مصطفى التراب و"إمبراطورية" OCP: صعود إداري أم تغوّل مؤسساتي؟

 إدارة مصطفى التراب لـ OCP: بين الإنجاز والانتقادات المتصاعدة

مصطفى التراب هو شخصية بارزة في الساحة الاقتصادية المغربية، ويشغل منذ عام 2006 منصب الرئيس المدير العام للمكتب الشريف للفوسفاط (OCP)، الذي يُعتبر أحد أكبر المنتجين والمصدرين للفوسفاط ومشتقاته في العالم. وُلد في فاس عام 1955، وتلقى تعليمه العالي في فرنسا والولايات المتحدة، حيث نال دكتوراه في بحوث العمليات من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، ثم عاد إلى المغرب وتدرج في مناصب إدارية وتقنية عالية قبل أن يتولى قيادة OCP، التي شهدت تحت إشرافه تحولات جذرية.
منذ توليه قيادة OCP، انطلقت المؤسسة في استراتيجية توسعية طموحة شملت تحديث بنياتها الصناعية، تطوير سلسلة إنتاج الأسمدة، وإطلاق مشاريع ضخمة داخل المغرب وخارجه، خصوصاً في إفريقيا جنوب الصحراء. كما أسس التراب جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية (UM6P)، التي تهدف إلى أن تكون مركزاً للبحث العلمي والابتكار مرتبطاً بشكل عضوي بأهداف المجموعة الصناعية. هذا النموذج المتكامل بين التعليم والصناعة والتوسع الجيو-اقتصادي جعل من التراب شخصية محورية في الاقتصاد المغربي، بل نموذجاً حديثاً لـ"رأسمالية الدولة" المغربية.
لكن خلال السنوات الأخيرة، وخصوصاً في عامي 2024 و2025، بدأت تظهر أصوات ناقدة لطريقة إدارة مصطفى التراب للمجموعة، حيث نُشرت مقالات وتقارير وتحقيقات في وسائل إعلام مغربية توجه له اتهامات ضمنية ومباشرة بتحويل المجموعة إلى ما يشبه "إمبراطورية شخصية"، أو "دولة داخل الدولة". أهم الانتقادات تركزت على طريقة التسيير التي اعتُبرت مفرطة في المركزية، ومرتبطة بشبكة محدودة من المستشارين المقربين منه، في ظل غياب الشفافية فيما يخص الصفقات الكبرى، والتوظيفات، والميزانيات المتعلقة بالمشاريع الاجتماعية أو الأكاديمية التابعة لـ OCP.
من بين الانتقادات أيضاً، ما اعتُبر غياباً للمراقبة المؤسساتية، حيث يُقال إن مصطفى التراب يتمتع باستقلالية شبه مطلقة عن الحكومة وعن البرلمان، ولا يخضع لنفس قواعد المحاسبة التي تُفرض على باقي المؤسسات العمومية، رغم أن OCP تظل شركة مملوكة للدولة. وارتفعت حدة الجدل بعد تسريبات إعلامية تحدثت عن "مظاهر تبذير" و"نمط تسيير مبني على الولاءات الشخصية لا على الكفاءة"، إضافة إلى انتقادات لإدارة العلاقات مع الشركاء الأجانب، وخصوصاً في إفريقيا، حيث تُطرح أسئلة حول جدوى بعض الاستثمارات الخارجية الضخمة.
هذه الانتقادات لم تصدر فقط من صحافة مستقلة، بل جاءت أيضاً من منابر محسوبة على مراكز قريبة من السلطة، ما عزز الشعور بوجود "تحول في المزاج الرسمي" تجاه التراب. البعض فسّر هذا الهجوم بأنه إشارة إلى اقتراب نهاية مرحلة في قيادة OCP، فيما يرى آخرون أن الأمر لا يتعدى تصفية حسابات داخل دوائر القرار المرتبطة بالصراع حول من سيتحكم في واحدة من أقوى المؤسسات الاقتصادية في البلاد. وهنالك من يرى أن قوة مصطفى التراب نمت بشكل أزعج أطرافاً أخرى في الدولة، خاصة في ظل الحضور المتزايد للمجموعة في مجالات استراتيجية تتجاوز الفوسفاط، كالتعليم، الابتكار، الدبلوماسية الاقتصادية، والتموقع الدولي.
من الناحية الرسمية، لم يصدر أي رد مباشر من مصطفى التراب على هذه الاتهامات، لكن مؤسسة OCP واصلت حملاتها الإعلامية التي تسوّق لرؤيتها التنموية الشاملة، وتُبرز أرقاماً حول مساهمتها في الاقتصاد الوطني، تشغيل آلاف الشباب، وتحقيق أرباح سنوية معتبرة. غير أن هذا لم يمنع استمرار حالة من التوتر الإعلامي والسياسي حول طبيعة الحوكمة داخل المجموعة.
بالتالي، الجدل القائم حالياً لا يتعلق فقط بشخص مصطفى التراب، وإنما يطرح سؤالاً أوسع حول مستقبل المؤسسات العمومية الكبرى في المغرب: هل تُدار كأدوات للدولة وفق قواعد المحاسبة والشفافية، أم تُترك لتطورات شخصية نخبوية تُرسّخ مفهوماً غير رسمي للسلطة الاقتصادية داخل البلاد؟

تعليقات