المشهد الإعلامي في المغرب بين السوشيال ميديا والذكاء الاصطناعي
تقرير حول تحوّل المشهد الإعلامي في المغرب: من الإعلام التقليدي إلى الذكاء الاصطناعي والسوشيال ميديا
مقدمة
شهد المشهد الإعلامي في المغرب خلال السنوات الأخيرة تحوّلًا جذريًا، نتيجة تزايد الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي والتطور السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي. هذا التحول لم يقتصر فقط على طريقة إنتاج المحتوى الإعلامي، بل طال أيضًا طريقة استهلاكه، وتوزيعه، والتفاعل معه من قبل الجمهور.
أولًا: صعود وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للأخبار
باتت منصات مثل فيسبوك، إنستغرام، تيك توك ويوتيوب الواجهة الأولى التي يتوجه إليها المواطن المغربي لمتابعة الأخبار والمستجدات، خصوصًا لدى فئة الشباب.
أظهرت تقارير دولية، أبرزها تقرير "Reuters Digital News Report 2025"، أن أكثر من 77% من المغاربة يعتمدون على هذه المنصات لمتابعة الأخبار بشكل يومي، مقارنة بنسبة أقل بكثير ما زالت تعتمد على الصحف الورقية أو القنوات التلفزيونية.
منصات الفيديو القصير مثل TikTok وInstagram Reels ساهمت في تحويل الأخبار إلى محتوى سريع، مختصر، ترفيهي أحيانًا، لكنه غالبًا ما يكون غير دقيق أو غير موثق. ومع بروز "المؤثرين" و"اليوتيوبرز" كمصادر إخبارية غير تقليدية، أصبح التأثير الإعلامي بيد الأفراد أكثر من المؤسسات.
ثانيًا: دخول الذكاء الاصطناعي إلى قطاع الإعلام
بدأت المؤسسات الإعلامية المغربية، خصوصًا الرقمية منها، في استغلال أدوات الذكاء الاصطناعي لتطوير أساليب عملها. وتنوعت استخدامات هذه التقنيات بين كتابة الأخبار بشكل آلي، وتحليل المحتوى، وتقديم محتوى شخصي مخصص للمستخدمين.
من أبرز التطبيقات:
استعمال نماذج لغوية (مثل ChatGPT) للمساعدة في تحرير مقالات أولية بسرعة.
استخدام برامج تحليل ردود الفعل لفهم اهتمامات الجمهور واتجاهاته.
اعتماد أدوات التحقق من الأخبار الآلية لرصد المحتوى المزيف المنتشر على الإنترنت.
تجريب روبوتات دردشة ضمن تطبيقات الأخبار للإجابة على استفسارات القراء.
قنوات رقمية مثل Hespress وSNRT News بدأت بالفعل دمج هذه الحلول تدريجيًا في بنيتها التحريرية، في حين يتزايد الاهتمام داخل المؤسسات الإعلامية بإعادة تدريب الصحفيين على التعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ثالثًا: التحديات المرتبطة بهذا التحول
رغم الطابع الإيجابي لهذا التطور، إلا أن هناك تحديات حقيقية:
انتشار المعلومات الكاذبة والمضللة: السهولة في نشر المحتوى عبر السوشيال ميديا جعلت الأخبار الزائفة تنتشر أسرع من الأخبار الموثوقة.
غياب الأطر القانونية الواضحة: لا تزال القوانين المغربية غير محدثة بشكل كافٍ لضبط استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الإعلامي، أو لمحاسبة الفاعلين غير التقليديين (مثل المؤثرين).
التحيّز الخوارزمي: كثير من المنصات تُفضّل المحتوى المثير على حساب الجودة، ما يعمق ظاهرة "الصحافة الشعبية الرخيصة".
ضعف التكوين الأكاديمي في الذكاء الاصطناعي داخل كليات الإعلام، ما يترك فجوة بين ما يتطلبه الواقع المهني وما توفره مؤسسات التكوين.
رابعًا: آفاق مستقبلية
يُتوقع أن تستمر رقمنة الإعلام في المغرب بوتيرة متسارعة. الصحفي في المستقبل القريب لن يكون فقط ناقلًا للمعلومة، بل مبرمجًا ومحللًا للبيانات وقادرًا على التعامل مع الخوارزميات.
كما يُنتظر أن تظهر وظائف جديدة داخل الحقل الإعلامي، مثل "مهندس محتوى ذكي"، أو "محرر باستخدام الذكاء الاصطناعي"، إضافة إلى تعاظم دور الشركات الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي والإعلام الرقمي.
من جهة أخرى، يتجه المشرّع المغربي إلى مراجعة القوانين المنظمة لمهنة الصحافة، من أجل مواكبة هذا التحول، وحماية حقوق الجمهور في الحصول على معلومات دقيقة وآمنة.
خاتمة
التحوّل الرقمي في المشهد الإعلامي المغربي ليس مجرد موضة أو توجه عابر، بل هو انعكاس لتغيّرات عالمية عميقة تُفرض بقوة الواقع والتكنولوجيا. بين وعود التطوير ومخاطر الانزلاق نحو الفوضى الإعلامية، يبدو أن الرهان الحقيقي يكمن في التوازن بين الابتكار والمسؤولية، وفي تمكين الإعلاميين من أدوات المستقبل دون التفريط في أخلاقيات المهنة.
مقدمة
شهد المشهد الإعلامي في المغرب خلال السنوات الأخيرة تحوّلًا جذريًا، نتيجة تزايد الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي والتطور السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي. هذا التحول لم يقتصر فقط على طريقة إنتاج المحتوى الإعلامي، بل طال أيضًا طريقة استهلاكه، وتوزيعه، والتفاعل معه من قبل الجمهور.
أولًا: صعود وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للأخبار
باتت منصات مثل فيسبوك، إنستغرام، تيك توك ويوتيوب الواجهة الأولى التي يتوجه إليها المواطن المغربي لمتابعة الأخبار والمستجدات، خصوصًا لدى فئة الشباب.
أظهرت تقارير دولية، أبرزها تقرير "Reuters Digital News Report 2025"، أن أكثر من 77% من المغاربة يعتمدون على هذه المنصات لمتابعة الأخبار بشكل يومي، مقارنة بنسبة أقل بكثير ما زالت تعتمد على الصحف الورقية أو القنوات التلفزيونية.
منصات الفيديو القصير مثل TikTok وInstagram Reels ساهمت في تحويل الأخبار إلى محتوى سريع، مختصر، ترفيهي أحيانًا، لكنه غالبًا ما يكون غير دقيق أو غير موثق. ومع بروز "المؤثرين" و"اليوتيوبرز" كمصادر إخبارية غير تقليدية، أصبح التأثير الإعلامي بيد الأفراد أكثر من المؤسسات.
ثانيًا: دخول الذكاء الاصطناعي إلى قطاع الإعلام
بدأت المؤسسات الإعلامية المغربية، خصوصًا الرقمية منها، في استغلال أدوات الذكاء الاصطناعي لتطوير أساليب عملها. وتنوعت استخدامات هذه التقنيات بين كتابة الأخبار بشكل آلي، وتحليل المحتوى، وتقديم محتوى شخصي مخصص للمستخدمين.
من أبرز التطبيقات:
استعمال نماذج لغوية (مثل ChatGPT) للمساعدة في تحرير مقالات أولية بسرعة.
استخدام برامج تحليل ردود الفعل لفهم اهتمامات الجمهور واتجاهاته.
اعتماد أدوات التحقق من الأخبار الآلية لرصد المحتوى المزيف المنتشر على الإنترنت.
تجريب روبوتات دردشة ضمن تطبيقات الأخبار للإجابة على استفسارات القراء.
قنوات رقمية مثل Hespress وSNRT News بدأت بالفعل دمج هذه الحلول تدريجيًا في بنيتها التحريرية، في حين يتزايد الاهتمام داخل المؤسسات الإعلامية بإعادة تدريب الصحفيين على التعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ثالثًا: التحديات المرتبطة بهذا التحول
رغم الطابع الإيجابي لهذا التطور، إلا أن هناك تحديات حقيقية:
انتشار المعلومات الكاذبة والمضللة: السهولة في نشر المحتوى عبر السوشيال ميديا جعلت الأخبار الزائفة تنتشر أسرع من الأخبار الموثوقة.
غياب الأطر القانونية الواضحة: لا تزال القوانين المغربية غير محدثة بشكل كافٍ لضبط استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الإعلامي، أو لمحاسبة الفاعلين غير التقليديين (مثل المؤثرين).
التحيّز الخوارزمي: كثير من المنصات تُفضّل المحتوى المثير على حساب الجودة، ما يعمق ظاهرة "الصحافة الشعبية الرخيصة".
ضعف التكوين الأكاديمي في الذكاء الاصطناعي داخل كليات الإعلام، ما يترك فجوة بين ما يتطلبه الواقع المهني وما توفره مؤسسات التكوين.
رابعًا: آفاق مستقبلية
يُتوقع أن تستمر رقمنة الإعلام في المغرب بوتيرة متسارعة. الصحفي في المستقبل القريب لن يكون فقط ناقلًا للمعلومة، بل مبرمجًا ومحللًا للبيانات وقادرًا على التعامل مع الخوارزميات.
كما يُنتظر أن تظهر وظائف جديدة داخل الحقل الإعلامي، مثل "مهندس محتوى ذكي"، أو "محرر باستخدام الذكاء الاصطناعي"، إضافة إلى تعاظم دور الشركات الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي والإعلام الرقمي.
من جهة أخرى، يتجه المشرّع المغربي إلى مراجعة القوانين المنظمة لمهنة الصحافة، من أجل مواكبة هذا التحول، وحماية حقوق الجمهور في الحصول على معلومات دقيقة وآمنة.
خاتمة
التحوّل الرقمي في المشهد الإعلامي المغربي ليس مجرد موضة أو توجه عابر، بل هو انعكاس لتغيّرات عالمية عميقة تُفرض بقوة الواقع والتكنولوجيا. بين وعود التطوير ومخاطر الانزلاق نحو الفوضى الإعلامية، يبدو أن الرهان الحقيقي يكمن في التوازن بين الابتكار والمسؤولية، وفي تمكين الإعلاميين من أدوات المستقبل دون التفريط في أخلاقيات المهنة.