لغز واد الشراط: من الزايدي إلى باها… أسرار الصمت وصعود أخنوش

بين الاغتيال والحسابات الخفية: القصة الكاملة لعبد الله باها وأحمد الزايدي


عبد الله باها، ولد عام 1954 بجماعة إفران الأطلس الصغير بإقليم كلميم في عائلة سوسية، بدأ مساره الدراسي بالتعليم الابتدائي في مجموعة مدارس إفران بمسقط رأسه. حصل على شهادة البكالوريا في العلوم الرياضية عام 1975 من ثانوية يوسف بن تاشفين بأكادير. تابع دراسته العليا في معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط، حيث حصل عام 1979 على دبلوم مهندس تطبيق في التكنولوجيا الغذائية.
بعد تخرجه، انخرط في المجال المهني كمهندس باحث بالمعهد الوطني للبحث الزراعي بالرباط عام 1979، وعمل أستاذًا في معهد الحسن الثاني حتى عام 2002. شغل أيضًا منصب الكاتب العام لصندوق الأعمال الاجتماعية للبحث الزراعي، وكان عضوًا في مكتب جمعية مهندسي البحث الزراعي عام 1987.
في المجال الإعلامي، تولى باها رئاسة تحرير جريدتي "الإصلاح" و"الراية"، وكان نائب مدير نشر يومية "التجديد". من مؤلفاته كتاب "سبيل الإصلاح".
دخل المجال السياسي مع حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية عام 1996 كعضو في الأمانة العامة، ثم انضم إلى حزب العدالة والتنمية، حيث شغل منصب نائب الأمين العام منذ 2004. انتخب نائبًا برلمانيًا عن دائرة الرباط-شالة بين 2002 و2011، ورأس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب بين 2002 و2003، ثم فريق العدالة والتنمية بالمجلس بين 2003 و2006. عام 2007، أصبح نائب رئيس مجلس النواب. كما كان عضوًا في المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح.
في 3 يناير 2012، عينه الملك محمد السادس وزير دولة في حكومة عبد الإله بنكيران، وهو آخر منصب شغله في الدولة حتى وفاته في 7 ديسمبر 2014 بحادث قطار في بوزنيقة.
تدرج في صفوف حزب العدالة والتنمية حتى أصبح الذراع اليمنى لعبد الإله بنكيران وصديقه المقرب، إذ كان يلقب بعقله المدبر وصندوق أسراره. وبالرغم من مكانته العالية، ظل باها بعيداً عن الأضواء الإعلامية، مفضلاً لعب دور الرجل الثاني الذي يدير من الخلف ويزن المواقف بحكمة، وهو ما جعل منه شخصية استثنائية في المشهد السياسي المغربي، حيث كان يُنظر إليه كركيزة أساسية في نجاح تجربة العدالة والتنمية.
لكن القدر، أو كما يقول البعض "اليد الخفية"، وضع حداً لمسيرته في مشهد لا يزال يثير الجدل إلى اليوم، حين وُجد جثة هامدة بواد الشراط بعدما دهسه قطار وهو يتفقد المكان نفسه الذي غرق فيه قبل أسابيع قليلة أحمد الزايدي، أحد أبرز وجوه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والمعروف بكونه زعيماً إصلاحياً داخل حزبه. وفاة الزايدي بدورها كانت محيرة، إذ غرق بسيارته بطريقة اعتبرها كثيرون غير طبيعية، فالرجل كان حذراً وخبيراً، ومن المستبعد أن يغامر بعبور مجرى مائي دون إدراك لمخاطره، خاصة وأنه كان في أوج نشاطه السياسي. وما إن جاء رحيل باها في نفس المكان حتى بدا الأمر وكأنه رسالة مشفرة، فازداد الناس اقتناعاً أن المسألة تتجاوز حدود الصدفة.
عند هذه النقطة خرج المهدي يحمان، المعروف بمواقفه الصلبة ضد التطبيع ومعاداته للصهيونية، ليقول بوضوح إن ما حدث لم يكن حادثين عرضيين، بل اغتيالان مدبران يقف وراءهما الموساد الإسرائيلي الذي خبر مثل هذه العمليات في أكثر من بلد، وأن الهدف من ذلك إرباك المشهد السياسي المغربي والتخلص من شخصيات تشكل عقبة أمام مشاريع العدو. وحسب يحمان، كان أحمد الزايدي مرشحاً لإعادة الروح للمعارضة الوطنية ولإحياء دور الاتحاد الاشتراكي في مواجهة الفساد، بينما كان عبد الله باها العقل المدبر لحزب العدالة والتنمية وصوتاً قوياً مدافعاً عن القضية الفلسطينية، وهو ما جعلهما معاً أهدافاً في حسابات الموساد، خصوصاً في ظرفية إقليمية دقيقة.
الرأي العام المغربي انقسم بين من صدق طرح يحمان وعدّه الأقرب إلى المنطق، ومن رأى فيه مبالغة وافتقاداً للأدلة، إلا أن القاسم المشترك بين الفريقين كان الشك في الرواية الرسمية التي تحدثت عن حوادث عرضية. فالمكان واحد، والزمن متقارب، والشخصيتان من الصف الأول، والنتيجة موت غامض يُطوى ملفه بسرعة، كل ذلك جعل الشارع مقتنعاً أن ما جرى جزء من خطة أكبر.
وقد ازدادت هذه القناعة مع موقف عبد الإله بنكيران الذي آثر الصمت بعد وفاة صديقه وذراعه الأيمن، وخرج من المشهد السياسي بهدوء، بعدما قيل إنه حصل على سيارة فاخرة أهداه إياها الملك وتقاعد شهري قدره سبعة ملايين سنتيم. بالنسبة لكثير من المغاربة، كان ذلك بمثابة الثمن الذي قَبِل به بنكيران لإغلاق الملف دون إثارة الضجة التي قد تعطل ترتيبات كانت تُحاك في الكواليس. ولم يمر وقت طويل حتى عُين سعد الدين العثماني خلفاً له، فبدا منذ البداية ضعيفاً يفتقد للكاريزما والجرأة، يظهر في صورة المسؤول الذي يكتفي بتنفيذ ما يُملى عليه، ما جعل حزب العدالة والتنمية يفقد مصداقيته وبريقه، ويتحول في نظر الشعب إلى مجرد دمية بيد مراكز القرار.
وفي ظل هذا الفراغ السياسي، برز عزيز أخنوش، رجل الأعمال القوي وصاحب النفوذ الاقتصادي الكبير، الذي تحرك بخطوات مدروسة، مستفيداً من شبكة علاقاته القوية مع القصر ومن إمبراطوريته الاقتصادية. ومع الوقت، بدا وكأن الطريق قد مُهد أمامه بعناية، حتى انتهى به المطاف إلى قيادة الحكومة بعد سقوط مدوٍ لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات، وهو سقوط اعتبره كثيرون نتيجة طبيعية لمسار بدأ باغتيال الزايدي وباها، وتلاه إخراج بنكيران بصمت، ثم تسيير العثماني الذي لم يكن سوى دمية في يد من صنعوا المشهد.
وهكذا، ربط كثير من المغاربة بين كل هذه الأحداث، معتبرين أن اغتيال الزايدي وباها لم يكن سوى أولى حلقات سلسلة محكمة لإعادة ترتيب السياسة في المغرب، حيث تحول واد الشراط من مجرد مكان شهد فاجعتين إلى رمز للغموض الذي يحيط بالتحولات الكبرى، وبقي في وجدان الشعب مفتاحاً لفهم ما جرى، وما زال يُطرح السؤال: هل كان الأمر قدراً عابراً أم جزءاً من لعبة أكبر تقاطعت فيها مصالح داخلية وخارجية، وربما، كما قال يحمان، أصابع الموساد؟
تعليقات