الشيخ إبراهيم أبو حمزة بقلال: صوت الحق في زمن التضييق

سيرة ومسيرة الشيخ إبراهيم بقلال وجهوده الدعوية في المغرب

الشيخ إبراهيم بقلال، المعروف بلقب "أبو حمزة"، هو داعية وخطيب مغربي نشأ في منطقة الصويرة وانتقل لاحقًا إلى مدينة أيت ملول بجهة سوس، حيث استقر وبدأ نشاطه الدعوي منذ أوائل الألفية الثالثة. يُرجّح أنه من مواليد ستينيات القرن الماضي، ما يجعله اليوم في العقد السادس من عمره، وقد تخرّج في تخصص اللغة الإسبانية، قبل أن يتفرغ للعمل الدعوي من خلال المساجد، خاصة مسجد حي بوعيطة، والخطب العامة والمنشورات الرقمية. ورغم غياب معلومات رسمية دقيقة عن تاريخ ومكان ميلاده، فإن حضوره العلمي والدعوي وجرأته في طرح القضايا الحساسة جعله من أكثر الدعاة تأثيرًا في الساحة المغربية.
 الشيخ إبراهيم أبو حمزة بقلال هو واحد من أبرز الدعاة والخطباء الذين ذاع صيتهم في المغرب، خصوصًا في منطقة سوس الكبرى، وبالضبط من مدينة أيت ملول، حيث يتوافد عليه المصلون بالآلاف للاستماع إلى خطبه ومواعظه التي تجمع بين العلم الشرعي والأسلوب القوي الصريح الذي يلامس هموم الناس اليومية. بدأ الشيخ دعوته منذ سنوات طويلة، وكان حضوره في المساجد قويًا منذ بدايته، حيث عرف عنه الانضباط وحب العلم والتعلّق بالمساجد، وارتبط اسمه بخطب الجمعة وخطب العيد، والتي غالبًا ما تحظى بانتشار واسع في منصات التواصل الاجتماعي ويوتيوب، لما فيها من بلاغة وصراحة وإحاطة بالأحداث الجارية، سواء في المغرب أو خارجه. كثيرون من متابعيه يرون فيه نموذجًا للداعية الذي يملك الشجاعة والوضوح في زمن أصبح فيه الخطاب الديني في بعض الأحيان باهتًا أو محايدًا تجاه كثير من القضايا المصيرية، ويمتاز الشيخ بأسلوبه الذي لا يهادن، فهو لا يتردد في تسمية الأشياء بمسمياتها، ويتحدث بلغة الشعب، ويضع يده على الجراح التي تنزف في المجتمع، وقد كانت هذه الصراحة سببًا مباشرًا في الواقعة الشهيرة التي عُرفت إعلاميًا بـ"إيقاف الشيخ بقلال"، حيث ألقيت عليه خطبة وُصفت بالنارية في مصلى مسجد بوعيطة بأيت ملول، هاجم فيها محاولات التشكيك في شرعية إمارة المؤمنين، وتحدث عن خطورة الدعوات إلى المساواة في الإرث، والتحرر الأخلاقي تحت مسمى الحرية الفردية، وهو ما تسبب في ضجة كبيرة، انتهت بتدخل السلطات المحلية وإصدار قرار بإيقافه مؤقتًا عن الخطابة وإغلاق المصلى الذي كان يؤم الناس فيه. لم يكن ذلك سوى تتويج لسلسلة من المواقف الجريئة التي اشتهر بها الشيخ، والذي لم يغيّر من لهجته ولا من رسائله، بل اعتبر الأمر محنة في سبيل الله، وفرصة لمراجعة حقيقة الصراع بين الخطاب الإسلامي الصادق، والخطابات المصنوعة التي يُراد لها أن تُمثّل الإسلام الرسمي المعقّم من كل محتوى تغييري حقيقي.
عرف الشيخ إبراهيم بقلال بخطبه النارية التي يدافع فيها عن الإسلام والسنة النبوية، ويقف فيها بالمرصاد للأفكار الهدامة والتيارات التي تسعى إلى زعزعة ثوابت المجتمع المغربي المسلم، كالدعوات إلى المساواة في الإرث، أو التطبيع الأخلاقي مع العلاقات المحرمة، أو التشكيك في المؤسسات الدينية والوطنية، وعلى رأسها مؤسسة إمارة المؤمنين، التي يعتبرها الشيخ صمام أمان البلاد، ويُصرّ على ضرورة دعمها واحترامها. لا يتردد الشيخ في توجيه النقد للأفكار التغريبية، ويرى أن جزءًا كبيرًا من الأزمات الأخلاقية والاجتماعية في المجتمع المغربي مردها إلى تبني منظومة قيم مستوردة لا تمت إلى بيئة وهوية المغاربة بصلة، ويحمّل الإعلام والمدرسة والمجتمع المدني مسؤولية الترويج لهذه الأفكار. ويشدد دائمًا على أن الحل يكمن في العودة إلى الدين، والتمسك بالقرآن والسنة، والرجوع إلى العلماء الصادقين الذين لا يبيعون دينهم مقابل رضا الحكام أو الشهرة. وكانت حادثة الإيقاف التي تعرض لها بمثابة اختبار حقيقي لموقفه وثباته، إذ لم يتراجع قيد أنملة، بل عبّر بطريقته عن استعداده لتحمّل نتائج قول الحق، وأنه لن يكون ممن يلوّنون خطابهم حسب الظروف السياسية أو الحسابات الأمنية.
يتحدث الشيخ في خطبه كثيرًا عن التربية، ويؤكد على أهمية تربية الأبناء على العقيدة الصحيحة منذ الصغر، ويضرب الأمثلة من الواقع ليبين كيف أن التفريط في تربية الأبناء يؤدي إلى نتائج كارثية، من انحراف أخلاقي، وانجرار نحو المخدرات، أو الإلحاد، أو الانبهار بنماذج فاسدة في الإعلام أو السينما. كما أنه يدعو إلى ترسيخ روح المسؤولية داخل الأسرة، وتحفيز الآباء والأمهات على العودة إلى منهج التربية النبوية الذي يزرع في الأبناء الإيمان وحب الطاعة وبغض المعصية، ويضع الله نصب أعينهم في كل تصرفاتهم. ولا ينسى الشيخ أن يربط بين القيم الدينية والسلوك العملي، فهو لا يكتفي بالتحذير من المعاصي، بل يقدم بدائل عملية، ويوجه الشباب إلى الصحبة الصالحة، والالتحاق بحلقات العلم، والانخراط في أنشطة المساجد، ويشجع على الزواج المبكر، ويحذر من التبرج والخلاعة والاختلاط الفاحش الذي يروَّج له تحت مسمى الحرية الفردية.
ويحظى الشيخ أبو حمزة بشعبية كبيرة في الأوساط الشبابية، خصوصًا بين طلبة العلم ومحبي الخطاب الإسلامي الواضح، ويرجع هذا إلى قدرته على تبسيط المفاهيم العقدية والفقهية، وقدرته على المزج بين الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والواقع المعيشي، مما يجعل خطبه لا تنحصر في الجانب الوعظي فقط، بل تتحول إلى خطاب تنويري يربط الإنسان بدينه وبوطنه وبأمته. كما أن حضوره القوي على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة في يوتيوب وفيسبوك، ساهم في إيصال صوته إلى مناطق بعيدة داخل وخارج المغرب، حيث يتابع خطبه المغاربة في أوروبا والخليج، ويشيدون بصراحته وغيرته على الدين، كما أنه كثيرًا ما يتلقى الدعوات لإلقاء محاضرات ودروس في عدد من المدن، نظرًا لما له من تأثير قوي في النفوس، وقد صرّح بعضهم أن قرار منعه مؤقتًا من الخطابة كان هدفه تقييد هذا التأثير المتنامي، غير أن الواقعة زادته شهرة ومكانة في قلوب المتابعين، وأصبح يُنظر إليه كأحد الأصوات التي لم تُشترَ ولم تنحنِ للضغوط.
في رمضان، يبرز الشيخ بشكل لافت، خصوصًا في صلاة التراويح والقيام، حيث تؤمّ المساجد التي يصلي فيها آلاف المصلين، وتتحول صلاته إلى مناسبة دعوية وروحية استثنائية، لما تحمله من تفاعل وبكاء وتأثر واضح من طرف الحاضرين. وقد كانت ليلة 23 من رمضان 1445هـ من أبرز الليالي التي تألق فيها، حيث صلّى بالناس صلاة القيام في مسجد بووعيطة، وكانت قراءته وخشوعه وتضرعه حديث الناس بعدها. كما أن خطبة عيد الفطر التي ألقاها تلك السنة حصدت مشاهدات قياسية، واعتُبرت من أقوى ما أُلقي في المغرب في تلك المناسبة، لما حملته من رسائل سياسية واجتماعية ودينية، ولما تميزت به من نقد جريء لواقع الأمة الإسلامية، ومن تحفيز على الاستمرار في الطاعة بعد رمضان، وقد تكون تلك الخطبة بالذات هي التي عجّلت بإيقافه، لما تضمنته من إشارات قوية ضد مشاريع التغريب والانفلات القيمي.
ولا يقتصر نشاط الشيخ على الخطابة والوعظ، بل يقوم أيضًا بتدريس عدد من الكتب العلمية، ومنها كتاب "وسيلة الإيمان" للشيخ السّعدي، الذي يشرحه بأسلوب مبسط، وينشر دروسه على الإنترنت، لتعم الفائدة. كما يلقي بين الفينة والأخرى دروسًا في السيرة النبوية، والعقيدة، والأخلاق، ويخصص وقتًا للرد على الشبهات الفكرية والإلحادية التي تستهدف الشباب. وهو يؤمن بأن المعركة الحقيقية اليوم هي معركة الوعي، ولهذا فهو يحرص على أن تكون رسالته موجهة بالدرجة الأولى للعقل المسلم، من أجل تحصينه من التيارات التي تعبث بفكره وهويته، ويؤكد أن الصراع ليس فقط بين الحق والباطل، بل أيضًا بين الصدق والتزييف، بين الثوابت والميوعة، بين الإسلام الذي أنزله الله، والإسلام الذي يريد البعض تفصيله على مقاسه.
ورغم ما يواجهه الشيخ من تضييق أو محاولات لإسكاته، إلا أنه لا يتراجع عن مواقفه، ويعتبر أن السكوت عن المنكر خيانة للأمة، وأن وظيفة الداعية ليست البحث عن رضا الناس، بل إرضاء الله تعالى وبيان الحق ولو كرهه الناس. وهو يردد دائمًا أن السكوت عن الباطل لا يُنتج إلا الذل والهوان، وأن العزة لا تكون إلا باتباع سبيل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والتمسك بما كانوا عليه من عقيدة وسلوك وجهاد في سبيل الله، وقد بيّن بفعله قبل قوله أنه مستعد لدفع ثمن صدقه مهما كلفه ذلك من شهرة أو موقع أو منصب.
ومن خلال مسيرته الدعوية، يتضح أن الشيخ بقلال لا يسعى إلى الشهرة ولا يتقرب من مراكز القرار، بل يعيش قضيته ويؤمن برسالته ويضحّي من أجلها، ويعمل من مسجده وحلقاته ومواقع التواصل على نشر ما يعتقد أنه الحق. إن حادثة منعه من الخطابة لم تكن نهاية، بل كانت بداية جديدة لصوت أعلى وموقف أوضح وحضور أقوى، لأن الناس عادة لا تلتفّ إلا حول من يدفع الثمن، ويصبر على البلاء، ويثبت حين يتراجع الآخرون. وهذا ما جسده أبو حمزة في واقعه وسيرته، وهو ما جعله اليوم في أعين كثيرين من الشباب والناس رمزًا للصدق والثبات في زمن التلوّن والركون.

تعليقات