قصة ناجي العلي... فنان الكاريكاتير الذي أرعب الأنظمة

ناجي العلي: رسام الثورة وصوت المقهورين


 ناجي العلي هو واحد من أبرز رسامي الكاريكاتير في العالم العربي وأكثرهم تأثيراً وجرأة، وُلد عام 1937 في قرية الشجرة في فلسطين الواقعة بين الناصرة وطبرية، وهي القرية التي هُجّر منها مع عائلته عام 1948 بعد نكبة فلسطين، حيث لجأوا إلى جنوب لبنان واستقروا في مخيم عين الحلوة، وقد تركت تجربة اللجوء القاسية أثراً بالغاً في حياته وأعماله التي ستصبح لاحقاً صوتاً للمنفى والغضب الشعبي الفلسطيني والعربي. نشأ ناجي العلي في بيئة فقيرة ومقهورة، ولم يكمل تعليمه الرسمي بل انخرط في الحياة السياسية والمقاومة في سن مبكرة، وانضم إلى حركة القوميين العرب ثم إلى منظمة التحرير الفلسطينية لاحقاً، لكنه لم يكن منضوياً أيديولوجياً بقدر ما كان ناقداً لكل الأطراف بمن فيهم قيادات الفصائل الفلسطينية والعربية، وهو ما جعله عرضة للتهديد والاضطهاد من أكثر من جهة. في بداياته عمل في عدد من المجلات والصحف اللبنانية والكويتية مثل "الطليعة" و"السياسة" و"السفير" و"القبس"، وهناك برزت موهبته الاستثنائية في فن الكاريكاتير حيث كانت رسوماته تعبّر عن آلام الفلسطينيين وقهر الشعوب العربية وتنتقد بجرأة لا مثيل لها الأنظمة والقيادات المتخاذلة والفساد والاحتلال، وقد تميزت رسوماته بخطوط بسيطة ولكن بمضامين عميقة ومباشرة توصل الرسالة دون حاجة إلى تعليق. من أبرز ما عُرف به ناجي العلي هو ابتكاره لشخصية "حنظلة"، وهو طفل صغير يظهر دائماً بظهره إلى القارئ ويداه خلف ظهره، يرتدي ملابس بسيطة ممزقة ويمشي حافي القدمين، وقد أصبح حنظلة رمزاً للمقاومة والهوية الفلسطينية والحق العربي، وقد قال ناجي عن هذه الشخصية إنها تمثل ضميره وهوية شعبه، ولن يلتفت أو يكبر إلا عندما يعود الفلسطيني إلى وطنه. لم تكن شخصية حنظلة مجرد رسم كاريكاتيري بل تحولت إلى أيقونة ثورية تتناقلها الأجيال وترمز للثبات والحق رغم الألم. عاش ناجي العلي معظم حياته في المنفى، متنقلاً بين لبنان والكويت ولندن، واستمر في انتقاد الجميع دون استثناء، ما جعله عرضة للتهديدات المتكررة، وقد تلقى أكثر من مرة تحذيرات من شخصيات سياسية وتنظيمات أمنية تطالبه بالكف عن رسوماته التي طالت الجميع، لكنه رفض التوقف أو المساومة على مبادئه، وكان يقول إن الفنان الحقيقي هو من يحمل السكين في وجه الجلاد لا من يتزين بالكلام الجميل. في 22 يوليو 1987 وبينما كان متوجهاً إلى عمله في صحيفة "القبس الدولي" بلندن، تم إطلاق النار عليه في وجهه من مسافة قريبة أمام مقر الصحيفة، وظل بعدها في غيبوبة حتى توفي في 29 أغسطس من نفس العام، ولم تُكشف هوية القاتل رسمياً حتى اليوم، رغم توجيه أصابع الاتهام إلى أكثر من طرف من بينهم الموساد الإسرائيلي وبعض الأطراف الفلسطينية والعربية المتضررة من فنه وكلماته، وقد أثار اغتياله موجة واسعة من الغضب والحزن في العالم العربي والعالمي واعتُبر من أبرز الاغتيالات السياسية في الوسط الثقافي العربي. ترك ناجي العلي وراءه أكثر من 40 ألف رسم كاريكاتيري أغلبها ما زال يحتفظ براهنيته وقيمته الفنية والسياسية حتى اليوم، وما زالت أعماله تُعرض وتُدرّس وتُنشر، وظلت شخصية حنظلة حيّة في الذاكرة الجمعية، حاضرة في المظاهرات والجداريات والأعمال الفنية المعاصرة كرمز للحرية والكرامة، وقد قال عنه الشاعر محمود درويش إنه "عبقري الكاريكاتير العربي"، أما غسان كنفاني فقد كان من أوائل من اكتشفوا موهبته وشجعوه على الاستمرار، وقد قال ناجي العلي ذات مرة إنه يرسم كي "يشحن الناس ويوقظ ضمائرهم" وأنه "ليس محايداً ولا يريد أن يكون"، وقد بقي حتى لحظته الأخيرة مخلصاً لفنه وقضيته رافضاً كل أشكال التنازلات السياسية والفنية، ليبقى رمزاً نادراً للفن الملتزم والجرأة في قول الحقيقة.
تعليقات