شبكات منظمة تستغل مهاجرين أفارقة لتوزيع أطنان من السلع الفاسدة بتواريخ مزورة
تحقيقات مستمرة في المغرب تكشف عن شبكات معقدة من المعامل السرية والمستودعات الضخمة التي تتخصص في إعادة تدوير السلع الغذائية منتهية الصلاحية، مما يشكل تهديدًا خطيرًا لصحة المستهلكين وسلامة الأسواق. هذه الأنشطة لا تقتصر على كميات محدودة، بل تشمل أطنانًا من المنتجات التي فقدت صلاحيتها بشكل كامل، حيث يتم إعادة إدخالها إلى الأسواق عبر عمليات تزوير محكمة لتواريخ الإنتاج وانتهاء الصلاحية باستخدام آلات متطورة لإعادة طباعة العبوات وتغليفها بطريقة تبدو قانونية. هذه العمليات تتم في فضاءات سرية بعيدة عن أعين الرقابة، غالبًا في ضواحي المدن الكبرى مثل الدار البيضاء، طنجة، فاس، وخريبكة، حيث تُوزع السلع عبر شبكات تسويق منظمة تستهدف الأسواق الشعبية والفئات الاجتماعية ذات الدخل المحدود التي تبحث عن منتجات بأسعار منخفضة، دون إدراك للمخاطر الصحية الكامنة وراء هذه السلع. تقرير نشرته "هسبريس" في أكتوبر 2024 أشار إلى مداهمة مستودع سري في منطقة سيدي عثمان بالدار البيضاء، حيث تم ضبط 15 طنًا من التمور منتهية الصلاحية، كانت تُعاد تغليفها باستخدام مواد كيميائية لتحسين مظهرها وإخفاء علامات التلف، مع تواريخ صلاحية مزورة. هذه المنتجات كانت موجهة للبيع خلال الفترة التي تسبق شهر رمضان، حيث يرتفع الطلب على التمور بشكل كبير. الأخطر من ذلك، أن هذه الشبكات لا تقتصر على خرق القوانين الصحية، بل تلجأ إلى استغلال مهاجرين غير نظاميين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، يتم تشغيلهم في ظروف عمل قاسية وبأجور زهيدة، مستغلة وضعيتهم الهشة وعدم حصولهم على أي حماية قانونية. هؤلاء العمال يتم اختيارهم عمدًا لأنهم غالبًا في وضعية عبور نحو أوروبا، مما يجعلهم أقل اهتمامًا بتبعات أفعالهم على المستهلك المغربي، على عكس العمال المحليين الذين قد يرفضون المشاركة في مثل هذه الأنشطة غير القانونية أو يبلغون السلطات. شهادة لأحد المسؤولين في جمعية حماية المستهلك بمدينة طنجة، نُشرت في تقرير لـ"الجزيرة نت" في نوفمبر 2024، أكدت أن هذه المعامل تعتمد على هؤلاء المهاجرين لضمان سرية العمليات، حيث يتم تهديدهم بالترحيل إذا أبلغوا السلطات، مما يجعل كشف هذه الأنشطة أكثر صعوبة. في السنوات الأخيرة، شهدت مدن مثل الدار البيضاء، بوسكورة، طنجة، وخريبكة حملات مداهمة مكثفة، أسفرت عن ضبط كميات هائلة من المواد الغذائية الفاسدة، بما في ذلك العسل، البسكويت، المصبرات، العصائر، منتجات الألبان، وحتى المواد المستخدمة في المخابز والحلويات. على سبيل المثال، في قضية بارزة بمدينة خريبكة مطلع عام 2025، كشفت السلطات عن مخبزة تستخدم مواد منتهية الصلاحية بالكامل، مثل الطحين الفاسد والزيوت المهدرجة، في إنتاج الخبز والحلويات، مما أدى إلى إغلاقها وإتلاف أكثر من 3 أطنان من المنتجات غير الصالحة للاستهلاك، وفقًا لتصريح رسمي من المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (ONSSA). في حالة أخرى بالدار البيضاء، تم العثور على مستودع مجهز بآلات حديثة لتزوير تواريخ الصلاحية على عبوات العصائر والمصبرات، حيث كانت المنتجات تُوزع على متاجر صغيرة وأسواق شعبية في أحياء شعبية مثل الحي المحمدي وسيدي مومن. هذه الحالات ليست استثناءات، بل جزء من ظاهرة أوسع تكشف عن وجود شبكات منظمة تتجاوز المخالفات الفردية، تعمل بشكل ممنهج لتحقيق أرباح طائلة على حساب صحة المواطنين. السلطات المغربية، من خلال لجان مختلطة تضم المصالح الصحية والبيطرية والأمنية والسلطات المحلية بالإضافة إلى ONSSA، كثفت جهودها لمكافحة هذه الظاهرة، حيث تتم مصادرة وإتلاف المواد الفاسدة وإحالة المسؤولين على القضاء. لكن تقرير نشرته "هسبريس" في يوليو 2024 أشار إلى أن العقوبات الحالية، التي غالبًا ما تقتصر على غرامات مالية أو إغلاق مؤقت، لا تشكل رادعًا كافيًا، حيث يعود بعض المتورطين إلى ممارسة أنشطتهم بعد فترة وجيزة. هذا الوضع دفع جمعيات حماية المستهلك إلى المطالبة بتشديد العقوبات، بما في ذلك السجن لفترات طويلة ومصادرة الأصول، لضمان ردع المخالفين. من الناحية الاقتصادية، يرتبط انتشار هذه الظاهرة بارتفاع أسعار المواد الغذائية، حيث أشار تقرير لـ"الجزيرة نت" في ديسمبر 2023 إلى أن ارتفاع أسعار المواد الأساسية بنسبة 16.3% خلال تلك السنة دفع بعض التجار إلى المضاربة والاحتكار عبر تخزين السلع في مستودعات سرية للتحكم في الأسعار، مما يؤدي إلى تداول منتجات منتهية الصلاحية. هذا الوضع تفاقم بسبب ضعف الاكتفاء الذاتي الغذائي في المغرب، حيث أظهرت دراسة نشرتها "هسبريس" في 2024 أن السياسات الزراعية الوطنية لم تحقق بعد نسبة كافية من الإنتاج المحلي، مما زاد من الاعتماد على الواردات وجعل مراقبة جودة المنتجات أكثر تعقيدًا. من جهة أخرى، أثارت هذه الممارسات تساؤلات أخلاقية حول سلوكيات التجار الذين يقدمون المكاسب المالية على سلامة المستهلكين، مستغلين هشاشة المهاجرين كواجهة لأنشطتهم غير القانونية. تصريح لمدير ONSSA في مقابلة مع "هسبريس" في يناير 2025 أكد أن الجهود الرقابية تتطلب تعاونًا مجتمعيًا أكبر، حيث دعا المواطنين إلى الإبلاغ عن أي ممارسات مشبوهة، مشيرًا إلى أن توعية المستهلكين بضرورة التحقق من تواريخ الصلاحية وجودة المنتجات يمكن أن يحد من انتشار هذه السلع. كما أوصت منظمة الأغذية والزراعة (FAO) في تقرير لها عام 2024 بضرورة تطوير استراتيجيات وطنية للأمن الغذائي في المغرب، تشمل تحسين أنظمة التتبع والرقابة على سلسلة التوريد، وتفعيل دور الهيئات الرقابية مثل ONSSA من خلال توفير المزيد من الموارد البشرية واللوجستية. إضافة إلى ذلك، أشارت دراسة أجرتها جامعة محمد الخامس بالرباط عام 2024 إلى أن السموم الناتجة عن المنتجات الغذائية الفاسدة، مثل الأفلاتوكسين الناتج عن تخزين الحبوب في ظروف غير ملائمة، يمكن أن تتسبب في أمراض مزمنة مثل سرطان الكبد، مما يزيد من خطورة هذه الظاهرة على الصحة العامة. هذا الوضع يستدعي يقظة أكبر من السلطات والمجتمع على حد سواء، مع ضرورة تشديد العقوبات، تحسين التنسيق بين الوزارات المعنية مثل وزارة الفلاحة والصناعة والداخلية، وتطوير حملات توعية وطنية لتثقيف المستهلكين حول مخاطر المنتجات منخفضة الثمن التي قد تكون فاسدة، لأن الأمر يتعلق بأمن غذائي وصحي يمس جميع المغاربة.