جريمة قتل مروّعة تهزّ منطقة زكوطة: سائق أجرة يتحوّل إلى قاتل دفن ضحاياه في الخلاء
لم يكن أحد في جماعة زكوطة، قرب سيدي قاسم، يتوقّع أن يتحول سائق طاكسي بسيط إلى قاتل متسلسل يدفن زبائنه بدم بارد قرب حقول الذرة والبساتين، وأن تكشف الأرض، ذات صباح، عن سرّ دفن في صمت لسنوات، وكانت رائحته قد بدأت تتسرّب من بين الأعشاب الرطبة في الجهة الشرقية من الدوار. بداية القصة كانت في أواخر سنة 2021، حين تقدّمت عائلة بشكاية عن اختفاء أحد أبنائها الذي غادر المنزل في اتجاه سيدي قاسم، وقال إنه سيأخذ سيارة أجرة للعودة قبل المغرب، لكنه لم يعد قط، ولم يكن له هاتف محمول، ولم يُعرف عنه أنه تغيب يوماً عن المنزل دون إخطار. لم تُثر القضية حينها اهتماماً واسعاً، فقد اختفى الرجل ولم يترك أثراً واضحاً، سوى كلمات أمه التي ظلت تقول: “لقد اختطفوه”. ظن الجميع أنها كلمات أم مفجوعة، ولكن الحقيقة كانت مرعبة أكثر بكثير. بعد أشهر، تكررت نفس الحالة، زبون آخر، شاب هذه المرة، في الثلاثينات من عمره، يعمل في التجارة الموسمية، كان في طريقه إلى المدينة، وركب سيارة أجرة من النوع الكبير. أصدقاؤه رأوه يغادر السوق، لكنه اختفى دون أثر. تشابه الحالتين بدأ يثير الشك، ولكن لا دليل واضح، لا كاميرات، لا شهود دقيقون، والكل يرجّح “الاختفاء الطوعي” أو “الهجرة السرية”.
مرت شهور طويلة، وكان القاتل يعيش حياته كأن شيئاً لم يحدث، يقود سيارة الأجرة، ينقل الركاب، يتبادل المزاح مع الزبائن، يعود إلى منزله مساءً، ويجلس مع أولاده على مائدة الطعام. لم يكن أحد ليشُك في هذا الرجل الذي كان يبدو طيباً، هادئاً، حاضراً في المناسبات الدينية، ومحبوباً من قبل بعض السكان. لكن في داخله، كانت هناك ظلمة غريبة، انطفأت فيها معاني الرحمة، وتحولت إلى نهم إجرامي يبحث عن الزبون التالي، لا لنقله، بل لدفنه.
الانكشاف بدأ عندما اكتشف أحد الفلاحين شيئاً غريباً أثناء حرثه قطعة أرض قريبة من منطقة مهجورة تقع بين زكوطة وسيدي قاسم. رأى طرف قماش بارز من التراب، وعندما اقترب منه أكثر، لاحظ شيئاً أقرب إلى قدم إنسان. صرخ، وهرب، وأبلغ السلطات. حضر رجال الدرك الملكي، وبدأوا الحفر، ليظهر جسد بشري متحلل، مربوط اليدين، ومدفون بشكل عشوائي. بعد معاينة الجثة، عادت الشكوك إلى حوادث الاختفاء السابقة، خاصة وأن الثياب التي عُثر عليها كانت مشابهة للوصف الذي قدمته إحدى العائلات قبل سنة تقريباً. حينها بدأت الخيوط تتشابك. تم فتح تحقيق رسمي، واستخدم المحققون وسائل متقدمة، وبدأوا بمراجعة جميع سائقي سيارات الأجرة العاملين في الخط الرابط بين سيدي قاسم وزكوطة. كانت المفاجأة حين ورد اسم سائق طاكسي معين في إفادتين متقاربتين، حيث أشار بعض الزبائن السابقين إلى أنه كان آخر من شوهد مع الضحيتين.
بهدوء، تم وضع السائق تحت المراقبة، وجرى استجوابه بطريقة غير مباشرة، فأنكر معرفته بأي من المختفين، لكن إحدى دوريات الدرك تتبعت خطواته في الخفاء، ولاحظت أنه يزور منطقة خالية قرب غابة صغيرة مرات متعددة، دون سبب واضح. وفي إحدى الليالي، تمت محاصرته واعتقاله في تلك المنطقة، وعُثر بحوزته على معول وأكياس بلاستيكية كبيرة، وسكين مطبخي حاد. تحت ضغط التحقيق وظهور الأدلة، انهار واعترف. نعم، لقد قتلهم. استدرجهم بعد أن تأكد أنهم يحملون المال، وأن لا أحد سيبحث عنهم في الحال. كان يختار من يبدو عليه الضعف، أو من لا يملك من يسأل عنه. يوقف السيارة في طريق خالية، يهاجم الضحية من الخلف بسكين حاد، ويخنقه حتى يفقد الوعي، ثم يذبحه ويرمي الجثة في الحفرة التي سبق أن أعدّها مسبقاً. دفن اثنين بنفس الطريقة، وكان يخطط لثالث. قال في اعترافاته إنه لم يشعر بالذنب، وإن المال الذي كان يأخذه منهم بالكاد كان يكفي لسد بعض ديونه، وكأنه يرى نفسه ضحية أيضاً، لكنه لم يكن ضحية سوى لوحشيته.
انتقلت السلطات إلى المكان الذي أشار إليه، وفعلاً تم اكتشاف جثة ثانية مدفونة بنفس الأسلوب، تبين أنها تعود للشخص الثاني الذي اختفى قبل أشهر. ضجّت المنطقة بالرعب، فالقضية كانت أكبر من مجرد جريمة. إنها خيانة لثقة الناس، جريمة مزدوجة: قتل النفس، وقتل الأمان الجماعي. عاد الحديث عن الكاميرات في الطاكسيات، وعن ضرورة تتبع تحركات السائقين، وعن ضرورة فرض إجراءات أمنية لحماية المواطنين. أما هو، فقد جرى تقديمه إلى العدالة، حيث واجه تهماً متعددة، من بينها القتل العمد، والتمثيل بالجثث، والسرقة تحت التهديد، والدفن غير الشرعي.
في المحكمة، لم يظهر ندمًا حقيقيًا، كان ينظر إلى الحاضرين ببرود، وكأنهم مجرد وجوه عابرة. أما عائلات الضحايا، فقد جاءوا يحملون صوراً باهتة لأبنائهم، يرفعونها أمام القاضي والعدسات، ويطلبون العدالة في بلد لا يزال يئن تحت صدمة الجرائم الصامتة.
قصة هذا السائق ليست مجرد حادث فردي، بل هي مرآة لمجتمع بدأت فيه العلاقات تتفكك، والثقة تنكسر، والناس يختفون دون أن يسأل عنهم أحد. لكنها أيضاً دعوة لإعادة النظر في منظومة النقل، وفي طريقة تعامل الدولة مع الجرائم ذات الطابع المتسلسل، خصوصاً في البوادي والقرى البعيدة عن العاصمة والأنظار. لقد اعتقد القاتل أن لا أحد سيكتشف أمره، وأن الأرض ستبتلع أسراره إلى الأبد، لكن الحقيقة، كما يقال، لا تموت، بل تظهر من تحت التراب، لتفضح كل يد تلطخت بالدم، وكل ضمير اختار أن يصمت.