الأخطاء الطبية في المغرب: أرواح تُزهق بصمت وضمير طبي في قفص الاتهام

تتزايد حالات الأخطاء الطبية في المغرب مخلّفةً ضحايا وأسرًا تطالب بالعدالة والمحاسبة.

🩺 الوضع الصحي في المغرب: أزمة نظام وأرواح تُزهق بصمت
مقدمة
في الوقت الذي تُعد فيه الصحة حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، يعيش المغرب مفارقة مريرة بين الخطاب الرسمي حول تطوير المنظومة الصحية، والواقع القاسي الذي يكشفه المواطنون يوميًا في المستشفيات العمومية والعيادات الخاصة. بين نقص الموارد، تردي البنية التحتية، وضعف التكوين الطبي، تبرز الأخطاء الطبية كواحدة من أخطر الأزمات التي تهدد حياة المغاربة دون رقابة كافية، أو محاسبة جادة.
1. الوضع العام للمنظومة الصحية
رغم الإصلاحات الجارية مثل تعزيز التغطية الصحية الشاملة وتوسيع نظام التأمين الإجباري (AMO)، إلا أن الواقع لا يزال يعاني من:
نقص حاد في الأطر الطبية: (أقل من 2 طبيب لكل 1000 نسمة في بعض المناطق).
ضغط رهيب على المستشفيات العمومية وغياب التجهيزات في الحالات المستعجلة.
ضعف خدمات التشخيص، لا سيما في القرى والمدن الصغيرة.
القطاع الخاص، من جانبه، يُتَّهم بتغليب المنطق الربحي على الضمير المهني.
2. الأخطاء الطبية في المغرب: ظاهرة مقلقة في تصاعد
تشير تقارير صحفية وحقوقية إلى أن المغرب يعرف سنويًا مئات الحالات من الأخطاء الطبية، تتنوع بين:
أخطاء في التشخيص (مثل حالات السرطان أو النزيف الداخلي).
عمليات جراحية غير ضرورية أو فاشلة.
حقن بمواد منتهية الصلاحية.
تخدير خاطئ أو تجاوز للجرعة.
استخدام أدوات غير معقّمة.
والمشكلة الأكبر؟
غياب قاعدة بيانات وطنية لتوثيق هذه الأخطاء، مما يؤدي إلى:
تستر العديد من المصحات الخاصة.
غياب العدالة للضحايا.
تفشي ثقافة "طوي الملف" مقابل تسوية مالية أو الصمت.
3. ضحايا حديثون للأخطاء الطبية (2024–2025)
1. سلمى – الطفلة التي هزّت تطوان
فتاة عمرها 8 سنوات، توفيت بعد عملية بسيطة لاستئصال اللوزتين بمصحة خاصة.
الأطباء قاموا بتخديرها بجرعة مفرطة، ما أدخلها في غيبوبة 80 يومًا قبل أن تفارق الحياة.
والدها صرح: "ذهبت إلى المستشفى سعيدة... ولم تعد".
2. ضحايا مستشفى 20 غشت (الدار البيضاء)
أكثر من 16 مريضًا فقدوا بصرهم بعد حقن داخل العين بـدواء منتهي الصلاحية.
تم تزوير تاريخ انتهاء الصلاحية على عبوات العلاج (أفاستين)، والمحققون اكتشفوا مافيا دوائية تبيع هذه الحقن عبر وسطاء للمستشفيات.
3. سيدة خمسينية تُفارق الحياة بسبب بثرة شرجية!
دخلت مصحة خاصة من أجل علاج بسيط، فطلب الأطباء منها التوقف عن أدوية الذئبة، مما تسبب في مضاعفات نفسية، هلوسات، جلطة دماغية... ثم الوفاة.
نفس المصحة متهمة بحالتين أخريين:
أم فقدت القدرة على الحركة والسمع بعد ولادة قيصرية.
مريضة فقدت ذاكرتها بسبب جلطة لم تُعالج في الوقت المناسب.
4. القانون المغربي: أداة عقاب أم وسيلة إنصاف؟
حاليًا، تتم متابعة الأخطاء الطبية وفق القانون الجنائي، مما يخلق إشكاليات:
الأطباء يرفضون أداء مهامهم في بعض الحالات خوفًا من السجن.
الضحايا لا يحصلون على تعويض عادل، خاصة إذا لم يكن لديهم وسائل لتوكيل محامٍ.
غياب مدونة خاصة بالمسؤولية الطبية (طالب بها البرلمان منذ 2015 دون جدوى).
بالمقابل، تطالب جمعيات الضحايا بـ:
إحداث هيئة وطنية مستقلة للتبليغ عن الأخطاء.
إقرار قانون يحمي المريض ويضمن حقوق الطبيب دون إفلات من العقاب.
نظام تأمين للأطباء ضد الأخطاء غير المتعمدة.
5. ردود الفعل الرسمية والدولية
وزارة الصحة أطلقت استراتيجيات لتحسين سلامة المرضى، خاصة في ما يتعلق بالعمليات الجراحية والتخدير.
منظمة الصحة العالمية تدعم المغرب ضمن خطة 2021–2030 لتعزيز ثقافة السلامة في المستشفيات.
ورشات تدريبية نُظمت في 2024 لتكوين الأطر الصحية في السلامة وجودة الخدمات، لكن وقعها على الأرض لا يزال ضعيفًا.
6. ماذا بعد؟ نحو ثورة في الضمير المهني؟
الخطأ وارد في الطب، لكنه في المغرب أصبح نمطًا متكرّرًا.
ليس بسبب نقص الكفاءة فقط، بل لأن النظام بأكمله لا يوفر الشروط الدنيا للسلامة:
ميزانيات ضعيفة،
بنى مهترئة،
أجهزة معطوبة،
ولامبالاة قاتلة.
خاتمة
من تطوان إلى الدار البيضاء، ومن مستشفيات الدولة إلى المصحات الخاصة، صرخات الضحايا تتشابه، وتتحول الأخطاء الطبية إلى جراح مجتمعية تتطلب إصلاحًا جذريًا.
ليس فقط بإصلاح التجهيزات، بل بإعادة تعريف العلاقة بين الطبيب، المريض، والدولة.
إن أرواح الناس لا تُقوَّم بتعويض مالي أو "مكالمة اعتذار"، بل بمنظومة تحترم قدسية الجسد، وكرامة الإنسان.
هل تعلم؟
المغرب يُعد من بين الدول التي لم تعتمد بعد سجلًا وطنيًا موثقًا للأخطاء الطبية.
قانون "الخطأ الطبي" متوقف منذ سنوات رغم مطالبات نقابات وجمعيات الضحايا.
في فرنسا مثلًا، يتم تعويض ضحايا الأخطاء الطبية تلقائيًا من صندوق وطني حتى في غياب إثبات الإهمال.

تعليقات