات الأطفال.في ظل هذا الواقع، أصبحت المساعدات الإنسانية شبه معطلة، حيث تُعرقل إسرائيل دخولها أو تؤخرها بشكل متعمد، وهو ما وصفه قادة "أسطول الصمود العالمي" بتحويل المساعدات إلى "فخاخ مميتة". هذا الوضع دفع المجتمع المدني العالمي إلى التحرك، حيث تُعد هذه المبادرة استجابة مباشرة لنداءات الشعب الفلسطيني ومنظمات حقوق الإنسان التي تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وتجويع ممنهج.

ما هو أسطول الصمود العالمي؟

  "أسطول الصمود العالمي"هو مبادرة بحرية دولية أُطلقت في يوليو 2025، وتتألف من تحالف يضم :أربع حركات تضامنية رئيسية

  1. تحالف أسطول الحريةحركة تضامن شعبية تأسست عام 2010، بعد مجزرة سفينة "مرمرة الزرقاء" التي قتلت فيها القوات الإسرائيلية 10 نشطاء أتراك. يهدف التحالف إلى إنهاء الحصار غير القانوني على غزة من خلال تنظيم قوافل بحرية تحمل مساعدات ونشطاء.
  2. أسطول الصمود المغاربي: يُعرف أيضًا بـ"قافلة الصمود"، وهو مبادرة انطلقت في يونيو 2025 بتنظيم "تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين"، ويضم أكثر من ألف مشارك من دول المغرب العربي (الجزائر، تونس، ليبيا، موريتانيا).
  3. المبادرة الشرق آسيوية (صمود نوسانتارا): قافلة شعبية انطلقت من ماليزيا وثماني دول أخرى في شرق آسيا، مستلهمة روح الصمود الفلسطينية. تُعد هذه المبادرة الجناح الآسيوي للأسطول، وتهدف إلى تعزيز التضامن بين دول الجنوب العالمي.
  4. الحركة العالمية نحو غزة: مبادرة شعبية تهدف إلى تنظيم مسيرات وتجمعات مدنية لدعم القضية الفلسطينية وفضح انتهاكات الحصار.
يتكون الأسطول من عشرات السفن الصغيرة التي ستنطلق من موانئ البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك إسبانيا (31 أغسطس 2025) وتونس (4 سبتمبر 2025)، ويشارك فيه آلاف النشطاء من نحو 50 دولة، بينهم أطباء، فنانون، برلمانيون، صحفيون، ونشطاء حقوقيون وبيئيون.أهداف المبادرةتتجاوز أهداف "أسطول الصمود العالمي" مجرد إيصال المساعدات الإنسانية، حيث تسعى المبادرة إلى تحقيق عدة غايات رئيسية:
  • كسر الحصار البحري: فتح ممر إنساني بحري آمن لضمان وصول المساعدات إلى غزة، في ظل إغلاق المعابر البرية وتفاقم المجاعة.
  • فضح الانتهاكات: إلقاء الضوء على جرائم الحرب والتجويع الممنهج الذي تمارسه إسرائيل، والذي يُعد جريمة ضد الإنسانية وفق منظمات حقوقية دولية.
  • تعبئة الرأي العام: تعزيز التضامن العالمي مع القضية الفلسطينية من خلال تحرك مدني مستقل، لا يتبع أي حكومة أو حزب سياسي.
  • الضغط على المجتمع الدولي: دفع الحكومات والمؤسسات الدولية لاتخاذ موقف حاسم ضد الحصار ودعم حق الشعب الفلسطيني في الحياة الكريمة.

التحضيرات والمشاركون

تجري الاستعدادات على قدم وساق لضمان نجاح هذه المبادرة التاريخية. أعلن سيف أبو كشك، أحد منظمي الأسطول، أن أكثر من 6000 ناشط سجلوا للمشاركة، ويخضعون حاليًا لتدريبات لوجستية وإنسانية مكثفة. كما يتم تنظيم فعاليات تضامنية وتوعوية في الموانئ التي ستنطلق منها السفن، مثل التخييم والمسيرات الشعبية.من بين المشاركين البارزين الناشطة السويدية غريتا تونبرغ، التي اشتهرت بمواقفها المناهضة للعدوان الإسرائيلي على غزة. شاركت تونبرغ سابقًا في رحلة سفينة "مادلين" في يونيو 2025، وأعلنت عبر حسابها على إنستغرام أنها ستقود الأسطول انطلاقًا من إسبانيا، بمشاركة شخصيات مثل الممثلة الأمريكية سوزان ساراندون والممثل السويدي غوستاف سكارسغارد.كما يشارك وفد تركي بقوة في الأسطول، حيث أكد الناشط التركي حسين دورماز أن الوفد التركي يحظى بتقدير كبير بين النشطاء، مشيرًا إلى أن المبادرة تستند إلى ميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر فرض حظر غذائي على أي شعب، حتى في أوقات الحرب.

التحديات والمخاطر

على الرغم من الحماس الكبير، يواجه الأسطول تحديات جمة، أبرزها التاريخ الطويل للاعتراضات الإسرائيلية للسفن التضامنية. ففي يونيو 2025، اعترضت البحرية الإسرائيلية سفينة "مادلين"، وفي يوليو 2025، اقتحمت سفينة "حنظلة"، وتم اقتياد كلتا السفينتين إلى ميناء أسدود مع احتجاز النشطاء لفترات قصيرة. هذه الحوادث تذكّر بحادثة سفينة "مرمرة الزرقاء" عام 2010، التي أسفرت عن مقتل 10 نشطاء أتراك.ومع ذلك، يؤكد النشطاء أن هذه العراقيل لن تثنيهم عن هدفهم. الناشطة الفرنسية ماري شورو، على سبيل المثال، أكدت من على متن إحدى سفن الأسطول: "إذا أوقفت إسرائيل سفينة، سنرسل إليها الآلاف!"، مما يعكس عزيمة المشاركين.من التحديات الأخرى التنسيق اللوجستي بين عشرات السفن والموانئ المختلفة، فضلاً عن ضمان سلامة النشطاء في مواجهة احتمالية التدخل العسكري الإسرائيلي. كما أن غياب دعم حكومي مباشر، رغم كونه يعزز استقلالية المبادرة، قد يحد من قدرتها على مواجهة الضغوط الدولية.الدلالات العالميةيُعد "أسطول الصمود العالمي" أكثر من مجرد مبادرة إنسانية؛ إنه تعبير عن تحول في وعي الرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية. يعكس هذا الحدث تنامي الرفض الشعبي لسياسات الحصار والتجويع، ويبرز دور المجتمع المدني في ملء الفراغ الذي خلّفه عجز المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة، عن حماية الشعب الفلسطيني.كما أن مشاركة شخصيات بارزة مثل غريتا تونبرغ وسوزان ساراندون تضفي طابعًا إعلاميًا قويًا، مما يساعد على جذب الانتباه العالمي وتسليط الضوء على معاناة غزة. هذا التضامن المتنوع، الذي يشمل ناشطين من أوروبا، إفريقيا، آسيا، وأمريكا اللاتينية، يعزز فكرة أن القضية الفلسطينية ليست قضية إقليمية، بل إنسانية عالمية.

السياق التاريخي: محاولات سابقة

لم يكن "أسطول الصمود العالمي" المحاولة الأولى لكسر الحصار. منذ عام 2010، نظّم "تحالف أسطول الحرية" عدة قوافل بحرية، لكن معظمها واجه اعتراضات إسرائيلية. حادثة "مرمرة الزرقاء" عام 2010 تُعد الأبرز، حيث أثارت استنكارًا دوليًا واسعًا. وفي السنوات اللاحقة، استمرت المحاولات، مثل سفينة "الضمير" وسفينة "حنظلة"، لكنها واجهت مصيرًا مشابهًا.ما يميز "أسطول الصمود العالمي" هو حجمه غير المسبوق وتنوع المشاركين، مما يجعله تحركًا مدنيًا منسقًا بشكل لم يُشهد من قبل. يرى المحللون أن هذا الأسطول قد يُشكل نقطة تحول في الضغط الشعبي على إسرائيل والمجتمع الدولي لإنهاء الحصار.

الخاتمة

مع اقتراب موعد انطلاق "أسطول الصمود العالمي" في 31 أغسطس 2025 من إسبانيا، و4 سبتمبر من تونس، يترقب العالم حدثًا قد يُعيد تشكيل المشهد الإنساني والسياسي للقضية الفلسطينية. هذه المبادرة، التي تجمع آلاف النشطاء من 44 دولة على متن عشرات السفن، ليست مجرد محاولة لإيصال مساعدات إنسانية، بل هي صرخة مدوية ضد الحصار غير الإنساني والتجويع الممنهج. رغم التحديات، يعكس هذا الحدث قوة الإرادة الشعبية وإصرار المجتمع المدني على تحدي الصمت الدولي. سواء نجح الأسطول في الوصول إلى غزة أم واجه عرقلة، فإن رسالته واضحة: غزة ليست وحدها، والضمير العالمي يتحرك لدعمها.
تعليقات