كيف علِقت شاحنة ضخمة في نفق حديث كلّف 86 مليار سنتيم... وما فعله السائق لصدم الجميع؟

حادثة نفق الموحدين: شاحنة تعلّق وتُقطع وسط الدار البيضاء في مشهد ساخر ومثير للجدل

في يناير 2025 اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي في الدار البيضاء بحادث مفاجئ وقع داخل نفق الموحدين، ذلك النفق المفترض أن يكون رمزًا للحضارة الحديثة والفعالية المرورية في قلب العاصمة الاقتصادية للمغرب. شاحنة ضخمة مجهولة من نوع مقطورة أو “رموك”، رغم وجود لافتات تحذيرية واضحة عند مداخل النفق تمنع مرور المركبات التي يتجاوز ارتفاعها ثلاثة أمتار، قرر سائقها تجاوز هذا التحذير والمضي قدمًا داخل النفق. ما حدث بعد ذلك كان مادة مثالية لمشهد سينمائي كوميدي وساخر، رغم أنه في الواقع كان حادثًا حقيقيًا أضر بالبنية التحتية وأربك السير لعدة ساعات. عند دخول الشاحنة إلى ممر النفق، اصطدمت بفتحات التهوية العلوية المثبتة في السقف، مما أدى إلى تعطلها أو كسرها بشكل واضح، وكذلك تعطل حركة السير فورًا وتعطل الفانيلات المرورية.
على الفور توقفت حركة السير داخل النفق، وهو ما تسبب في شلل تام لواحدة من أهم المحاور التي تمر عبر شارع الجيش الملكي باتجاه منطقة مسجد الحسن الثاني، حيث يبلغ عدد السيارات التي تمر غالبًا أكثر من 53 ألف مركبة يوميًا، وتصل الذروة لحوالي 4500 سيارة في الساعة، حسب الإحصائيات الرسمية، مما زاد من ضيق السائقين الذين وجدوا أنفسهم محاصرين في زحمة خانقة دون مخرج سريع 
وتشير شهادات شهود العيان إلى أن بعض السائقين الذين كانوا في طابور الانتظار المستمر على طول الشارع، لاحظوا أن الجزء العلوي من الشاحنة معلّق في سقف النفق، ثم بدأ سائق الشاحنة أو مرافقوه بإخراج أدوات حادة—منشار حديدي أو قطعة تقطيع وباستعمالها قطعوا الجزء العلوي المتضرر من هيكل الشاحنة من أجل تقليص ارتفاعها كي لا تبقى عالقة في النفق. بعد هذا التعديل السريع والدرامي، تمت إعادة الشاحنة ببطء إلى الخلف، ومعها خرجت من النفق بعد أن أقلعت الحركة داخل الممر تدريجيًا .
المشهد تم تصويره بالمصادفة من طرف بعض المارة أو السائقين باستخدام الهواتف، وسرعان ما انتشر مقطع الفيديو عبر تطبيقات التواصل بفكاهة واستنكار. العديد من التعليقات سخرّت من أن “الشاحنة أجرت عملية جراحية داخل النفق”، وأن “85 مليار سنتيم (=860 مليون درهم) أنفقتها الدولة على نفق بهذا النوع من الإشكالات”. البعض اعتبر أن النفق افتقر إلى نظام ذكي ينبه مسبقًا السائقين مثل اللوحات الضوئية أو حواجز مرنة تحول دون دخول مركبات غير مناسبة، رغم أن المشروع نفسه يحتوي على كاميرات ومراوح وإنارة LED وأنظمة تحذير وطوارئ متقدمة تُدار بواسطة الذكاء الصناعي بحسب التصميم الأصلي .
ليس واضحًا إن كانت السلطات المختصة قد اعتبرت قطع الشاحنة طوعيًا من جانب السائق أم تم إجباره تحت ضغط التوقف والحصار المروري، لكن بعض التعليقات الصحفية أشارت إلى تحرك الشرطة والوقاية المدنية فورًا لتطويق المنطقة، وإزالة الشاحنة، وإعادة توجيه المركبات والمسارات البديلة بينما تُجرى تحقيقات لتحديد المسؤوليات القانونية والمرورية. 
وتمت معاينة الضرر في فتاحات التهوية ومعدات السلامة في النفق، والذي كلّف إصلاحه موارد إضافية وربما تسبّب في مزيد من الهدر للمشروع الذي بُني على مدى 48 شهراً بتكلفة نحو 860 مليون درهم .
الواقعة أعادت إلى السطح النقاش العام حول سلامة البنية التحتية، خاصة أن النفق – على الرغم من كونه الأطول في إفريقيا (بحوالي 2.2 كلم منها 1.8 كم تحت مستوى الأرض) – صُمم لأجل تخفيف الاختناق المروري وجعله بديلاً ذكيًا وسلسًا لعبور المدينة. 
لكن تصرف سائق شاحنة تثاقل تجاه التعليمات وواجهات التحذير أظهر أن المشروع، رغم حداثته، لم يكن مؤمنًا بالكامل ضد أخطاء الاستخدام البشري، بل يحتاج إلى رقابة فعلية على المداخل لمنع المركبات الثقيلة من المرور، وربما أجهزة وزن أو حساسات ارتفاع قبل دخول النفق.
من جانب مستخدمي الطريق، أعرب الكثير منهم عن غضبهم من تجاهل بعض سائقي المركبات الثقيلة للإشارات التحذيرية. فبينما يدفع المواطنون ضرائب ومساهمات ضمن أجندة تحسين النقل الحضري، يتسبب بعض السائقين المتهورين في تعطيل النظام بطريقة بسيطة لكنها فعالة—في تلك الحالة، كُفّ النظام الذكي للخطر فقط لعدم احترام السائق لقاعدة المرور 
وجد المجتمع المدني بعض الأصوات تطالب بتركيب حواجز آلية أو تثبيت أعمدة قابلة للانزلاق عند مداخل النفق، بحيث تنكسر أو تتحطم إذا دخلت مركبة ارتفاعها أكبر من الحد المسموح، بدلًا من الاعتماد على الشرح والتعليمات فقط. بينما دعت جمعيات مرورية إلى التحقيق في المسؤوليات القانونية وتحميل السائق تبعات الخطأ المادي والنفسي الذي تسبب فيه، خاصة أن النفق بات يمثل محورًا رئيسيًا للسير في قلب المدينة .
الحادث لم يتسبب بإصابات بشرية، لكن أثره كان كبيرًا على مشاعر الناس. فقد قال البعض: “أنت تُفتّش عن أي مكان لتجعل منه مثالًا للسوء؟ ها أنت في واحد من أحدث أنفاق إفريقيا، وهذا ما حدث.” والمشهد أصبح يستخدم في النقاشات الساخرة: “حتى التقنيات الكامنة في النفق لم تنفع حين خالف الإنسان القوانين. إنه اختبار محدود للذكاء الاصطناعي في وجه غباء بشري بسيط”.
وبعد أن تم إخراج الشاحنة وأزيلت العوائق، بدأت السلطات في تنظيم المسارات البديلة، وفتحت تحقيقًا للحوادث المتكررة، وشدّدت الرقابة على مداخل النفق. وتم رفع لافتات إضافية وحواجز مادية إن لزم الأمر. وتأكيدات المسؤولين أشارت إلى أن النفق كان به أنظمة ذكية وإشارات ضوئية، لكنه بحاجة إلى تحديثات تقنية وتصعيد الإجراءات الوقائية لضمان عدم تكرار هذه الحوادث مستقبلاً .
باختصار، الحادثة تمثل درسًا حقيقيًا حول هشاشة السلامة المرورية حتى في أغلى وأحدث المشاريع. فقد كلف نفق الموحدين الدولة ملايين الدراهم، وعُدّ منارة جديدة للحداثة، بوجود أنظمة الذكاء الاصطناعي والكاميرات والمراقبة، لكن حادثة شاحنة کوتّعت سقفها داخل النفق رفعت علامات الاستفهام عن فعالية تلك الأنظمة عندما يهمل سائق قواعد بسيطة. القصة متداولة حتى اليوم كمثال ساخر على أن التكنولوجيا بدون التزام فردي لا تقدر أن تمنع مشاكل قد تبدو تافهة، لكنها تؤثر بقوة على الحياة اليومية في مدن متقدمة ضمن بنيتها التحتية.
تعليقات