الإصلاح رهينة الفوز الانتخابي أم التزام وطني؟ قراءة نقدية لتصريحات قادة الأحرار
من الغريب أن يصبح الإصلاح في بلاد مثل المغرب رهينة فوز حزب بعينه وكأن الوطن شركة خاصة والأسهم محجوزة لمن يربح الانتخابات، هكذا أرادنا محمد أوجار أن نصدق عندما قال بالحرف إن "حنا خاصنا ربحوا الانتخابات باش نكملوا الإصلاحات"، وكأن الإصلاح حديقة منزلية لا يدخلها إلا من يحتكر مفاتيحها. أي منطق هذا؟ هل يعقل أن مشروع دولة كاملة يتوقف عند فوز حزب التجمع الوطني للأحرار وكأن بقية الأحزاب كائنات دخيلة لا تصلح سوى للديكور؟ الواقع أن كلام أوجار لم يكن زلة لسان بل تصريح يعكس عقلية كاملة تعتبر السلطة غنيمة والمواطن مجرد بطاقة انتخابية، عقلية تؤكد أن الإصلاح عندهم ليس واجبًا وطنيًا بل فرصة مربحة للاستمرار في الحكم، ولو كان الإصلاح فعلًا قد بدأ لكان المواطن المغربي قد شعر بآثاره في الأسعار والوظائف والتعليم والصحة، لكنه بدل ذلك لا يرى إلا شعارات تُعاد صياغتها كل خمس سنوات.
وإذا كان أوجار قد أطلق شرارة هذا التصريح المثير للجدل، فإن رفيقه لحسن السعدي لم يتأخر في إكمال اللحن حين قال إن "الأحرار يسعى للحفاظ على المرتبة الأولى في انتخابات 2026"، كأن الوطن سباق خيول والمطلوب من الشعب هو فقط تشجيع الفارس نفسه مهما تعثر في كل سباق. السعدي لم يتحدث عن الإصلاحات التي تحققت أو المشاريع التي لامست حياة الناس، بل اكتفى بترديد لازمة الفوز وكأن الفوز هدف بحد ذاته، متجاهلاً أن الشعب بات يردد في الشارع وفي المقاهي وعلى منصات التواصل أن التجمع الوطني للأحرار أصبح عنوانًا للخيبة، وأن وجوهه السياسية لم تعد قادرة على إقناع حتى أنصارها. لقد تحول الحزب إلى ماكينة انتخابية ضخمة، تسوّق الوهم عبر الدعاية الباذخة والملصقات البراقة، لكنها عاجزة عن إخفاء الواقع اليومي الذي يعيشه المواطن: غلاء فاحش، خدمات صحية متهالكة، تعليم متراجع، بطالة مستفحلة، وغياب أي أفق حقيقي للشباب.
أما عزيز أخنوش، زعيم الحزب ورئيس الحكومة، فقصته مع الشعب أشبه بمسلسل طويل فقد كل عناصر التشويق. الرجل الذي وعد بمليون منصب شغل وجد نفسه أمام مليون خيبة أمل، والذي بشر المغاربة بإصلاح التعليم والصحة وجد نفسه يواجه موجات غضب بسبب الاكتظاظ في المدارس والمستشفيات ونقص الأطر والأدوية. أخنوش لا يطل على المغاربة إلا عبر خرجات دعائية مُصوّرة بعناية، يبتسم فيها أمام الكاميرا وهو يتحدث عن إنجازات لا يراها أحد سوى حزبه. وحين يصرح من حين لآخر بأن حكومته ماضية في الإصلاحات، فإنه يعلم جيدًا أن الشارع لم يعد يصدق هذه الكلمات، بل صار يستقبلها بالسخرية والتهكم، لأن الواقع لا يشبه الخطاب في شيء. بل إن استطلاعات الرأي غير الرسمية وتعليقات الشارع الرقمي تؤكد أن حزب الأحرار يواجه أزمة ثقة غير مسبوقة، وأن حلم تصدر انتخابات 2026 قد يتحول إلى كابوس إذا قرر الشعب معاقبته عبر الصندوق.
الخطير في خطاب أوجار والسعدي وأخنوش هو أنهم لا يخاطبون الشعب باعتباره صاحب القرار، بل كجمهور يتلقى الأوامر: "صوتوا لنا لنكمل الإصلاحات"، "ادعمونا لنواصل المسيرة"، "امنحونا الثقة لنضمن لكم المستقبل"، كلها جمل مشروطة بالفوز وكأن الوطن لا يقوم إلا بهم. لكن الحقيقة أن الشعب لم يعد يحتمل هذا النوع من الخطاب الذي يختزله في مجرد وسيلة للوصول إلى السلطة. المغاربة يريدون إصلاحًا حقيقيًا يبدأ قبل الانتخابات ويستمر بعدها، إصلاحًا لا يُشترط فيه الربح ولا يُعلق على مشيئة حزب، بل إصلاحًا يُترجم في السياسات العمومية والقرارات اليومية التي يشعر بها المواطن في جيبه وصحته وتعليم أبنائه.
والسخرية هنا أن حزب الأحرار، الذي يرفع شعار "أغراس أغراس" أي الصدق والوضوح، بات أكثر الأحزاب غموضًا في إنجازاته وأكثرها وضوحًا في وعوده الفارغة. فلا أحد ينكر حجم الموارد التي يمتلكها الحزب، من مال ونفوذ وإعلام، لكن أحدًا لا يرى انعكاس هذه الموارد على حياة الناس. وكأن الحزب يعيش في عالم موازٍ، يوزع فيه الإنجازات على الورق فقط، بينما يترك المواطن يواجه الواقع القاسي بمفرده.
ثم يأتي السعدي ليحدثنا عن "الوجوه الجديدة" في الحكومة التي ستمنح نفسًا عمليًا وميدانيًا جديدًا، وكأن تغيير الوجوه يكفي لتغيير السياسات، متناسيًا أن المشكل ليس في الأشخاص بل في العقلية التي تدير البلد. لقد ملّ الشعب من هذا المسرح السياسي الذي يغير الممثلين ويترك النص كما هو، نص قديم حفظه المغاربة عن ظهر قلب: وعود قبل الانتخابات، وعود بعد الانتخابات، ثم صمت طويل حتى موعد الانتخابات التالية.
أما ما يثير الضحك المرّ فهو لغة التخويف التي يعتمدها أوجار حين يقول إن توقف الإصلاح سيكون كارثة وطنية، وكأن المغرب سيغرق إن لم يفز حزبه. أي منطق هذا؟ هل أصبحت الكارثة هي خسارة حزب؟ ألم يعش المغرب أزمات حقيقية تجاوزها بإرادة شعبه، لا بفضل حزب واحد؟ إن استخدام التخويف كوسيلة للضغط على الناخبين ليس سوى دليل على ضعف الحجة، لأن من يملك إنجازات حقيقية لا يحتاج إلى تهويل، بل يكفيه أن يعرض ما قدمه ليحصل على ثقة الناس.
إن الشعب المغربي اليوم أكثر وعيًا من أي وقت مضى، ولم تعد تنطلي عليه الحيل الانتخابية. مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت مرآة حقيقية لغضب الشارع، وأصوات الشباب أصبحت أكثر جرأة في فضح الفساد وسوء التدبير. صور الاحتجاجات والتعليقات الساخرة على تصريحات قادة الأحرار تكشف حجم الهوة بين ما يقوله السياسيون وما يعيشه المواطنون. فإذا كان أوجار والسعدي وأخنوش يراهنون على المال والنفوذ والدعاية، فإن الشعب يراهن على صوته وعلى وعيه المتزايد.
والخلاصة أن الإصلاح لا يمكن أن يكون مشروطًا بفوز حزب، ولا يمكن أن يظل رهينة حسابات انتخابية. الإصلاح الحقيقي مسؤولية وطنية مستمرة، يُفترض أن تبدأ مع أي حكومة وتستمر معها أو من بعدها. أما إذا كان الإصلاح عندكم يعني فقط الفوز بانتخابات 2026، فإنكم تعترفون ضمنيًا أن كل ما قُدم حتى الآن لم يكن سوى حملة انتخابية طويلة، وأن المواطن لم يكن سوى وسيلة لعبوركم إلى السلطة مرة أخرى. لكن هذه المرة، يبدو أن الشعب قد سئم اللعبة، وقد قرر أن يقلب الطاولة على من حولوه إلى مجرد ورقة في دفتر مصالحهم.
وإذا كان أوجار قد أطلق شرارة هذا التصريح المثير للجدل، فإن رفيقه لحسن السعدي لم يتأخر في إكمال اللحن حين قال إن "الأحرار يسعى للحفاظ على المرتبة الأولى في انتخابات 2026"، كأن الوطن سباق خيول والمطلوب من الشعب هو فقط تشجيع الفارس نفسه مهما تعثر في كل سباق. السعدي لم يتحدث عن الإصلاحات التي تحققت أو المشاريع التي لامست حياة الناس، بل اكتفى بترديد لازمة الفوز وكأن الفوز هدف بحد ذاته، متجاهلاً أن الشعب بات يردد في الشارع وفي المقاهي وعلى منصات التواصل أن التجمع الوطني للأحرار أصبح عنوانًا للخيبة، وأن وجوهه السياسية لم تعد قادرة على إقناع حتى أنصارها. لقد تحول الحزب إلى ماكينة انتخابية ضخمة، تسوّق الوهم عبر الدعاية الباذخة والملصقات البراقة، لكنها عاجزة عن إخفاء الواقع اليومي الذي يعيشه المواطن: غلاء فاحش، خدمات صحية متهالكة، تعليم متراجع، بطالة مستفحلة، وغياب أي أفق حقيقي للشباب.
أما عزيز أخنوش، زعيم الحزب ورئيس الحكومة، فقصته مع الشعب أشبه بمسلسل طويل فقد كل عناصر التشويق. الرجل الذي وعد بمليون منصب شغل وجد نفسه أمام مليون خيبة أمل، والذي بشر المغاربة بإصلاح التعليم والصحة وجد نفسه يواجه موجات غضب بسبب الاكتظاظ في المدارس والمستشفيات ونقص الأطر والأدوية. أخنوش لا يطل على المغاربة إلا عبر خرجات دعائية مُصوّرة بعناية، يبتسم فيها أمام الكاميرا وهو يتحدث عن إنجازات لا يراها أحد سوى حزبه. وحين يصرح من حين لآخر بأن حكومته ماضية في الإصلاحات، فإنه يعلم جيدًا أن الشارع لم يعد يصدق هذه الكلمات، بل صار يستقبلها بالسخرية والتهكم، لأن الواقع لا يشبه الخطاب في شيء. بل إن استطلاعات الرأي غير الرسمية وتعليقات الشارع الرقمي تؤكد أن حزب الأحرار يواجه أزمة ثقة غير مسبوقة، وأن حلم تصدر انتخابات 2026 قد يتحول إلى كابوس إذا قرر الشعب معاقبته عبر الصندوق.
الخطير في خطاب أوجار والسعدي وأخنوش هو أنهم لا يخاطبون الشعب باعتباره صاحب القرار، بل كجمهور يتلقى الأوامر: "صوتوا لنا لنكمل الإصلاحات"، "ادعمونا لنواصل المسيرة"، "امنحونا الثقة لنضمن لكم المستقبل"، كلها جمل مشروطة بالفوز وكأن الوطن لا يقوم إلا بهم. لكن الحقيقة أن الشعب لم يعد يحتمل هذا النوع من الخطاب الذي يختزله في مجرد وسيلة للوصول إلى السلطة. المغاربة يريدون إصلاحًا حقيقيًا يبدأ قبل الانتخابات ويستمر بعدها، إصلاحًا لا يُشترط فيه الربح ولا يُعلق على مشيئة حزب، بل إصلاحًا يُترجم في السياسات العمومية والقرارات اليومية التي يشعر بها المواطن في جيبه وصحته وتعليم أبنائه.
والسخرية هنا أن حزب الأحرار، الذي يرفع شعار "أغراس أغراس" أي الصدق والوضوح، بات أكثر الأحزاب غموضًا في إنجازاته وأكثرها وضوحًا في وعوده الفارغة. فلا أحد ينكر حجم الموارد التي يمتلكها الحزب، من مال ونفوذ وإعلام، لكن أحدًا لا يرى انعكاس هذه الموارد على حياة الناس. وكأن الحزب يعيش في عالم موازٍ، يوزع فيه الإنجازات على الورق فقط، بينما يترك المواطن يواجه الواقع القاسي بمفرده.
ثم يأتي السعدي ليحدثنا عن "الوجوه الجديدة" في الحكومة التي ستمنح نفسًا عمليًا وميدانيًا جديدًا، وكأن تغيير الوجوه يكفي لتغيير السياسات، متناسيًا أن المشكل ليس في الأشخاص بل في العقلية التي تدير البلد. لقد ملّ الشعب من هذا المسرح السياسي الذي يغير الممثلين ويترك النص كما هو، نص قديم حفظه المغاربة عن ظهر قلب: وعود قبل الانتخابات، وعود بعد الانتخابات، ثم صمت طويل حتى موعد الانتخابات التالية.
أما ما يثير الضحك المرّ فهو لغة التخويف التي يعتمدها أوجار حين يقول إن توقف الإصلاح سيكون كارثة وطنية، وكأن المغرب سيغرق إن لم يفز حزبه. أي منطق هذا؟ هل أصبحت الكارثة هي خسارة حزب؟ ألم يعش المغرب أزمات حقيقية تجاوزها بإرادة شعبه، لا بفضل حزب واحد؟ إن استخدام التخويف كوسيلة للضغط على الناخبين ليس سوى دليل على ضعف الحجة، لأن من يملك إنجازات حقيقية لا يحتاج إلى تهويل، بل يكفيه أن يعرض ما قدمه ليحصل على ثقة الناس.
إن الشعب المغربي اليوم أكثر وعيًا من أي وقت مضى، ولم تعد تنطلي عليه الحيل الانتخابية. مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت مرآة حقيقية لغضب الشارع، وأصوات الشباب أصبحت أكثر جرأة في فضح الفساد وسوء التدبير. صور الاحتجاجات والتعليقات الساخرة على تصريحات قادة الأحرار تكشف حجم الهوة بين ما يقوله السياسيون وما يعيشه المواطنون. فإذا كان أوجار والسعدي وأخنوش يراهنون على المال والنفوذ والدعاية، فإن الشعب يراهن على صوته وعلى وعيه المتزايد.
والخلاصة أن الإصلاح لا يمكن أن يكون مشروطًا بفوز حزب، ولا يمكن أن يظل رهينة حسابات انتخابية. الإصلاح الحقيقي مسؤولية وطنية مستمرة، يُفترض أن تبدأ مع أي حكومة وتستمر معها أو من بعدها. أما إذا كان الإصلاح عندكم يعني فقط الفوز بانتخابات 2026، فإنكم تعترفون ضمنيًا أن كل ما قُدم حتى الآن لم يكن سوى حملة انتخابية طويلة، وأن المواطن لم يكن سوى وسيلة لعبوركم إلى السلطة مرة أخرى. لكن هذه المرة، يبدو أن الشعب قد سئم اللعبة، وقد قرر أن يقلب الطاولة على من حولوه إلى مجرد ورقة في دفتر مصالحهم.