الأحزاب المغربية بين فشل التحالفات وعودة المعارضة في أفق انتخابي ساخن
بالنظر إلى التطورات السياسية في المغرب، يتجه المشهد إلى تصعيد واضح في الحركية السياسية مع اقتراب انتخابات 2026، وسط تشظي في التحالفات، وعودة قوية للمعارضة، وتزايد غضب شعبي ناتج عن أزمة اجتماعية واقتصادية مركبة. الأحزاب السياسية المغربية اليوم تعيش مخاضاً حقيقياً، تتصارع فيه من أجل التموقع والبقاء، في ظل ضغوط داخلية وخارجية، وتحت أعين مؤسسة ملكية لا تخفي تدخلها الاستباقي لضبط الإيقاع العام.
أحزاب الأغلبية، وعلى رأسها حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة عزيز أخنوش، تعيش ضغطاً متزايداً. فبعد فوزه الكبير في انتخابات 2021 وتشكيله لتحالف ثلاثي مع حزبي الأصالة والمعاصرة، والاستقلال، باتت حكومته تُنتقد بشدة بسبب فشلها في احتواء التضخم، وتحقيق وعودها في مجالات التعليم، الصحة، والتشغيل. عوضاً عن تقوية موقعه، يجد أخنوش نفسه محاصراً إعلامياً وشعبياً، ومهدداً من داخل تحالفه نفسه، حيث برزت خلال الشهور الأخيرة مؤشرات توتر مع نزار بركة (الاستقلال) وعبد اللطيف وهبي (الأصالة والمعاصرة). تصريحات متبادلة، ومواقف متناقضة، أظهرت هشاشة هذا التحالف، وكشفت عن صراع على الزعامة، ومحاولات كل طرف لاستغلال الأزمة الحالية لبناء قاعدة انتخابية فردية قبل 2026.
أما حزب الأصالة والمعاصرة، فقد شهد تراجعاً في هيبته السياسية. فعبد اللطيف وهبي، وزير العدل، واجه موجة واسعة من الانتقادات على خلفية تصريحاته المتكررة المثيرة للجدل، وفشله في إقناع الرأي العام بإصلاحات ملموسة. الحزب الذي وُلد كمشروع لموازنة الإسلاميين، يبدو اليوم في موقع دفاع، بل ومهدد بفقدان الكثير من قواعده إذا استمر في مسار التبعية داخل التحالف الحكومي.
حزب الاستقلال بدوره يحاول النأي بنفسه عن الفشل الحكومي، وإن كان شريكاً أساسياً فيه. نزار بركة أطلق، في أكثر من مناسبة، انتقادات مبطّنة لسير الحكومة، في محاولة واضحة لاستعادة صورة "المدافع عن الطبقة المتوسطة"، وتحضير الحزب لمرحلة ما بعد أخنوش، سواء داخل الحكومة أو خارجها. ولكن ضعف التجاوب الشعبي مع خطاب الاستقلال حالياً، يعكس صعوبة العودة القوية في ظل ارتباط الحزب بتحالف حكومي متعثر.
في المقابل، تحاول المعارضة الاستفادة من تآكل شرعية الحكومة. حزب العدالة والتنمية، الذي تلقى ضربة موجعة في انتخابات 2021، بدأ يعيد تنظيم صفوفه، ويستثمر في خطاب نقدي حاد ضد الحكومة، خاصة في ملفات غلاء المعيشة والتراجع الديمقراطي. عبد الإله بنكيران، العائد لقيادة الحزب، يعتمد على الكاريزما والخطاب الشعبوي لكسب التعاطف، ويقدم نفسه كـ"صوت الضمير السياسي" في وجه طبقة حاكمة فشلت في إدارة المرحلة. رغم ذلك، يعاني الحزب من أزمة ثقة، خاصة في أوساط الشباب، ويواجه تحديات داخلية متعلقة بإعادة الهيكلة، وتجاوز آثار الهزيمة السابقة.
أما اليسار المغربي، فقد دخل هو الآخر في مرحلة تحول. الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بقيادة إدريس لشكر، يحاول تثبيت نفسه كمعارضة عقلانية، لكنه لا يملك حتى الآن ديناميكية جماهيرية كافية. حزب التقدم والاشتراكية، بزعامة نبيل بنعبد الله، يقدم خطاباً اجتماعياً واضحاً، وغالباً ما يكون أكثر حدة في انتقاد الحكومة، لكنه يبقى محدود الأثر بسبب ضعف التمدد الشعبي، وضعف الآلة التنظيمية.
وفي الهامش، تبرز محاولات أحزاب مثل الحركة الشعبية لإعادة التموضع. انضمام حميد شباط مؤخراً للحزب، وهو الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، يعكس ديناميكية جديدة، فيها بحث عن رموز لها حضور جماهيري، واستعداد مبكر لبناء تحالفات انتخابية مستقبلية. الحزب يسعى إلى التموقع كبديل محافظ – اجتماعي في حالة فشل الأحزاب الثلاثة الحاكمة في تجديد شرعيتها.
في هذا السياق المشحون، تتدخل المؤسسة الملكية من حين لآخر لضبط التوازنات. فقرارات مثل إلغاء شعيرة ذبح الأضاحي في 2025 بسبب الجفاف، تحمل في طياتها رسائل سياسية واضحة حول فشل السياسات الفلاحية لحكومة أخنوش، وتكشف أن القصر لم يعد في موقع التغطية غير المشروطة للحكومة، بل يسعى لإعادة توزيع المسؤوليات وضبط إيقاع المرحلة المقبلة، خصوصاً في أفق تنظيم كأس العالم 2030، حيث الاستقرار السياسي شرط أساسي لنجاح هذا الرهان الدولي.
ورغم كل ما سبق، يبقى التحدي الأبرز الذي يواجه كل الأحزاب هو فقدان ثقة المواطن. العزوف السياسي بات واقعا مقلقا، خاصة لدى الشباب. الحملات الانتخابية، الخطاب السياسي، التحركات الإعلامية، كلها تواجه حائط لامبالاة واسع. ما لم تتمكن الأحزاب من تقديم مشروع واضح، واقعي، وقادر على إقناع الناس بجدوى المشاركة، فإن انتخابات 2026 قد تعيد إنتاج أزمة الشرعية، وتفرز نخبة سياسية أكثر هشاشة، حتى وإن تغيّرت الأسماء.
في المحصلة، المغرب يتجه إلى محطة انتخابية مفصلية، في ظل تحولات اجتماعية عميقة، وتوترات سياسية متصاعدة، وصراع محموم على الشرعية والقيادة. كل الأحزاب تعيش مرحلة اختبار: هل تستطيع فعلاً إعادة بناء الثقة، أم أن المشهد سينزلق نحو مزيد من القطيعة بين الفاعل السياسي والمجتمع؟
أحزاب الأغلبية، وعلى رأسها حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة عزيز أخنوش، تعيش ضغطاً متزايداً. فبعد فوزه الكبير في انتخابات 2021 وتشكيله لتحالف ثلاثي مع حزبي الأصالة والمعاصرة، والاستقلال، باتت حكومته تُنتقد بشدة بسبب فشلها في احتواء التضخم، وتحقيق وعودها في مجالات التعليم، الصحة، والتشغيل. عوضاً عن تقوية موقعه، يجد أخنوش نفسه محاصراً إعلامياً وشعبياً، ومهدداً من داخل تحالفه نفسه، حيث برزت خلال الشهور الأخيرة مؤشرات توتر مع نزار بركة (الاستقلال) وعبد اللطيف وهبي (الأصالة والمعاصرة). تصريحات متبادلة، ومواقف متناقضة، أظهرت هشاشة هذا التحالف، وكشفت عن صراع على الزعامة، ومحاولات كل طرف لاستغلال الأزمة الحالية لبناء قاعدة انتخابية فردية قبل 2026.
أما حزب الأصالة والمعاصرة، فقد شهد تراجعاً في هيبته السياسية. فعبد اللطيف وهبي، وزير العدل، واجه موجة واسعة من الانتقادات على خلفية تصريحاته المتكررة المثيرة للجدل، وفشله في إقناع الرأي العام بإصلاحات ملموسة. الحزب الذي وُلد كمشروع لموازنة الإسلاميين، يبدو اليوم في موقع دفاع، بل ومهدد بفقدان الكثير من قواعده إذا استمر في مسار التبعية داخل التحالف الحكومي.
حزب الاستقلال بدوره يحاول النأي بنفسه عن الفشل الحكومي، وإن كان شريكاً أساسياً فيه. نزار بركة أطلق، في أكثر من مناسبة، انتقادات مبطّنة لسير الحكومة، في محاولة واضحة لاستعادة صورة "المدافع عن الطبقة المتوسطة"، وتحضير الحزب لمرحلة ما بعد أخنوش، سواء داخل الحكومة أو خارجها. ولكن ضعف التجاوب الشعبي مع خطاب الاستقلال حالياً، يعكس صعوبة العودة القوية في ظل ارتباط الحزب بتحالف حكومي متعثر.
في المقابل، تحاول المعارضة الاستفادة من تآكل شرعية الحكومة. حزب العدالة والتنمية، الذي تلقى ضربة موجعة في انتخابات 2021، بدأ يعيد تنظيم صفوفه، ويستثمر في خطاب نقدي حاد ضد الحكومة، خاصة في ملفات غلاء المعيشة والتراجع الديمقراطي. عبد الإله بنكيران، العائد لقيادة الحزب، يعتمد على الكاريزما والخطاب الشعبوي لكسب التعاطف، ويقدم نفسه كـ"صوت الضمير السياسي" في وجه طبقة حاكمة فشلت في إدارة المرحلة. رغم ذلك، يعاني الحزب من أزمة ثقة، خاصة في أوساط الشباب، ويواجه تحديات داخلية متعلقة بإعادة الهيكلة، وتجاوز آثار الهزيمة السابقة.
أما اليسار المغربي، فقد دخل هو الآخر في مرحلة تحول. الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بقيادة إدريس لشكر، يحاول تثبيت نفسه كمعارضة عقلانية، لكنه لا يملك حتى الآن ديناميكية جماهيرية كافية. حزب التقدم والاشتراكية، بزعامة نبيل بنعبد الله، يقدم خطاباً اجتماعياً واضحاً، وغالباً ما يكون أكثر حدة في انتقاد الحكومة، لكنه يبقى محدود الأثر بسبب ضعف التمدد الشعبي، وضعف الآلة التنظيمية.
وفي الهامش، تبرز محاولات أحزاب مثل الحركة الشعبية لإعادة التموضع. انضمام حميد شباط مؤخراً للحزب، وهو الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، يعكس ديناميكية جديدة، فيها بحث عن رموز لها حضور جماهيري، واستعداد مبكر لبناء تحالفات انتخابية مستقبلية. الحزب يسعى إلى التموقع كبديل محافظ – اجتماعي في حالة فشل الأحزاب الثلاثة الحاكمة في تجديد شرعيتها.
في هذا السياق المشحون، تتدخل المؤسسة الملكية من حين لآخر لضبط التوازنات. فقرارات مثل إلغاء شعيرة ذبح الأضاحي في 2025 بسبب الجفاف، تحمل في طياتها رسائل سياسية واضحة حول فشل السياسات الفلاحية لحكومة أخنوش، وتكشف أن القصر لم يعد في موقع التغطية غير المشروطة للحكومة، بل يسعى لإعادة توزيع المسؤوليات وضبط إيقاع المرحلة المقبلة، خصوصاً في أفق تنظيم كأس العالم 2030، حيث الاستقرار السياسي شرط أساسي لنجاح هذا الرهان الدولي.
ورغم كل ما سبق، يبقى التحدي الأبرز الذي يواجه كل الأحزاب هو فقدان ثقة المواطن. العزوف السياسي بات واقعا مقلقا، خاصة لدى الشباب. الحملات الانتخابية، الخطاب السياسي، التحركات الإعلامية، كلها تواجه حائط لامبالاة واسع. ما لم تتمكن الأحزاب من تقديم مشروع واضح، واقعي، وقادر على إقناع الناس بجدوى المشاركة، فإن انتخابات 2026 قد تعيد إنتاج أزمة الشرعية، وتفرز نخبة سياسية أكثر هشاشة، حتى وإن تغيّرت الأسماء.
في المحصلة، المغرب يتجه إلى محطة انتخابية مفصلية، في ظل تحولات اجتماعية عميقة، وتوترات سياسية متصاعدة، وصراع محموم على الشرعية والقيادة. كل الأحزاب تعيش مرحلة اختبار: هل تستطيع فعلاً إعادة بناء الثقة، أم أن المشهد سينزلق نحو مزيد من القطيعة بين الفاعل السياسي والمجتمع؟