واحة أسرير وتاغمرت بين وعود المخطط الأخضر وواقع الموت البطيء للنخيل

  أموال طائلة وبرامج تنموية كبرى... لكن الواحات تحتضر

منذ نهاية 2007، أعلن جلالة الملك محمد السادس في ديسمبر في واحة أسرير عن إطلاق الشطر الأول من برنامج إنقاذ وتثمين واحات كلميم وتاغمرت، وهو جزء من مخطط شامل ينطلق من برنامج إنمائي يرمي إلى إنقاذ وتنمية وتأهيل واحات أعالي كلميم وآسا الزاك وطاطا بإجمالي تمويل يُقدر بحوالي عشرة ملايين درهم، شُرِك في تمويله برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووكالة تنمية أقاليم الجنوب، وكانت تكلفة الشطر الأول منه تبلغ 5.3 مليون درهم تركّز على حماية مساحات تزيد عن سبعة كيلومترات من الواحة، وتأهيلها كي تكتسب قيمة إيكولوجية وتاريخية وتحويلها إلى منتوج سياحي بيئي مستدام، مع دعم تربية المواشي وتنمية المنتوج المحلي وتمكين المرأة القروية ضمن مقاربة بيئية تشاركية ومعالجة مشكلات التصحر وانتشار البيوض ومحدودية الأشجار المثمرة التي كانت أقل من 40٪ في الواحة آنذاك، إضافة إلى التوغل في الملكية المتناثرة وضعف الصيانة وهجرة السكان الريفيين 
الصحراء المغربية
كما رافق التدشين مشاريع توسعة الطريق الإقليميين 1304 و1307 بطول 4 و12 كيلومتراً على التوالي بقيمة عشرة ملايين درهم، منها 60٪ خصصتها وزارة التجهيز و40 بالمئة من وكالة الجنوب، ومشروع ماء الشرب بتكلفة 13 مليون درهم يستفيد منها مركز فاصك ودواوير تاغمرت وفاصك وترمكيست بإمدادات ضخ وتوزيع على طول كبير (13 كلم خطوط جر و54 كلم توزيع) 
الصحراء المغربية
في أبريل 2011 أطلقت الوكالة الوطنية لتنمية أقاليم الجنوب بالشراكة مع البنك الإفريقي للتنمية مشروعا تقنيا لدعم تنمية الواحات في الجنوب شمل جماعة أسرير في كلميم، بإقليم كلميم، وجماعات أخرى، بتمويل إجمالي قدره 1.057 مليون دولار (742500 دولار كهدية من البنك، و314500 دولار مساهمة من الوكالة)، استفاد منه أكثر من 35 ألف شخص من حوالي 600 أسرة 
هدف المشروع وضع مخططات جماعية تنموية، تدعيم قدرات الفاعلين، في إطار برنامج التنمية المجالية للأقاليم الجنوبية 2010–2013، لتشجيع الأنشطة المدرة للدخل خاصة للشباب والنساء، وتحسين مستوى عيش السكان وحماية الموارد الطبيعية وتشجيع التخطيط الاستراتيجي والمجالات السوسيو-مؤسساتية 
في تقرير رسمي قدمته هيئة حكومية عام 2022–2024 ضمن برنامج حماية وتأهيل الواحات والفترة الثانية من عمل الوزارة، بلغ حجم الاستثمار في مشاريع تأهيل الواحات حوالي 724 مليون درهم، منها مشاريع الشطر الأول (2009–2022) بتكلفة 57.8 مليون درهم استهدفت واحات أوفوس وتنجداد وسكورة ومزكيطة وأسرير وتيغمرت وتمنارت، إذ شملت تهيئة 45 كلم من المسالك، تركيب 200 عمود إنارة بالطاقة الشمسية، بناء 73 فوهة إطفاء، تنقية 570 هكتار من أعشاش النخيل وتوزيع 35 ألف فسيلة، تهيئة 30 كلم من السواقي والخطارات، وتسجيل أكثر من 2201 حريق دمر 132 ألف شجرة نخيل خلال الفترة 2009–2022 
وعُدّت تاغمرت وأسرير ضمن المناطق المتضررة التي شملها التأهيل رغم ذلك، لكن لا توجد تفاصيل عن حصتها الفعلية من تلك المبالغ.
إضافةً إلى ذلك فإن المرحلة الثانية من برنامج تأهيل الواحات (2022–2024) تضمنت مشاريع حماية من الحرائق، بناء مستودعات واعدات محلية، برمجة “واحة ذكية” لرصد الحرائق، تعزيز أنظمة الري الصغير والمتوسط، بتكلفة نحو 40 مليون درهم للاستفادة من 2400 هكتار ومئات المشاريع الصغرى، لكن المعلومات التي توفرت حول المشاركة المحددة لوحات أسرير أو تاغمرت شبه معدومة أو غائبة في التقارير العامة المنشورة 
أما على مستوى المسؤولين، فتضمّن التدشين الملكي في 4 ديسمبر 2007 حضور عدد من الشخصيات: أحمد حمدي والي جهة كلميم السمارة، أحمد الجماني مدير عام وكالة تنمية أقاليم الجنوب (وكذلك المؤرخ ابن أسرير)، مدير عام المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، مدير الطرق بوزارة التجهيز، المدير الإقليمي للتجهيز والنقل، منتخبات محلية وأعيان وممثلين عن السلطات والقطاع الخاص والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية لتسليم معدات وشتلات ومواشي والجمعيات المحلية كجزء من المجهود التنموي الجماعي 
الصحراء المغربية
مع ذلك، وعلى الرغم من هذه الاستثمارات الكثيرة التي رُصدت منذ الشروع في البرنامج شمولي في الغلاف الزمني ما بين 2007 و2024، تبقى واحة أسرير وتاغمرت تشهدان تدهوراً خطيراً: السكان يذكرون أن النخيل مات في كثير من الجزئيات، ممنوعون من حفر آبار إنقاذ جديدة بحجة الانحباس المائي أو نضوب الفرشة الجوفية، والفلاح الصغير محرم من إمكانيات الري التي وُفّرت للمستثمرين الكبار في الزراعة المكثفة كالدلاح مثلاً، ما أدى لاستنزاف فرشات المياه وتحويل مناطق الزراعة المجاورة إلى أراضٍ قاحلة. لقد جفّت العيون، والناس طردت من أراضيها، وتراجع نصيب الأسرير وتاغمرت من النتائج الميدانية رغم المبالغ الطائلة التي زُعمت لصالحها.
لا يوجد تقرير رسمي واحد يفصل بالاسم حصة أسرير أو تاغمرت في كل برنامج أو الشطر الثاني، وليس هناك قائمة واضحة بالأرقام تخص تلك الواحات فقط. الأسماء المتاحة للمسؤولين تشمل والي الجهة والعامل والوكالة والممثل المقيم للبنك الدولي أو البنك الإفريقي، لكن لم تُذكر أسماؤهم في تقارير لاحقة مثل 2022 رغم ذكر الجهات. فلا يزال الوضع معتمداً على سرد عام ونسب توزيع غير موثقة تفصيلياً للإقليم أو الواحة.
تعليقات