ارتفاع الطلاق والعزوف عن الزواج في المغرب

تشريعات وهبي وتحديات الأسرة


تصاعد ظاهرة الطلاق في المغرب بدأ يتبلور بشكل واضح مع تطبيق مدونة الأسرة سنة 2004 في عهد حكومة إدريس جطو (2002-2007)، حيث سجلت الإحصاءات ارتفاعاً في الحالات من 26,914 سنة 2004 إلى حوالي 100,247 سنة 2017، مع ذروة في الطلاق بالشقاق الذي شكل النسبة الأكبر. الطلاق التوافقي شهد قفزة كبيرة، من 1,860 حالة سنة 2004 إلى 24,162 حالة سنة 2023، نتيجة تسهيل الإجراءات القانونية وزيادة وعي النساء بحقوقهن، إلى جانب رغبة الأزواج في تجنب النزاعات الطويلة والمكلفة. العزوف عن الزواج بدأ يظهر بشكل ملحوظ منذ منتصف العقد الأول من القرن 21، وتفاقم في عهد حكومات حزب العدالة والتنمية (2011-2021) بقيادة عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني، ثم استمر مع حكومة عزيز أخنوش (2021-الآن). الأسباب تشمل الضغوط الاقتصادية كالبطالة (11.8% سنة 2023)، ارتفاع تكاليف المعيشة، وتكاليف الزواج الباهظة (المهور، الاحتفالات)، إضافة إلى تغيرات ثقافية كتأخر سن الزواج بسبب استمرار التعليم (27.8 سنة للرجال و26.3 للنساء سنة 2022)، وانتشار قيم الفردية بين الشباب تحت تأثير وسائل التواصل الاجتماعي.تشريعات عبد اللطيف وهبي، وزير العدل منذ 2021، ركزت على تعديل مدونة الأسرة لمواجهة هذه التحديات. من أبرز المقترحات: إلزامية جلسات الصلح قبل الطلاق لتقليل النزاعات، إشراك حكمين في قضايا الشقاق لتسريع التسوية، تفعيل دور المجالس العائلية والعلمية المحلية لدعم الوساطة، وتقليص مدة البت في قضايا الطلاق إلى ستة أشهر لتخفيف العبء عن المحاكم. اقترح أيضاً إدخال دورات تأهيلية إلزامية للمقبلين على الزواج لتعزيز الوعي بالمسؤوليات، وتسهيل توثيق عقود الزواج إلكترونياً لتقليل البيروقراطية. مقترحات أخرى أثارت جدلاً واسعاً، مثل إمكانية تحمل المرأة الميسورة نفقة الأطفال في حالات استثنائية، وإبقاء الحضانة للأم حتى بعد زواجها الثاني، وهو ما اعتبره البعض تقدماً نحو العدالة بين الجنسين، بينما رأى آخرون أنه قد يزيد الضغوط على النساء ويعقد قرار الزواج. كما اقترح وهبي تعزيز دور صندوق التكافل العائلي لدعم المطلقات (بمبلغ 7,000 درهم شهرياً كحد أقصى)، وتسهيل إجراءات النفقة عبر تحويلات بنكية مباشرة لتجنب التأخير. هذه التعديلات، رغم محاولتها للحد من تفكك الأسر، واجهت انتقادات من جمعيات نسائية ومحافظين، حيث رأى الأولون أنها لا تذهب بعيداً في حماية حقوق النساء، بينما اعتبرها الآخرون تهديداً للتقاليد.وضع الأسرة المغربية في عهد الحكومة الحالية (2021-2025) يعاني من هشاشة متزايدة. الطلاق التوافقي يهيمن (24,162 حالة سنة 2023) مقارنة بالطلاق الرجعي (341 حالة فقط)، مما يعكس تحولاً في ديناميات العلاقات الزوجية نحو تفاهم أكبر لإنهاء الزواج. لكن العزوف عن الزواج بلغ مستويات مقلقة، مع ارتفاع نسبة العنوسة إلى 32% بين النساء فوق 25 سنة (2022)، وتراجع معدل الزواج (5.8 زيجات لكل 1,000 نسمة سنة 2022 مقابل 6.8 سنة 2010). الأسباب متعددة: ارتفاع تكاليف الزواج (متوسط مهر يتراوح بين 50,000 و150,000 درهم في المدن الكبرى)، البطالة بين الشباب (30% للفئة 15-24 سنة)، وتغير الأدوار التقليدية بسبب تمكين المرأة اقتصادياً وتعليمياً (43% من النساء في الجامعات سنة 2023). وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في نشر قيم فردية وتقليل الضغط الاجتماعي للزواج المبكر، مما زاد من تفضيل العزوبية.الحكومة حاولت معالجة هذه التحديات عبر برامج دعم اجتماعي، مثل تعزيز صندوق التكافل العائلي، وتوسيع برامج الدعم المالي للأسر الفقيرة (1,200 درهم شهرياً للأسر المحتاجة)، إضافة إلى حملات توعية للحد من العنف الأسري، الذي يعد سبباً رئيسياً للطلاق (25% من حالات الشقاق مرتبطة بالعنف). لكن التحديات الاقتصادية، كالتضخم (6.1% سنة 2023) وارتفاع أسعار السكن، إلى جانب البطالة المزمنة، جعلت الشباب يترددون في تحمل مسؤوليات الزواج. كما أن الجدل حول تعديلات مدونة الأسرة، خاصة بشأن تعدد الزوجات والحضانة، أثار انقسامات بين التيارات الليبرالية والمحافظة، مما أبطأ عملية الإصلاح. الأسرة المغربية اليوم تمر بمرحلة انتقالية، حيث تتصارع القيم التقليدية مع الحداثة، والإصلاحات القانونية مع الواقع الاجتماعي، مما يهدد التماسك الأسري ويزيد من تعقيدات بناء أسر مستقرة في ظل غياب حلول جذرية للأزمات الاقتصادية والثقافية.

تعليقات