عطش جماعي بسيدي عيسى بن سليمان: مسيرة حاشدة تحت شمس يوليو للمطالبة بالماء

 مسيرة الساكنة في جماعة سيدي عيسى بن سليمان احتجاجًا على انقطاع الماء

تعيش جماعة سيدي عيسى بن سليمان، التابعة لإقليم قلعة السراغنة، وضعًا اجتماعيًا وإنسانيًا صعبًا بسبب معاناة السكان المزمنة مع انقطاع الماء الصالح للشرب. هذه الأزمة ليست جديدة، بل هي امتداد لسنوات من الإهمال وغياب حلول جذرية، وهو ما دفع الساكنة، خلال شهر يوليوز 2025، إلى الخروج في مسيرة احتجاجية حاشدة، أطلق عليها البعض "مسيرة العطش". وقد انطلقت هذه المسيرة من دواوير متعددة تابعة للجماعة، متوجهة إلى مقر عمالة إقليم قلعة السراغنة، تعبيرًا عن الغضب الشعبي ورفضًا لتفاقم العطش في عز فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة.
السكان المشاركون في المسيرة رفعوا شعارات قوية ومباشرة، منها "علاش جينا واحتجينا، الما اللي بغينا"، و"الساكنة عطشانة والشركة فرحانة"، في إشارة إلى استياءهم من أداء الشركة الجهوية متعددة الخدمات، المكلفة بتوزيع الماء، والتي لم تقدم حلولًا حقيقية لأزمة التزود المنتظم بالماء. كما طالبوا بضرورة التدخل العاجل لضمان حقهم في الماء، باعتباره حقًا إنسانيًا ودستوريًا. وقد أكدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في تقارير وتصريحات مرافقة للمسيرة، أن ما يحدث في جماعة سيدي عيسى بن سليمان هو انتهاك صريح للحق في الحياة والكرامة، ودعت السلطات المعنية إلى تحمل مسؤولياتها ووضع حد لمعاناة المواطنين.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المسيرة لم تكن الأولى من نوعها، إذ سبقها خلال الشهور الماضية تحركات احتجاجية مماثلة، سواء في دواوير مجاورة أو في مناطق أخرى من الإقليم، مثل تملالت وسبع دواوير تابعة لقبيلة الحافات، التي نظم سكانها وقفات ومسيرات مماثلة للمطالبة بنفس الحق، وهو التزود المنتظم بالماء الصالح للشرب. ورغم هذه التحركات، إلا أن الاستجابة الرسمية لم تكن دائمًا في مستوى تطلعات المواطنين، مما زاد من حدة الغضب والاحتقان المحلي.
في أعقاب المسيرات المتكررة، استدعى عامل إقليم قلعة السراغنة، في يونيو 2025، المدير الإقليمي للشركة الجهوية متعددة الخدمات، وطالب بتوضيحات عاجلة بخصوص الانقطاعات المتكررة للماء، كما تم التأكيد على ضرورة اتخاذ تدابير استعجالية لحل الأزمة، ولو بطرق مؤقتة. وفي هذا السياق، تم تدشين محطة متنقلة لتحلية مياه الآبار المالحة بدوار سيدي محمد التومي، التابع لجماعة سيدي عيسى بن سليمان، بتكلفة تقدر بحوالي 10 ملايين درهم، وهي المحطة الأولى من نوعها في الإقليم، وتهدف إلى التخفيف من حدة الأزمة خاصة في المناطق التي يصعب فيها حفر آبار عذبة.
ورغم أن هذه المبادرة لقيت ترحيبًا أوليًا من طرف بعض المواطنين، إلا أن العديد من الأصوات الحقوقية والمحلية أكدت أن هذا النوع من الحلول يظل مؤقتًا وغير كافٍ، في ظل الطلب المتزايد وغياب سياسة مائية متكاملة تعتمد على الاستدامة والتوزيع العادل للموارد. السكان لا يريدون فقط التخفيف المؤقت، بل يطالبون بربط دائم ومنتظم بالماء، مع تحسين جودة الخدمة ومحاسبة المتسببين في هذا التردي المستمر.
في نهاية المطاف، يمكن القول إن جماعة سيدي عيسى بن سليمان تعيش واحدة من أكثر الأزمات حدة في مجال التزود بالماء على الصعيد الجهوي، وإن كانت السلطات قد بدأت تتحرك بفعل ضغط الشارع، فإن المطلوب اليوم هو الإسراع في تنفيذ حلول حقيقية تضع حدًا نهائيًا لمشكلة العطش، وتستجيب لكرامة وحقوق الساكنة، التي لم تطلب أكثر من حقها الطبيعي في الحياة والماء، ورفعت صوتها سلمًا دفاعًا عن هذا الحق المشروع.
تعليقات