عندما يتحوّل العمل الخيري إلى تجارة بالبؤس وورقة انتخابية... مأساة الختان الجماعي في شفشاون

تجاوزات العمل الجمعوي في المغرب: بين الاحتيال، المتاجرة بالبؤس، والتوظيف السياسي

عندما يتحول العمل الجمعوي إلى وسيلة للمتاجرة بالبؤس وخدمة المصالح الخاصة.
مقدمة:
عرف المغرب خلال السنوات الأخيرة ارتفاعًا كبيرًا في عدد الجمعيات، حتى أصبحت في كل حي ودوار. ظاهريًا، يبدو أن هذا الانتشار ظاهرة صحية تعكس وعيًا مجتمعياً ورغبة في المساهمة في التنمية. لكن الواقع، وللأسف، يكشف أن عددًا كبيرًا من هذه الجمعيات لا تخدم سوى نفسها ومصالح المنخرطين فيها، فيما تُستغل حاجات المواطنين وفقرهم للربح المادي أو لخدمة أجندات سياسية.
أغلب الجمعيات، بدل أن تكون وسيلة لخدمة الفقراء، أصبحت تتاجر في معاناتهم. يتم تصوير المرضى، الأطفال، أو المعاقين، ونشر صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي لجمع التبرعات من المحسنين داخل وخارج المغرب. لكن هذه الأموال لا تصل غالبًا إلى أصحابها الحقيقيين، بل تذهب لجيوب القائمين على هذه الجمعيات. بل أكثر من ذلك، يتم استغلال نفس الحالات عدة مرات، ويتم الكذب أحيانًا واختلاق قصص لا وجود لها أصلاً.
مأساة الختان الجماعي في شفشاون — 20 سبتمبر 2024
ما وقع في منطقة شفشاون يوم 20 سبتمبر 2024، حين نظمت إحدى الجمعيات عملية ختان جماعي للأطفال. لكنها تحوّلت إلى مأساة حقيقية، حيث أُصيب عدد من الأطفال بجروح خطيرة في أعضائهم التناسلية، وصلت في بعض الحالات إلى التعفن . بعض الأطفال لا يزالون حتى اليوم  يتلقّون العلاج، وسط صدمة عائلاتهم.
الصدمة الأكبر لم تكن فقط في الإصابات، بل فيما وقع بعد ذلك. حين ذهب أولياء الأمور إلى المستشفى لمعرفة اسباب التعفن، قيل لهم ببساطة: "أنتم السبب فيما وقع"،وكأن من ارتكب الخطأ لا يتحمل أي مسؤولية، بينما يتم تحميل الضحية وعائلته المسؤولية الكاملة، في استخفاف واضح بحقوق الناس وكرامتهم.
 
تفاصيل الحادثة
 نظمت جمعية محلية بشفشاون بالتعاون مع المندوبية الإقليمية لوزارة الصحة حملة “إعذار جماعي” للأطفال،يوم 20 سبتمبر 2024 وأُجرِيَت العمليات داخل مستشفى محمد الخامس الإقليمي للمدينة 
استفاد أكثر من 43–45 طفلاً من العملية الجماعية .
بعد حوالى 4–5 أيام، أُصيب 5–7 أطفال بتعفنات خطيرة في أعضائهم التناسلية 
نُقلوا فورًا إلى المستشفى الجامعي محمد السادس في طنجة، حيث تلقوا علاجات مكثفة، بعضها تدخلات جراحية 
أصيب بعض الأطفال بتعفنات خطيرة ومستعصية، أدت إلى احتمالات عاهات دائمة أو فقدان جزئي للعضو الذكري 
بعض العائلات أفادت أن العملية نُفّذت على يد طبيب أطفال وغير مؤهل جراحياً، خلافاً لما قيل لهم 
ردود الفعل والتحرك الحقوقي:
جمعية الكرامة للدفاع عن حقوق الإنسان فجّرت القضية ورافقت العائلات، وطالبت بتحقيق مستعجل وإحالة الملف إلى النيابة العامة 
النيابة العامة أطلقت تحقيقًا رسميًا، بدأت بالاستماع للشهود وانتظار نتائج التقرير الطبي من طنجة 
أسئلة برلمانية من “البام” طُرحت لوزير الصحة، لمتابعة الحادث والتقصيات المطلوبة 
الوضع الحالي:
عدد الضحايا ارتفع إلى ثمانية أطفال بعد انضمام 3 آخرين متأثرين 
توضح التقارير أنّ بعضهم لا يزال قيد العلاج أو التعقب الجراحي وقد تتجاوز فترة التعافي شهورًا .
التحقيقات تطال الأطقم الطبية والإدارية، بينما تقرير طنجة هو الأساس لمحاسبة المسؤولين .
تفاصيل إضافية صادمة:
ورغم ما حدث، فإن الطبيب الذي أشرف على عمليات الختان لا يزال يزاول مهامه بشكل عادي داخل مستشفى محمد الخامس بشفشاون، في تجاهل تام لما تسبب فيه من أضرار جسدية ونفسية خطيرة لعدد من الأطفال. هذا الوضع يطرح علامات استفهام كبيرة حول غياب المحاسبة والمساءلة داخل بعض المؤسسات الصحية، ويزيد من معاناة الأسر التي تنتظر إنصافًا وعدالة، بينما يُترك الفاعل يمارس عمله كأن شيئًا لم يكن.
 تقييم سريع ودروس مستفادة
غياب الرقابة الطبية على كامليات تتطلب تأهيل جراحي واضح.
اخفاء المعلومات الحقيقية للمستفيدين عن مؤهلات الفريق الطبي
تهديد سلامة الأطفال ومصيرهم جراء الإهمال الطبي الجمعوي.
دور فعال للمجتمع المدني (جمعية الكرامة) والنيابة العامة في المطالبة بالعدالة والإنصاف.
حاجة ملحة لسن قوانين تجرّم وتمنع «الختان الجماعي» دون مؤهلات مناسبة أو موافقة طبية.
 التوصيات
منع الجمعيات من تنظيم حملات طبية حرجة دون إشراف طبي متخصص.
مراقبة رسمية صارمة لأي عمل طبي جماعي، والتأكد من شفافية الأطباء.
محاسبة المسؤولين في حال تسجيل “أخطاء أو تقصير طبي”.
تقديم دعم نفسي ومهني للضحايا وأسرهم.
نشر نتائج التحقيقات طلع الناس لمساءلة شفافة ومنع تكرار هذا الأمر.
جمعية جود للتنمية "
ولعل من أخطر المظاهر التي كشفت عن الوجه القبيح لبعض الجمعيات، ما ارتبط بجمعية تُدعى "جود". في البداية وفي الاحياء الشعبية، ظهرت الجمعية وهي توزع "قفة رمضان" على المحتاجين، ففرح الناس بها. لكن بعد مدة، بدأ يُطلب من المستفيدين تقديم نسخة من بطاقاتهم الوطنية مقابل الحصول على القفة. وبعد أشهر، فوجئ كثير منهم بأن أسماءهم ظهرت كمنخرطين في حزب سياسي، هو حزب التجمع الوطني للأحرار، دون علمهم أو موافقتهم. وهنا فهم الناس أن الجمعية لم تكن تعمل لله، بل كانت وسيلة لتجميع الأصوات واستغلال الفقراء سياسيًا.
هذه الممارسات خطيرة جدًا، لأنها تقتل الثقة في العمل الجمعوي، وتشوه سمعته، وتجعل من الجمعيات مجرد أدوات انتخابية أو مشاريع خاصة للربح. المواطن البسيط لم يعد يعرف من يثق فيه، ولا يفرق بين جمعية نزيهة وأخرى فاسدة.
السبب في هذه الفوضى هو غياب المراقبة، وغياب القوانين الصارمة، ووجود مسؤولين محليين يتواطؤون أو يغضون الطرف. المواطن أيضًا يتحمل جزءًا من المسؤولية حين لا يسأل عن مصير التبرعات، أو يسكت عن استغلاله.
نحن لا نعمم، فهناك جمعيات نزيهة وصادقة تعمل بجد في صمت، وتخدم الناس دون أن تنتظر شهرة أو مقابل. لكن هذه الجمعيات بدأت تختنق وسط سيل من الجمعيات الانتهازية التي تفسد المشهد وتحتكر الدعم والتبرعات.
ما نحتاج إليه اليوم هو:
قانون يفرض على الجمعيات نشر حساباتها المالية ومصير التبرعات.
منع استغلال المعلومات الشخصية للمواطنين دون موافقتهم.
فصل تام بين العمل الجمعوي والسياسي.
محاسبة كل جمعية تتاجر بالبؤس أو تتسبب في أذى للمواطنين.
تشجيع الجمعيات الحقيقية التي تُقدّم خدمة صادقة للناس.
في النهاية، العمل الخيري لا يحتاج إلى صور، ولا إلى استغلال مشاعر الناس. العمل النزيه هو ما يُبنى على الصدق والشفافية، واحترام كرامة الإنسان. وكل جمعية تخون هذا المبدأ، يجب أن تُفضح وتُحاسب.
خاتمة
العمل الجمعوي في المغرب يمر بمرحلة حرجة، فبين جمعيات شريفة تشتغل في صمت وبمجهود ذاتي، وجمعيات انتهازية تتاجر بالمحتاجين وتخدم أجندات مشبوهة، يقف المواطن حائرًا بين الأمل والخوف. ما نحتاجه اليوم ليس كثرة الجمعيات، بل جمعيات نزيهة، شفافة، تخدم الوطن لا الأشخاص، والمصلحة العامة لا الشخصية.
تعليقات