أرقام بالملايين تكشف الوجه الخفي لعلاقات السلطة والمال في المغرب
اليكم المستجدات بالارقام.
في خضم الجدل الذي أثارته مجموعة "جبروت" بتسريباتها التي مست شخصيات وازنة داخل الحكومة المغربية، ظهرت تفاصيل جديدة أكثر دقة وإثارة للجدل، جعلت من الموضوع يتجاوز مجرد شكوك عامة إلى مستوى الصدمة المبنية على أرقام ومعطيات رسمية واضحة. الوثائق المسربة التي تداولها نشطاء ووسائل إعلام، والتي لم يُكذّبها أحد بشكل تفصيلي حتى الآن، كشفت عن صفقات عقارية ضخمة قام بها وزير العدل عبد اللطيف وهبي ووزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان فاطمة الزهراء المنصوري، سواء بشكل مباشر أو عبر أفراد من عائلتيهما أو شركات يُعتقد أنها واجهة لمصالحهما. البداية كانت مع عبد اللطيف وهبي، الذي ورد اسمه في وثيقة صادرة بتاريخ 2 دجنبر 2020، تشير إلى حصوله على قرض عقاري بقيمة 11 مليون درهم مغربي من أجل شراء عقار فاخر في حي السويسي بالعاصمة الرباط. المثير في الأمر لم يكن فقط قيمة القرض، بل طريقة سداده، إذ تُظهر الوثائق أن القرض تم تسديده بالكامل في ظرف أقل من أربع سنوات، مع أن راتب الوزير لا يسمح منطقيًا بهذا الأداء المالي دون وجود مداخيل إضافية. الأكثر إثارة للريبة أن العقار المذكور لم يُسجل باسمه، بل تم تسجيله باسم زوجته، بتاريخ 12 غشت 2024، مع تصريح بقيمة الشراء لا تتجاوز مليون درهم فقط، وهو مبلغ أقل بعشر مرات من القيمة الحقيقية، مما يطرح شبهة التصريح الكاذب بغرض التهرب الضريبي، سواء من واجبات التسجيل أو من الضريبة على الدخل المفترض أن يتم احتسابها عند تملّك عقار بهذه القيمة.
الوثائق نفسها تُظهر أن العقار عبارة عن فيلا بمساحة تتجاوز 1000 متر مربع، في أحد أرقى أحياء العاصمة، محاطة بعقار آخر اشتراه رجل أعمال معروف مقرب من دوائر القرار، مما عزز الشكوك حول وجود شبكة مترابطة من المصالح التي يتم فيها تبادل الخدمات والمواقع مقابل تغطية متبادلة. عبد اللطيف وهبي لم ينفِ صحة هذه المعطيات بشكل قاطع، بل خرج في حوار إعلامي لاحق ليؤكد أنه فعلاً اشترى العقار، وسدد القرض بالكامل، لكنه نفى أن يكون هناك أي تهرب ضريبي أو تمويه، وادعى أن المبلغ تم تدبيره من بيع ممتلكات سابقة ومساهمة عائلية، دون أن يقدم وثائق تؤكد ذلك. كما أبدى استعداده للخضوع لمراجعة ضريبية، لكن دون أن يتم الشروع فعليًا في هذه المراجعة حسب ما هو متاح للرأي العام.
أما بالنسبة لفاطمة الزهراء المنصوري، فالقضية أكثر تعقيدًا وتشعبًا، بحكم كونها تشغل منصبين مهمين: وزيرة في الحكومة ورئيسة جماعة مراكش. الوثائق التي تم تسريبها تظهر أنها طرف في صفقة عقارية ضخمة تمت عبر شركة تُدعى Atlas Mountain View، والتي شارك فيها أشقاؤها أيضًا، حيث اشترت الشركة مجموعة من العقارات بثمن إجمالي بلغ 266,173,600 درهم، وهو مبلغ يعادل أكثر من 26 مليار سنتيم. المثير للجدل أن طريقة الدفع لم تكن عبر قنوات مصرفية تقليدية فقط، بل تضمنت دفعة نقدية ضخمة تصل إلى 93 مليون درهم، وهي دفعة تثير الكثير من التساؤلات، أولها: كيف تم تبرير وجود هذا المبلغ نقدًا، ومن أين أتى، وهل تم التصريح به لدى الجهات المالية المختصة؟
الوثائق المسربة تبين أن الصفقة تمت على دفعتين، الأولى بمبلغ 40 مليون درهم دُفعت فورًا، والثانية بمبلغ 133 مليون درهم كان من المفترض تسديدها على مراحل، غير أن الوثائق تشير إلى تأخر في الأداء حتى 30 يوليوز 2024، ما يعزز الشكوك حول وجود تلاعب في الجدولة بغرض تسهيل تمرير الصفقة دون رقابة. الأدهى من ذلك، أن العقارات المعنية توجد في مواقع استراتيجية بمدينة مراكش، حيث من المنتظر أن يتم تحويلها إلى مشاريع فندقية وسكنية فاخرة، وهو ما يمنح الصفقة قيمة مضاعفة في المستقبل. وتزداد الشكوك عندما يتبين أن الجماعة التي ترأسها المنصوري هي التي ستمنح التراخيص اللازمة لإعادة الهيكلة والبناء في هذه المناطق، مما يضعها في موقع تضارب مصالح صارخ بين دورها كمسؤولة عمومية وكمستفيدة غير مباشرة من نفس المشاريع.
وفي ظل هذه المعطيات الثقيلة، ظلت الوزيرة المنصوري تكتفي بتصريحات مقتضبة تنفي فيها ما وصفته بـ"الادعاءات"، دون تقديم تفاصيل مضادة أو توضيحات دقيقة. لم تنفِ وجود الصفقة، بل اكتفت بالقول إن "الأمور قانونية"، دون أن توضح كيف تم دفع 93 مليون درهم نقدًا، أو كيف حصلت الشركة التي تضم أشقاءها على هذا الحجم من الأراضي بهذه السرعة. في المقابل، طالب كثير من النشطاء بإحالة الملف على المجلس الأعلى للحسابات وفتح تحقيق برلماني، إلا أن البرلمان التزم الصمت، فيما لم تُصدر رئاسة الحكومة أي موقف أو تعليق.
أمام هذا الصمت الرسمي، تتسع فجوة الثقة بين المواطنين والسلطة، خصوصًا حين تتعلق الأمور بتصرفات مالية مشبوهة من طرف من يُفترض أنهم يديرون الشأن العام بمسؤولية ونزاهة. فالصفقات الواردة في التسريبات، سواء تلك التي تخص وهبي أو المنصوري، لا تدور فقط حول أرقام وأموال، بل تعكس ذهنية استغلال المنصب لتحقيق مكاسب شخصية في غياب تام للمحاسبة أو الرقابة الفعالة. وهي ليست حالة معزولة، بل واحدة من سلسلة حوادث تجعل الناس يشكون في نزاهة النخبة السياسية ويشعرون بأن القانون لا يُطبق على الجميع.
الجانب الأكثر قسوة في هذه القضية هو أن الأرقام المتداولة في الوثائق تتجاوز بكثير دخل الموظف أو المواطن العادي، وتظهر حجم الفجوة الاجتماعية التي تتسع أكثر عندما يرى الناس من يدّعون تمثيلهم يستفيدون من امتيازات خفية لا يستطيع أحد الوصول إليها إلا عبر النفوذ السياسي أو الحزبي. التسريبات تكشف أن الدولة لا تعاني فقط من مشكلات في توزيع الثروة، بل من خلل عميق في أخلاقيات من يديرونها، خاصة عندما يتم تسخير آليات الدولة، من قروض وتراخيص وتسجيلات، لخدمة مصالح أشخاص بعينهم.
ختامًا، فإن تفاصيل تسريبات "جبروت" ليست مجرد فضيحة عابرة، بل مؤشر على أزمة عميقة تهدد ثقة المواطن المغربي في من يحكمه. وعوض الرد بشفافية وتقديم الوثائق المضادة أو فتح تحقيقات نزيهة، لا يزال الصمت هو سيد الموقف، في وقت لم تعد فيه الهواتف الذكية وشبكات التواصل تسمح بإخفاء شيء. هذا الواقع يفرض على الدولة، إن كانت جادة في محاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة، أن تبادر إلى الكشف عن كل ما يجري في الكواليس، لأن استمرار تجاهل هذه الملفات لن يؤدي إلا إلى مزيد من التوتر والاحتقان الشعبي.
الوثائق نفسها تُظهر أن العقار عبارة عن فيلا بمساحة تتجاوز 1000 متر مربع، في أحد أرقى أحياء العاصمة، محاطة بعقار آخر اشتراه رجل أعمال معروف مقرب من دوائر القرار، مما عزز الشكوك حول وجود شبكة مترابطة من المصالح التي يتم فيها تبادل الخدمات والمواقع مقابل تغطية متبادلة. عبد اللطيف وهبي لم ينفِ صحة هذه المعطيات بشكل قاطع، بل خرج في حوار إعلامي لاحق ليؤكد أنه فعلاً اشترى العقار، وسدد القرض بالكامل، لكنه نفى أن يكون هناك أي تهرب ضريبي أو تمويه، وادعى أن المبلغ تم تدبيره من بيع ممتلكات سابقة ومساهمة عائلية، دون أن يقدم وثائق تؤكد ذلك. كما أبدى استعداده للخضوع لمراجعة ضريبية، لكن دون أن يتم الشروع فعليًا في هذه المراجعة حسب ما هو متاح للرأي العام.
أما بالنسبة لفاطمة الزهراء المنصوري، فالقضية أكثر تعقيدًا وتشعبًا، بحكم كونها تشغل منصبين مهمين: وزيرة في الحكومة ورئيسة جماعة مراكش. الوثائق التي تم تسريبها تظهر أنها طرف في صفقة عقارية ضخمة تمت عبر شركة تُدعى Atlas Mountain View، والتي شارك فيها أشقاؤها أيضًا، حيث اشترت الشركة مجموعة من العقارات بثمن إجمالي بلغ 266,173,600 درهم، وهو مبلغ يعادل أكثر من 26 مليار سنتيم. المثير للجدل أن طريقة الدفع لم تكن عبر قنوات مصرفية تقليدية فقط، بل تضمنت دفعة نقدية ضخمة تصل إلى 93 مليون درهم، وهي دفعة تثير الكثير من التساؤلات، أولها: كيف تم تبرير وجود هذا المبلغ نقدًا، ومن أين أتى، وهل تم التصريح به لدى الجهات المالية المختصة؟
الوثائق المسربة تبين أن الصفقة تمت على دفعتين، الأولى بمبلغ 40 مليون درهم دُفعت فورًا، والثانية بمبلغ 133 مليون درهم كان من المفترض تسديدها على مراحل، غير أن الوثائق تشير إلى تأخر في الأداء حتى 30 يوليوز 2024، ما يعزز الشكوك حول وجود تلاعب في الجدولة بغرض تسهيل تمرير الصفقة دون رقابة. الأدهى من ذلك، أن العقارات المعنية توجد في مواقع استراتيجية بمدينة مراكش، حيث من المنتظر أن يتم تحويلها إلى مشاريع فندقية وسكنية فاخرة، وهو ما يمنح الصفقة قيمة مضاعفة في المستقبل. وتزداد الشكوك عندما يتبين أن الجماعة التي ترأسها المنصوري هي التي ستمنح التراخيص اللازمة لإعادة الهيكلة والبناء في هذه المناطق، مما يضعها في موقع تضارب مصالح صارخ بين دورها كمسؤولة عمومية وكمستفيدة غير مباشرة من نفس المشاريع.
وفي ظل هذه المعطيات الثقيلة، ظلت الوزيرة المنصوري تكتفي بتصريحات مقتضبة تنفي فيها ما وصفته بـ"الادعاءات"، دون تقديم تفاصيل مضادة أو توضيحات دقيقة. لم تنفِ وجود الصفقة، بل اكتفت بالقول إن "الأمور قانونية"، دون أن توضح كيف تم دفع 93 مليون درهم نقدًا، أو كيف حصلت الشركة التي تضم أشقاءها على هذا الحجم من الأراضي بهذه السرعة. في المقابل، طالب كثير من النشطاء بإحالة الملف على المجلس الأعلى للحسابات وفتح تحقيق برلماني، إلا أن البرلمان التزم الصمت، فيما لم تُصدر رئاسة الحكومة أي موقف أو تعليق.
أمام هذا الصمت الرسمي، تتسع فجوة الثقة بين المواطنين والسلطة، خصوصًا حين تتعلق الأمور بتصرفات مالية مشبوهة من طرف من يُفترض أنهم يديرون الشأن العام بمسؤولية ونزاهة. فالصفقات الواردة في التسريبات، سواء تلك التي تخص وهبي أو المنصوري، لا تدور فقط حول أرقام وأموال، بل تعكس ذهنية استغلال المنصب لتحقيق مكاسب شخصية في غياب تام للمحاسبة أو الرقابة الفعالة. وهي ليست حالة معزولة، بل واحدة من سلسلة حوادث تجعل الناس يشكون في نزاهة النخبة السياسية ويشعرون بأن القانون لا يُطبق على الجميع.
الجانب الأكثر قسوة في هذه القضية هو أن الأرقام المتداولة في الوثائق تتجاوز بكثير دخل الموظف أو المواطن العادي، وتظهر حجم الفجوة الاجتماعية التي تتسع أكثر عندما يرى الناس من يدّعون تمثيلهم يستفيدون من امتيازات خفية لا يستطيع أحد الوصول إليها إلا عبر النفوذ السياسي أو الحزبي. التسريبات تكشف أن الدولة لا تعاني فقط من مشكلات في توزيع الثروة، بل من خلل عميق في أخلاقيات من يديرونها، خاصة عندما يتم تسخير آليات الدولة، من قروض وتراخيص وتسجيلات، لخدمة مصالح أشخاص بعينهم.
ختامًا، فإن تفاصيل تسريبات "جبروت" ليست مجرد فضيحة عابرة، بل مؤشر على أزمة عميقة تهدد ثقة المواطن المغربي في من يحكمه. وعوض الرد بشفافية وتقديم الوثائق المضادة أو فتح تحقيقات نزيهة، لا يزال الصمت هو سيد الموقف، في وقت لم تعد فيه الهواتف الذكية وشبكات التواصل تسمح بإخفاء شيء. هذا الواقع يفرض على الدولة، إن كانت جادة في محاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة، أن تبادر إلى الكشف عن كل ما يجري في الكواليس، لأن استمرار تجاهل هذه الملفات لن يؤدي إلا إلى مزيد من التوتر والاحتقان الشعبي.