المعلم بين الواجب المهني وغياب التأمين: مأساة في قلب المدرسة المغربية

حوادث الشغل في قطاع التعليم: القانون بين النص والتطبيق

الموضوع يخص رجال و نساء التعليم
تُعتبر مهنة التعليم من أشرف المهن وأنبلها، وهي الركيزة الأساس لبناء الأجيال وتكوين المجتمعات. ومع ذلك، يعاني نساء ورجال التعليم في المغرب من عدة اختلالات في ظروف العمل، وعلى رأسها غياب الحماية الاجتماعية الكافية، خصوصًا فيما يتعلق بحوادث الشغل والتغطية الصحية والتعويضات عن الأضرار التي قد يتعرضون لها أثناء أو بسبب مزاولة مهامهم التربوية. فبالرغم من وجود نصوص قانونية منظمة لهذه الجوانب، إلا أن التطبيق على أرض الواقع كثيرًا ما يكون بعيدًا عن الإنصاف والكرامة، كما يظهر جليًا في بعض القضايا المؤلمة التي عاشها عدد من الأساتذة والمعلمين، ومنها قضية المعلمة الحامل التي تعرضت لحادث أليم داخل المؤسسة التعليمية.
بحسب القوانين المغربية، فإن الموظفين العموميين، بمن فيهم المعلمون والأساتذة، من المفروض أن يكونوا خاضعين لنظام تأمين يغطيهم ضد المخاطر المهنية، بما في ذلك حوادث الشغل. إذ ينص الظهير الشريف رقم 1.16.127 الصادر بتاريخ 25 غشت 2016 على أن كل حادث مفاجئ يقع للموظف بسبب أو بمناسبة أداء مهامه يُعتبر حادث شغل يستوجب تعويضًا ماديًا وتغطية طبية، ويشمل هذا حتى الفترة الزمنية الممتدة إلى نصف ساعة قبل دخول مقر العمل ونصف ساعة بعد مغادرته. ويشمل النظام كذلك التأمين الإجباري عن المرض الذي يديره الصندوق المغربي للتأمين الصحي، مع إمكانية الاستفادة من معاش العجز أو الإيراد التكميلي في حال الإصابة بعجز دائم أو جزئي. إلا أن هذه المقتضيات القانونية، وإن كانت واضحة من حيث النصوص، تبقى حبرًا على ورق في كثير من الأحيان، حيث تُفرغ من محتواها العادل أثناء التنفيذ، وتتجاهلها الإدارة أو تُماطل في تطبيقها، خاصة عندما يتعلق الأمر بالموظفين المتعاقدين أو الفئات الهشة كالمعلمات في التعليم الأولي.
الحالة التي عرّت هذا الواقع المؤلم تتعلق بمعلمة مغربية حامل كانت تشتغل بإحدى المؤسسات التعليمية، تعرضت لحادث مؤلم داخل المدرسة أدى إلى سقوطها وسقوط جنينها، ثم تطورت الأمور إلى إجراء عملية جراحية تسببت في استئصال رحمها، وبالتالي حرمانها الأبدي من نعمة الإنجاب. المؤلم في هذه القصة ليس فقط الجانب الإنساني، بل الرد المؤسسي الذي اتسم بالاستخفاف واللامبالاة، حيث لم تعترف الجهات المسؤولة بالحالة كحادث شغل، ولم توفر لها المواكبة النفسية أو الاجتماعية أو الطبية اللازمة، وفي النهاية قُدمت لها تعويضات لا تتجاوز 1600 درهم، وكأن هذا المبلغ الزهيد يمكن أن يعوض فقدان الجنين، وفقدان القدرة على الإنجاب، والمعاناة النفسية والمهنية والوجودية التي عاشتها الضحية. وقد احتجت المعلمة أمام الأكاديمية، وصرّحت بأنها مستعدة للإضراب عن الطعام أو حتى الموت، احتجاجًا على الظلم الذي تعرضت له، في تكرار لما وقع لزملاء آخرين تم تجاهلهم بنفس الطريقة.
هذا النوع من المعاناة يكشف بشكل صارخ عن هشاشة منظومة الحماية الاجتماعية لنساء ورجال التعليم في المغرب، خاصة في ما يتعلق بحوادث الشغل. فالمفروض أن يكون هناك نظام تأمين فعال، وتعويضات عادلة، ومساطر مبسطة، ومواكبة قانونية ونفسية، ومسؤولية واضحة تتحملها الجهات الوصية، سواء كانت وزارة التربية الوطنية أو الأكاديميات الجهوية أو شركات التأمين. لكن الواقع يثبت أن الأستاذ والمعلم، رغم كونه حجر الزاوية في التنمية، يُعامل كما لو كان عنصرا هامشيًا أو غير محمي، ولا يحظى بالاعتبار الكافي عندما يتعلق الأمر بحقه في الصحة والسلامة داخل مكان العمل. ولا يجب أن ننسى أن القانون يعطي للموظف حق اللجوء إلى القضاء من أجل المطالبة بتعويض عادل، لكن المساطر القضائية معقدة، والولوج إلى العدالة صعب، خصوصًا بالنسبة لفئة تعاني أصلًا من ضغط العمل وانخفاض الأجور ومحدودية الإمكانيات.
في ظل كل هذا، من الضروري أن تراجع الدولة المغربية والأكاديميات الجهوية وكل المتدخلين في قطاع التعليم سياساتهم تجاه الحماية الاجتماعية لنساء ورجال التعليم، وأن تُفعّل القوانين المعمول بها، وتُبسّط الإجراءات التي تضمن التعويض السريع والعادل، وتُوفر التأمين الإجباري الشامل لحوادث الشغل، مع تطوير منظومة المواكبة النفسية والاجتماعية للمصابين، خصوصًا عندما تكون الأضرار جسيمة ومؤثرة على الحياة المستقبلية للموظف. كما يجب على النقابات التعليمية أن تضطلع بدورها الحقيقي في الدفاع عن ضحايا الإهمال الإداري، وأن لا تكتفي بإصدار بيانات تنديد موسمية، بل تذهب إلى أبعد من ذلك عبر توفير المواكبة القانونية والإعلامية وتحريك الملفات أمام القضاء إن لزم الأمر.
إن المعلم ليس مجرد موظف، بل هو محور أساسي في كل مشروع تنموي، وإن لم يحظ بالكرامة والحماية الاجتماعية والمهنية، فلن يكون هناك تعليم جيد ولا مستقبل واعد. والقضية التي تناولناها هنا ليست حالة معزولة، بل مثال مؤلم يعكس واقعًا أكثر اتساعًا، ويجب أن تكون منطلقًا حقيقيًا لإصلاح جذري يعيد للمعلم كرامته، ويضمن له الأمان في أدائه لمهامه النبيلة.

تعليقات