أزمة العطش في المغرب: رد واقعي على تصريح الوزير لفتيت

حين يغيب الماء وتحضر الشعارات: واقع لا يراه المسؤولون

رد على تصريح الوزير لفتيت حول انعدام ازمة الماء في المغرب:
 الواقع يفضح الخطاب الرسمي
الوزير عبد الوافي لفتيت أكد في جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب (في أوائل يونيو 2025) أنه لا توجد أي منطقة في المغرب تعاني من انعدام تزويدها بالماء الصالح للشرب. وأشار إلى أنه رغم التعرض لفترات ضعف في ضخ الماء، فإن جميع المناطق تستفيد فعليًا من الماء الشروب، مبرزًا:
"أتحدّى من يقول إن منطقة ما في المغرب لم يصلها الماء الصالح للشرب…ماكايناش" 
 تصريح أثار الكثير من الاستغراب والاستياء، ليس فقط لجرأته على تجاهل معاناة آلاف الأسر، ولكن أيضًا لابتعاده الصارخ عن الواقع المعاش في العديد من جهات المملكة. هذا المقال يعرض الواقع المائي في المغرب، مستندًا إلى شهادات من الميدان، بيانات رسمية وتقارير إعلامية، ليكشف حجم الفجوة بين الخطاب الرسمي والواقع اليومي للمواطن المغربي.
 أولاً: الواقع القاتم لأزمة الماء في المغرب
يعاني المغرب منذ سنوات من أزمة مائية متفاقمة، نتيجة التغيرات المناخية، ضعف التساقطات، والاستغلال المفرط للموارد المائية. ويكفي الاطلاع على تقارير وزارة التجهيز والماء لنفهم خطورة الوضع:
* في يوليوز 2025، لم تتجاوز نسبة ملء السدود في المغرب 30%، وهي من أدنى النسب في العقد الأخير.
* تراجعت المياه الجوفية في مناطق مثل سوس، دكالة، الحوز، وبني ملال إلى مستويات مقلقة، تهدد الاستقرار الزراعي والسكاني.
كل هذه المؤشرات تكشف أن المغرب يمر فعلاً بمرحلة "إجهاد مائي"، وأن استمرار هذه الوضعية قد يؤدي إلى تهديد حقيقي للأمن المائي الوطني.
 ثانيًا: انقطاعات الماء في المدن الكبرى
رغم التغطية الرسمية للشبكات، فإن الانقطاعات اليومية وعدم انتظام التزود بالماء الصالح للشرب أصبح واقعًا يوميًا في مدن كثيرة:
*الجديدة وسيدي بنور**: تعيش المدينتان على وقع انقطاعات منتظمة يوميًا، خصوصًا خلال ساعات الليل. السكان يلجؤون إلى تخزين الماء في البراميل والآنية.
*فاس**: في عدد من أحيائها الشعبية، تشتكي الساكنة من ضعف في صبيب الماء وغياب تام له خلال ساعات طويلة.
* **الدار البيضاء**: أحياء مثل سيدي مومن والبرنوصي شهدت انخفاضًا مهولًا في الضغط المائي، وامتد الانقطاع أحيانًا لساعات طوال.
هذه الوقائع لا يمكن إنكارها، وهي موثقة في تقارير إعلامية ومطالب احتجاجية للسكان، ما يفضح التصريح الرسمي ويضعه في خانة الخطاب المنفصل عن الواقع.
ثالثًا: القرى والمناطق النائية... عنوان العطش
الأزمة أكثر حدة في القرى والجبال، حيث لا تصل شبكات الماء أصلًا، أو تتعرض لانقطاعات طويلة لأيام:
* قرى تارودانت وزاكورة**: تعتمد الساكنة على الصهاريج المتنقلة لجلب الماء، وغالبًا ما لا تغطي الحاجيات اليومية.
* آيت ورير (جهة مراكش)**: عرفت المنطقة في يوليوز 2025 انقطاعًا شاملاً للماء دام أكثر من 40 ساعة بسبب انفجار في القناة الرئيسية، ما اضطر الساكنة للاحتجاج.
* **بولمان وصفرو**: القرى الجبلية تعرف عجزًا حادًا في التزود بالماء، خصوصًا في فصل الصيف، حيث الجفاف مستمر ودرجات الحرارة مرتفعة.
تصريحات المواطنين من هذه المناطق، تؤكد المعاناة اليومية، وتبرز استياءً عامًا من السياسات الترقيعية في التعامل مع الحق في الماء.
 رابعًا: الفواتير المرتفعة مقابل خدمات منعدمة
من المفارقات الصادمة أن المواطنين يؤدون فواتير ماء وكهرباء باهظة، في حين لا يستفيدون من الخدمة بشكل منتظم. هذا الإشكال يطرح تساؤلات حول عدالة التعرفة، وحق المواطن في عدم أداء مقابل خدمة لا يحصل عليها فعليًا.
سكان أحياء بني ملال وتيفلت أكدوا في أكثر من مناسبة، أن فواتير الماء تصلهم بانتظام، رغم أن الماء لا يصلهم إلا لساعات قليلة في اليوم، أو في بعض الحالات، لأيام معدودة في الأسبوع.
 خامسًا: المسؤولية السياسية والأخلاقية للمسؤولين
تصريح الوزير لفتيت لا يعكس فقط جهلًا بالواقع الميداني، بل أيضًا يعبر عن انفصال المؤسسة التنفيذية عن هموم المواطن. فكيف لمسؤول لم يعرف يومًا معاناة الانقطاع، ولم يؤدِّ ربما فاتورة ماء أو كهرباء من ماله الخاص، أن يتحدث بهذه الثقة عن توفر الماء في كل أرجاء المغرب؟
الواجب السياسي والأخلاقي يفرض على الوزراء والمسؤولين النزول إلى الميدان، وفتح قنوات حقيقية مع المواطن، وليس الاكتفاء بتصريحات للاستهلاك الإعلامي.
 سادسًا: ماذا عن برامج الدولة؟
رغم إطلاق مشاريع ضخمة مثل تحلية مياه البحر في أكادير، وتوسيع محطة الدار البيضاء، وبناء سدود جديدة، إلا أن المردودية على الأرض لا تزال محدودة:
* بعض المشاريع تعاني من التأخر في الإنجاز.
* الربط لا يعني التزود المستمر: فحتى وإن تم ربط القرى، فإن الماء لا يصل إلا بشكل متقطع.
* غياب العدالة المجالية في توزيع الاستثمارات، حيث تُركت مناطق بأكملها خارج نطاق البرامج.
سابعًا: نحو مقاربة واقعية لحل الأزمة
لمواجهة الأزمة، ينبغي:
1. الاعتراف رسميًا بوجود مناطق تعاني من العطش.
2. الإسراع في استثمار حلول مستدامة: تحلية المياه، تثمين المياه العادمة، بناء خزانات استراتيجية.
3. إشراك الجماعات المحلية والمجتمع المدني في مراقبة تدبير الموارد.
4. مراجعة سياسات التسعير، وضمان العدالة في الفوترة.
خاتمة: لا يمكن تغطية الشمس بالغربال
أزمة الماء في المغرب ليست خيالا، وليست جزءًا من "خطاب تهويلي" كما قد يظن البعض. هي أزمة حقيقية، يعيشها المواطن في كل صباح حين يفتح صنبوره فلا يجد قطرة ماء. تصريحات المسؤولين لا يجب أن تكون مجرد تبريرات أو محاولة لطمأنة الرأي العام، بل يجب أن تبنى على حقائق ميدانية وتقدير حقيقي لحجم المعاناة.
الوزير لفتيت أخطأ في تقدير الواقع، وعليه اليوم أن يعيد النظر في خطابه، ليس من باب الانتقاد، ولكن من باب تحمل المسؤولية أمام شعب يتعطش لا فقط للماء، بل للكرامة والعدالة والحق في الحياة.

تعليقات