الحلقة 19 و 20 من مسلسل الهارب الذكتور احمد.

الجزء الاول من سلسلة الهارب الحلقة 19 و 20 


 الحلقة 19: "ظلال الحقيقة"السرد:

كانت الرياح تعصف بالطريق الترابي الضيق، تحمل معها غبار الصحراء الذي يغطي الأفق. الدكتور أحمد، جالسًا في الجزء الخلفي من شاحنة قديمة، يضم حقيبته الصغيرة إلى صدره، وفي جيبه شريط التسجيل الذي أعطته إياه ليلى في البلدة السابقة. كان الصوت المشوه للأعور يتردد في ذهنه مثل صدى لا يهدأ: "ذلك الطبيب المسكين سيظل الجميع يظنونه قاتلاً." كان الشريط دليلًا هشًا، ناقصًا وغامضًا، لكنه كان الخيط الوحيد الذي يربط أحمد بالأمل في إثبات براءته من جريمة قتل عائشة، زوجته التي كانت كل شيء بالنسبة له. الشاحنة توقفت عند مفترق طرق، ونزل أحمد في بلدة صغيرة تُدعى "وادي الريح"، وهي بلدة منسية تقع على حافة الصحراء، تحيط بها تلال جرداء ومنازل طينية تبدو كأنها عالقة في زمن آخر.استقر أحمد في نزل متواضع يديره رجل عجوز يُدعى مصطفى، ذو وجه مجعد وعينين تكشفان عن حياة مليئة بالقصص. قدم أحمد نفسه باسم "يوسف"، محاولًا إخفاء هويته الحقيقية. دفع أجرة ليلة واحدة، وصعد إلى غرفته الصغيرة التي تحتوي على سرير حديدي صدئ وطاولة خشبية متهالكة. جلس على حافة السرير، يفكر في المحقق كريم، ذلك الرجل الذي لا يكل من ملاحقته. كان يعلم أن فرصته التي منحها إياه كريم في الكنيسة المهجورة لن تدوم طويلًا، وأن الأعور، ذلك الرجل ذو العين الواحدة الذي شاهده يغادر منزل عائشة في تلك الليلة المشؤومة، هو المفتاح لكشف الحقيقة.في صباح اليوم التالي، خرج أحمد متخفيًا، مرتديًا قبعة قديمة وسترة بالية اشتراها من سوق البلدة. تجول في الشوارع الضيقة، يراقب الناس بحذر، خوفًا من أن يتعرف عليه أحد. في سوق البلدة الصغير، وقعت عيناه على لوحة إعلانات تحمل صحيفة قديمة. كان عنوانًا صغيرًا يتحدث عن رجل غريب الأطوار يُعرف باسم "الأعور"، شوهد في بلدات مجاورة، ويقال إنه متورط في أنشطة مشبوهة. شعر أحمد بقشعريرة تمر في جسده. كان هذا الخيط الذي طال انتظاره. قرر التوجه إلى الحانة القريبة من محطة القطار القديمة، حيث يُشاع أن الأعور يظهر أحيانًا.في الحانة، التقى بنادلة شابة تُدعى زينب، فتاة في العشرينيات ذات عينين حادتين وروح متمردة. سألها بحذر عن الأعور، مدعيًا أنه يبحث عن صديق قديم. زينب، التي بدت متشككة في البداية، اقتربت منه وهمست: "إذا كنت تبحث عن ذلك الرجل، فهو لا يظهر إلا ليلًا، ويقال إنه يعمل في تجارة مشبوهة عند المستودعات القديمة على مشارف البلدة." شكرها أحمد، لكنه لاحظ نظرة قلق في عينيها، كأنها تعرف أكثر مما تقول.مع حلول الليل، تسلل أحمد إلى المستودعات المهجورة، حيث كان الهواء باردًا والرياح تحمل أصواتًا غريبة من بعيد. كان المكان مظلمًا، باستثناء ضوء خافت ينبعث من أحد المستودعات. اقترب بحذر، وسمع أصواتًا منخفضة، كأنها صفقة تُجرى بين رجلين. أحدهما كان الأعور، بعينه الوحيدة التي تلمع تحت ضوء المصباح الخافت، والآخر رجل بدين يرتدي معطفًا أسود. سمع أحمد الأعور يقول: "الصفقة يجب أن تتم بسرعة، لا أريد أن يعرف أحد أنني هنا." كان قلب أحمد يدق بقوة، لكنه لم يجرؤ على الاقتراب أكثر، خوفًا من أن يكتشفوه.فجأة، سمع صوت محرك سيارة يقترب. كان المحقق كريم قد وصل إلى البلدة، بناءً على معلومات من مخبر محلي. اختبأ أحمد خلف براميل صدئة، يراقب كريم وهو يدخل المستودع مع اثنين من رجال الشرطة. اندلعت فوضى عندما حاول الأعور الهروب، لكنه تمكن من التسلل عبر ممر جانبي. أحمد، الذي كان يراقب المشهد، قرر متابعة الأعور بدلاً من البقاء مختبئًا. ركض عبر الحقول المظلمة، يتبع ظل الأعور الذي كان يتحرك بسرعة مذهلة رغم إعاقته. وصل الأعور إلى كوخ صغير على حافة الغابة، واختفى داخله. أحمد، مترددًا للحظة، قرر عدم المواجهة هذه المرة، لكنه لاحظ صندوقًا معدنيًا صغيرًا ملقى بالقرب من الكوخ. فتحه بحذر، فوجد بداخله أوراقًا تحمل اسم عائشة، وصورة قديمة لها مع رجل مجهول.كانت الصدمة كافية لتجعله يتراجع. حمل الصندوق وعاد إلى البلدة تحت جنح الظلام. في غرفته بالنزل، جلس يفحص الأوراق بعناية. كانت تحتوي على رسائل غامضة تشير إلى أن عائشة كانت تعرف الأعور قبل مقتلها، وأن هناك سرًا يربطها به. إحدى الرسائل كانت مكتوبة بخط يدها، تتحدث عن "خطر يقترب" و"شخص لا يمكن الوثوق به". شعر أحمد بالحيرة والألم. هل كانت عائشة تخفي عنه شيئًا؟ هل كانت متورطة في شيء خطير؟فجأة، سمع طرقًا عنيفًا على الباب. كانت زينب، النادلة، تقف هناك، وجهها شاحب. "أحمد، عليك الرحيل الآن. كريم يعرف أنك هنا، وسيفتش النزل قبل الفجر." سألها أحمد بحيرة: "كيف عرفتِ اسمي الحقيقي؟" أجابت زينب بصوت منخفض: "سمعت قصتك من ليلى، صديقتي في البلدة السابقة. أنا أؤمن ببراءتك، لكنك لست آمنًا هنا." أعطته خريطة قديمة لطريق فرعي يؤدي إلى بلدة أخرى، ونصحته بالمغادرة فورًا. جمع أحمد متعلقاته، وشكر زينب التي بدت وكأنها تخفي سرًا خاصًا بها. مع أولى خيوط الصباح، كان أحمد قد غادر وادي الريح، يحمل الصندوق المعدني وشريط التسجيل، وقلبه يعتصره مزيج من الأمل والخوف.

الحلقة 20: "الليلة الأخيرة"السرد:

كانت السماء ملبدة بالغيوم الثقيلة عندما وصل أحمد إلى بلدة "النهر الأزرق"، وهي بلدة صغيرة تقع على ضفاف نهر هادئ تحيط به غابات كثيفة تتماوج أشجارها مع الريح. كان مرهقًا من السفر الطويل، لكنه لم يستطع التوقف. الصندوق المعدني الذي وجده في وادي الريح كان يشغل تفكيره. الرسائل التي تحمل اسم عائشة أثارت شكوكه: هل كانت زوجته تخفي عنه سرًا؟ ولماذا كان الأعور متورطًا في حياتها؟ كان الصندوق يحتوي على صورة لعائشة مع رجل مجهول، ورسائل غامضة تشير إلى خطر وشيك. قرر أحمد البحث عن شخص يمكنه مساعدته في فك لغز هذه الأوراق. في البلدة، سمع عن رجل يُدعى حسن، وهو صحفي متقاعد كان يعمل في التحقيقات الجنائية، ويقال إنه يعرف الكثير عن الأشخاص المشبوهين في المنطقة.التقى أحمد بحسن في مقهى صغير على ضفاف النهر، حيث كان الهواء يحمل رائحة الأعشاب البرية. كان حسن رجلًا في الخمسينيات، ذو شعر أبيض وعينين ثاقبتين يكشفان عن ذكاء حاد. قدم أحمد نفسه باسم "يوسف"، وحكى له قصة مختصرة عن بحثه عن رجل يُدعى الأعور، مدعيًا أنه يسعى لتسوية دين قديم. أظهر له الصورة التي وجدها في الصندوق، وسأله إن كان يعرف شيئًا عن الرجل المجهول الذي يظهر مع عائشة. حسن، الذي بدا متشككًا في البداية، أخذ الصورة وتفحصها بعناية. ثم قال بهدوء: "هذا الرجل يشبه شخصًا كنت أحقق بشأنه قبل سنوات. كان يعمل في تجارة غير مشروعة، ويقال إنه كان يستخدم اسمًا مستعارًا… الأعور." شعر أحمد بقشعريرة تمر في جسده، لكنه طلب من حسن أن يواصل. أخبره حسن أن الأعور كان متورطًا في شبكة إجرامية تتاجر بالممنوعات، وأن عائشة ربما كانت تعرف شيئًا عن هذه الشبكة، مما جعلها هدفًا.في تلك الليلة، قرر أحمد زيارة مكتبة البلدة القديمة، حيث يحتفظ حسن بأرشيفه الصحفي. كانت المكتبة مظلمة، تضيئها مصابيح خافتة، ورائحة الورق القديم تملأ المكان. هناك، وجد مقالات قديمة تتحدث عن جرائم غامضة في المنطقة، وبعضها يشير إلى رجل بعين واحدة كان يُشتبه بتورطه في جرائم قتل. وبينما كان يقرأ، سمع صوتًا خافتًا من الخارج. اقترب من النافذة، فرأى ظل الأعور يتحرك في الشارع. كان يحمل حقيبة جلدية، ويبدو أنه يتجه نحو محطة الحافلات. أحمد، مدفوعًا بالغضب واليأس، قرر مواجهته هذه المرة. تبعه إلى المحطة، حيث كان الأعور ينتظر حافلة ليلية.في لحظة متهورة، اقترب أحمد من الأعور وصاح: "لماذا قتلت عائشة؟ أعرف أنك أنت!" التفت الأعور ببطء، عينه الوحيدة تلمع بنظرة ساخرة. "أنت لا تعرف شيئًا، يا دكتور. عائشة كانت تعرف أكثر مما ينبغي، ودفعت الثمن." قبل أن يتمكن أحمد من الرد، ظهر المحقق كريم فجأة من بين الظلال، يحمل مسدسه ويصيح: "توقف، أحمد! لا تحرك ساكنًا!" كان الموقف متوترًا، والأعور استغل الفوضى ليهرب مرة أخرى، تاركًا الحقيبة الجلدية وراءه. ألقى كريم القبض على أحمد، لكنه لاحظ الحقيبة وفتحها، ليجد بداخلها وثائق تثبت تورط الأعور في شبكة إجرامية، وبعضها يحمل توقيع عائشة.في مركز الشرطة، جلس أحمد أمام كريم، يشرح له كل شيء: الشريط، الصندوق، والوثائق. كريم، الذي بدا مترددًا، قال: "هذه الوثائق قد تكون دليلًا، لكنها لا تزال لا تبرئك تمامًا. سأرسلها للتحليل، لكنك ستبقى تحت المراقبة." في تلك الليلة، ساعد حسن أحمد على الهروب من المركز بمساعدة زينب، التي وصلت من وادي الريح لتحذيره. أعطته مفاتيح سيارة قديمة وقالت: "اذهب إلى المدينة الكبيرة، هناك قد تجد من يساعدك في فك شفرة هذه الوثائق." مع أول ضوء الصباح, كان أحمد يقود السيارة بعيدًا عن النهر الأزرق، ينظر إلى الصورة القديمة لعائشة في يده، ويتمتم: "لن أتوقف يا عائشة، حتى أعيد اسمي وأعيد عدالك." وراءه، كان المحقق كريم يقف على الطريق، يراقب السيارة وهي تبتعد، وفي قلبه صراع بين واجبه كمحقق وشكه المتزايد في براءة أحمد.


تعليقات