قضية حميد المهداوي وعبد اللطيف وهبي: محكمة الاستئناف تؤيد الحكم ... 18 شهر حبسا نافذا و 150 مليون سنتم لوزير العدل

 حين تتحول حرية التعبير إلى قضية جنائية: قراءة في ملف المهداوي ووهبي

قضية المهداوي ووهبي: صدام بين حرية التعبير وسلطة الدولة
مقدمة
تشهد الساحة الإعلامية والقضائية في المغرب منذ عام 2024 واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل، حيث تصاعدت وتيرة التوتر بين الصحافي واليوتيوبر المعروف حميد المهداوي، ووزير العدل عبد اللطيف وهبي، على خلفية سلسلة من الفيديوهات والاتهامات المتبادلة التي انتهت بأحكام بالسجن والغرامة. ما جعل من هذه القضية اختبارًا فعليًا لحدود حرية التعبير في المغرب، ولقدرة الدولة على التوفيق بين حماية المؤسسات وحق المواطنين في النقد.
سياق القضية
بدأت فصول القضية عندما نشر حميد المهداوي، عبر قناته على "يوتيوب"، سلسلة حلقات وجه فيها اتهامات مباشرة لعبد اللطيف وهبي، من بينها استغلال النفوذ وتلقي منافع شخصية مقابل خدمات قانونية حينما كان محاميًا. ادّعى المهداوي أن وهبي حصل على سيارة فاخرة كتعويض، مما اعتبره الوزير "قذفًا وادعاءً كاذبًا يسيء لسمعته الشخصية والمهنية".
ردًا على ذلك، تقدم وهبي بشكوى أمام القضاء، مطالبًا بعقوبة زجرية وتعويض مالي كبير، ليرتفع الملف من صراع إعلامي إلى مواجهة قانونية أمام محاكم المملكة.
أطوار المحاكمة
الحكم الابتدائي (نوفمبر 2024):
قضت المحكمة الابتدائية بالرباط بـ:
السجن النافذ لمدة 18 شهرًا في حق المهداوي.
غرامة مالية قدرها 150 مليون سنتيم (1.5 مليون درهم) لصالح وهبي.
التهم: "نشر وقائع كاذبة بهدف التشهير"، و"السب العلني"، و"القذف"، استنادًا للفصول 443 إلى 447 من القانون الجنائي المغربي.
الاستئناف (يونيو 2025):
أيدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي بالكامل.
رفضت دفوع دفاع المهداوي الذي اعتبر أن الفيديوهات تدخل في نطاق "العمل الصحافي الاستقصائي"، وليست قذفًا متعمدًا.
مهداوي قدم خلال إحدى الجلسات "أدلة تؤكد تلقي وهبي السيارة فعلاً"، معتبرًا أن ذلك يدعم مصداقيته ويبرئ ذمته من تهمة الكذب.
شكايات إضافية وتصعيد سياسي
في تطور لافت، تقدم وهبي في مايو 2025 بشكايتين جديدتين ضد المهداوي، ما زاد من الضغط عليه، وأثار مخاوف في الأوساط الحقوقية من استخدام القضاء لتصفية الحسابات مع الأصوات المنتقدة. كما دعا دفاع وهبي إلى التحقيق في مداخيل قناة المهداوي على "يوتيوب" وتحويلها لجمعيات خيرية، وهو ما اعتبره متابعون إجراءً ذا بعد "ردعي" لا مالي فقط.
حرية التعبير على المحك
تُعد هذه القضية مؤشرًا مهمًا لحالة حرية التعبير والصحافة في المغرب. فبينما ترى السلطة القضائية أن المهداوي تجاوز حدوده المهنية واتهم دون دليل واضح، يرى آخرون أن الحكم ضده يحمل طابعًا انتقاميًا ويبعث برسالة سلبية إلى الصحافيين المستقلين.
جمعيات حقوقية مثل "الهيئة المغربية لحقوق الإنسان" و"لجنة حماية الصحافيين" أبدت قلقها من توظيف القانون الجنائي في قضايا النشر بدل قانون الصحافة والنشر، والذي يُفترض أن يحمي حرية التعبير من العقوبات السالبة للحرية.
خاتمة
تجسد قضية حميد المهداوي وعبد اللطيف وهبي صراعًا مركبًا بين مبدأ المحاسبة الصحافية، وحق المسؤولين في صون سمعتهم. وبينما يرى البعض أن الصحافي ارتكب أخطاء مهنية، يرى آخرون أن العقوبات المشددة تهدف إلى إسكات الأصوات الجريئة. ما تحتاجه الساحة المغربية اليوم هو نقاش وطني هادئ حول إصلاح شامل لقوانين النشر، وآليات تضمن التوازن بين حرية التعبير واحترام المؤسسات، بما يكرّس دولة الحق والقانون.
تعليقات