أزمة الصبار في المغرب: الأسباب والمسؤوليات

الحشرة القرمزية وتدبير الأزمة


 مرحبًا! الصبار، أو التين الشوكي كما يعرفه الكثيرون في المغرب، هو نبات رمزي ارتبط بتاريخ وثقافة البلاد، خاصة في المناطق القروية والصحراوية. هذا النبات المتواضع، الذي ينمو في ظروف قاسية ويتأقلم مع الجفاف والتربة الفقيرة، كان لعقود طويلة مصدر رزق للعديد من العائلات المغربية، سواء كغذاء أو علف للماشية أو حتى كمادة خام لمنتجات تجميلية وصحية. لكن، في السنوات الأخيرة، شهد الصبار في المغرب أزمة حقيقية هددت وجوده، خاصة مع ظهور آفة مدمرة غيرت المشهد الزراعي في عدة مناطق.في منتصف العقد الماضي، حوالي عام 2014، بدأت كارثة تضرب حقول الصبار، خاصة في منطقة دكالة وأماكن أخرى مثل سيدي إفني والحوز. الحشرة القرمزية، وهي آفة صغيرة ذات لون أحمر داكن تنتج مادة الكرمن، اجتاحت المغرب قادمة من أمريكا اللاتينية، موطنها الأصلي. هذه الحشرة، التي تتغذى حصريًا على نبات الصبار، تسببت في تدمير آلاف الهكتارات من الحقول. كانت سرعتها في الانتشار مذهلة، حيث تقضي على النبات بسرعة كبيرة، تاركة وراءها حقولًا جرداء بدلًا من المساحات الخضراء الممتدة التي اعتادها المغاربة. الصبار، الذي كان يغطي حوالي 120 ألف هكتار وينتج ما يقارب 1.2 مليون طن سنويًا، أصبح في مهب الريح. هذا الدمار لم يكن مجرد خسارة زراعية، بل ضربة اقتصادية وبيئية، لأن الصبار ليس مجرد محصول، بل هو جزء من التوازن البيئي، يساعد في منع التصحر ويحمي التربة من الانجراف.أسباب انتشار هذه الآفة متعددة. أولًا، يُعتقد أن الحشرة القرمزية وصلت إلى المغرب عبر فسائل مستوردة من الخارج، ربما من المكسيك أو مناطق أخرى في أمريكا اللاتينية، دون فحص كافٍ. هذه الفسائل الدخيلة لم تكن فقط عرضة للحشرة، بل ساهمت في نشرها بسرعة. ثانيًا، التغيرات المناخية، خاصة توالي سنوات الجفاف، جعلت النباتات أضعف وأقل مقاومة للآفات. الجفاف، الذي أصبح سمة بارزة في المغرب خلال السنوات الأخيرة، أثر على قدرة الصبار على التجدد والصمود. ثالثًا، غياب برامج مراقبة فعالة في البداية سمح للحشرة بالانتشار دون رادع، خاصة أن المغرب لم يكن مستعدًا لمواجهة آفة بهذا الحجم لم تكن معروفة محليًا من قبل.لكن المغرب لم يقف مكتوف الأيدي. وزارة الفلاحة والصيد البحري، بالتعاون مع المعهد الوطني للبحث الزراعي، بدأت في اتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ الصبار. واحدة من أهم هذه الإجراءات كانت البحث عن أصناف مقاومة للحشرة القرمزية. بعد جهود مكثفة، تمكن العلماء من تحديد ثمانية أنواع من الصبار تظهر مقاومة طبيعية لهذه الآفة. في منطقة دكالة، على سبيل المثال، بدأت المديرية الجهوية للفلاحة في الدار البيضاء-سطات منذ يونيو 2023 في تنفيذ مشروع لإعادة زراعة الصبار باستخدام هذه الأصناف المقاومة. المشروع استهدف مناطق مثل بولعوان في إقليم الجديدة، حيث تمت زراعة أكثر من 500 هكتار على مدى ثلاث سنوات. هذه الشتلات الجديدة ليست فقط مقاومة للحشرة، بل تتميز أيضًا بقدرتها على التأقلم مع الظروف المناخية القاسية، مما يجعلها مناسبة للمناطق الجافة.إلى جانب إعادة الزراعة، هناك جهود أخرى لتثمين الصبار وإعادته إلى دوره الاقتصادي والبيئي. في سيدي إفني، التي تُعتبر عاصمة الصبار في المغرب، تم إطلاق مشاريع لتحسين سلاسل الإنتاج، مثل إنشاء وحدات لتوضيب الثمار وتحويلها إلى منتجات مثل الزيوت التجميلية والمربيات. هذه المشاريع لا تهدف فقط إلى استعادة المساحات الزراعية، بل أيضًا إلى خلق فرص عمل وتنويع مصادر الدخل للسكان المحليين. كما أن هناك تركيزًا على تحسين البنية التحتية، مثل شق الطرق بين الحقول لتسهيل الوصول إلى الأسواق، وتقديم الدعم الفني للفلاحين.الصبار، رغم الضربة التي تلقاها، يظل رمزًا للصمود في المغرب. هو نبات يتحدى الجفاف والتصحر، ويحمل في طياته إمكانيات اقتصادية وبيئية هائلة. استعادته ليست مجرد مسألة زراعية، بل هي استثمار في الأمن الغذائي والبيئي للبلاد. اليوم، بفضل الأصناف المقاومة والمشاريع الطموحة، يبدو أن الصبار بدأ يستعيد مكانته، خطوة بخطوة، ليعود إلى سابق عهده، أو كما يقول المثل المغربي، "2 بـ5 فرنك"، أي بقيمته الطبيعية والاقتصادية الكبيرة التي لا تُقدَّر بثمن.

تعليقات