الملك فيصل... الرصاصة التي أوقفت قلب حكيم العرب

اغتيال الملك فيصل: حين جاءت الخيانة من داخل القصر


 الملك فيصل بن عبدالعزيز... الرصاصة التي أخرست رجل الحكمة
في تاريخ المملكة العربية السعودية، لا يُذكر اسم أعظم من الملك فيصل إلا ويتبعه احترام ودهشة. الرجل الذي عرفته الأمة كرمز للعدل والحكمة والجرأة السياسية، سقط برصاص من داخل بيته، في واحدة من أغرب حوادث الاغتيال في العالم العربي.
 من هو الملك فيصل؟
ولد فيصل بن عبدالعزيز آل سعود عام 1906، وتربى على السياسة منذ نعومة أظافره، فقد أرسله والده الملك عبدالعزيز في بعثات دبلوماسية مبكرة. تولى الحكم رسميًا عام 1964 بعد خلع أخيه الملك سعود، وبدأ بإصلاحات داخلية كبيرة، وشهدت المملكة في عهده تحديثات في البنية التحتية والتعليم والقضاء.
على الصعيد الخارجي، برز كقائد عربي له كلمة، خاصة في موقفه من الولايات المتحدة بعد حرب أكتوبر 1973، حيث قرر قطع النفط عن الدول الداعمة لإسرائيل، ما جعله بطلاً في نظر الشعوب الإسلامية والعربية.
 تفاصيل يوم الاغتيال: الثلاثاء، 25 مارس 1975
كان ذلك صباح يوم هادئ في قصر الملك فيصل بالرياض. كعادته، كان يستقبل الزوار الرسميين في "المجلس" الخاص به، دون حماية أمنية مشددة. كان رجلًا بسيطًا في تعامله، لا يُحب المظاهر أو العزلة.
دخل إلى القاعة وزير النفط الكويتي عبدالمطلب الكاظمي، يرافقه الأمير فيصل بن مساعد بن عبدالعزيز آل سعود – ابن أخي الملك فيصل. لم يُثر وجوده الريبة، لأنه من الأسرة.
في اللحظة التي اقترب فيها الملك فيصل لاحتضان ابن أخيه، أخرج الأخير مسدسًا عيار 38، وأطلق رصاصتين مباشرة على رأسه وصدره من مسافة قريبة.
 الصمت ثم الفوضى...
سقط الملك فورًا، وعمّت القاعة لحظات من الصدمة المطلقة. هرع الحراس إلى الأمير فيصل بن مساعد، وأوسعوه ضربًا قبل أن يُقبض عليه. نُقل الملك فيصل إلى المستشفى الملكي، لكنه كان قد فارق الحياة قبل الوصول.
الصدمة لم تصب القصر فقط، بل اجتاحت المملكة والعالم الإسلامي. آلاف البرقيات وصلت من زعماء العالم، وملايين السعوديين نزلوا إلى الشوارع يبكون ملكهم الصالح، وكأن الرصاصة اخترقت كل بيت.
 من هو القاتل؟ ولماذا؟
فيصل بن مساعد، القاتل، كان شابًا مثقفًا تلقى تعليمه في الولايات المتحدة. وكان أخوه خالد بن مساعد قد قُتل سابقًا في مواجهة مع الشرطة السعودية عام 1965، ما خلّف في نفسه شرخًا عميقًا. تباينت الروايات حول دافعه، لكن أبرز الفرضيات كانت:
الانتقام لمقتل شقيقه خالد بن مساعد.
اضطرابات نفسية دفعته للفعل.
تأثره بأفكار غربية راديكالية خلال فترة دراسته بالخارج.
نظرية مؤامرة: بعض المحللين ألمحوا إلى ضغوط أو تحريض خارجي، خاصة بعد موقف الملك فيصل من أمريكا والنفط.
لكن الرواية الرسمية اكتفت بالقول: "تصرف فردي بدوافع شخصية."
المحاكمة والتنفيذ
تمت محاكمة الأمير فيصل بن مساعد بسرية، واحترمت الدولة آنذاك الإجراءات القضائية بدقة. لم تستغرق المحاكمة وقتًا طويلًا، وصدر الحكم بالإعدام.
في 18 يونيو 1975، نُفذ فيه حكم القصاص في ساحة عامة بالرياض.
إرث فيصل بعد اغتياله
رغم الاغتيال، لم يُغتل مشروع فيصل. ظل اسمه مقرونًا بالحكمة، والكرامة، والجرأة في الحق.
أنشئ عدد من الجامعات والمراكز باسمه، أبرزها جامعة الملك فيصل.
لا يزال موقفه في قطع النفط عام 1973 يُدرّس كنموذج للرد العربي الفعّال.
ترك صورة القائد المتواضع، الذي كان ينام أحيانًا على الأرض، ويقضي أوقاته في قراءة القرآن.
 شهادات معاصرين
قال أنور السادات: "لقد خسرنا قائدًا شجاعًا... لو كان حيًا، لتغيّر وجه الشرق الأوسط."
وقال المؤرخ البريطاني روبرت ليسي: "كان فيصل أكثر ملوك العرب دهاءً ونقاء، وقد سقط بأيدي أقرب الناس إليه."
 خاتمة: رصاصة بلا إنذار
ما يجعل اغتيال الملك فيصل صادمًا ليس فقط أنه كان ملكًا، بل لأنه قُتل من أقرب الأقربين، في مكان يُفترض أن يكون الأأمن، وبلا مؤامرة علنية أو انقلاب عسكري.
رصاصة فيصل لم تكن فقط في جسده، بل في قلوب شعبه، وفي مشروعه السياسي الكبير الذي أراد به أن يجعل من السعودية دولة حديثة مستقلة القرار.
وفي النهاية، لم يمت فيصل فعليًا. اسمه، صوره، مواقفه، ومحبته في قلوب الناس... لا تزال حيّة إلى اليوم.
تعليقات