مشروع قانون الصحافة الجديد في المغرب: بين التنظيم الذاتي ومخاوف حرية التعبير

مزايا ومساوئ قانون الصحافة الجديد رقم 27.25: قراءة نقدية وشاملة

 مشروع قانون الصحافة الجديد في المغرب: خطوة نحو تنظيم ذاتي وحماية حرية الإعلام
في إطار إصلاح الإطار القانوني للصحافة في المغرب، أطلقت الحكومة مشروع القانون رقم 27.25 الذي يهدف إلى تعديل وتتميم القانون رقم 89.13 المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين. ويأتي هذا المشروع في سياق تطورات متسارعة يشهدها المجال الإعلامي، خاصة مع التحولات الرقمية، والتحديات المرتبطة بضمان حرية الصحافة وحماية أخلاقياتها.
خلفية التشريع الحالي وأسباب التعديل
القانون رقم 89.13، الذي تم اعتماده قبل أكثر من عشر سنوات، أسس نظامًا قانونيًا للصحافيين المهنيين في المغرب. لكنه مع مرور الوقت، وأمام المتغيرات الاجتماعية والتكنولوجية، أظهر بعض محدوديات في مواجهة تحديات العصر الرقمي، إضافة إلى الحاجة لتعزيز استقلالية الصحافة وضمان تنظيم ذاتي يحفظ مهنة الصحافة من الانحرافات.
لهذا، أعلنت الحكومة عن مشروع القانون 27.25، الذي يسعى إلى تحديث النص القانوني، وتعزيز المؤسسات المهنية، والانتقال إلى نموذج جديد يحترم الدستور المغربي لعام 2011، وخصوصًا الفصل 28 الذي ينص على حرية الصحافة وتنظيمها الذاتي.
أبرز ما جاء في تصريحات وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد
خلال جلسة الأسئلة الشفوية في مجلس النواب يوم 26 ماي 2025، أكد الوزير بنسعيد على أهمية التنظيم الذاتي للصحافة باعتباره ركيزة أساسية لحماية المهنة، وقال:
"الصحافة مهنة نبيلة، والتنظيم الذاتي جزء لا يتجزأ من حماية هذه المهنة. نحن لا نعتبر الصحافي مجرمًا، لكن في المقابل، يجب احترام أخلاقيات المهنة وضمان مؤسسات قوية تقوم بالتنظيم."
وأضاف أن الحكومة تشتغل يوميًا مع المهنيين من أجل إخراج نص قانوني جديد ينظم المجلس الوطني للصحافة، ويكون منسجمًا مع الدستور، ويحترم الحرية والاستقلالية، ويضع حدًا للفوضى والممارسات المنحرفة التي تسيء إلى المهنة.
كما شدد الوزير على أن الصحافة ليست فقط مهنة، بل خدمة عمومية، وأكد على ضرورة أن يكون المجلس الوطني للصحافة قويًا ومستقلاً ويمثل الجسم الصحافي بشكل حقيقي.
رؤية الحكومة من خلال كلام الوزير مصطفى بايتاس
في ندوة صحفية عقب اجتماع مجلس الحكومة في 4 يوليوز 2025، أوضح الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أن مشروع القانون رقم 27.25 يندرج في إطار رؤية الحكومة لتطوير الإطار القانوني لمهنة الصحافة، وضمان حرية التعبير وصون كرامة الصحافيين.
وأضاف:
"النص الجديد يسعى إلى تحقيق التوازن بين حرية الصحافة وواجب احترام القانون، خاصة في ظل التحولات العميقة التي يشهدها المجال الرقمي والممارسات الإعلامية الجديدة."
كما أكد بايتاس أن الهدف ليس فقط إدخال تعديلات تقنية، بل توفير إطار قانوني أكثر مرونة وفعالية يمكّن من النهوض بالمهنة وتنظيمها على أسس حديثة ومتطورة.
ردود فعل الفاعلين المهنيين
لعبت النقابات المهنية للصحافيين دورًا مهمًا في النقاش حول المشروع، مع تأكيدها على ضرورة احترام استقلالية المهنة وحماية حرية الصحافة من أية قيود قد تحد من أدائها. وأبرزت بعض الفدراليات أهمية تطوير آليات التنظيم الذاتي بما يواكب التحولات الرقمية، مع التأكيد على أن أي تعديل يجب أن يضمن حماية الصحافيين من التجريم التعسفي.
مقاربة مقارنة
على غرار المغرب، اعتمدت عدة دول نموذج التنظيم الذاتي للصحافة، حيث يتم إنشاء مجالس وطنية مستقلة تشرف على ممارسة المهنة وتحترم حرية التعبير، مع وضع قواعد أخلاقية مهنية واضحة، كألمانيا وفرنسا وإسبانيا. ويعتبر المغرب، وفق خبراء، في طريقه لتعزيز هذه التجربة عبر مشروع القانون 27.25.
التحديات المقبلة
تبقى التحديات قائمة، سواء على مستوى تطبيق القانون الجديد أو ضمان تمثيلية حقيقية للصحافيين في المجلس الوطني، فضلاً عن ضرورة بناء آليات فعالة لمراقبة الأداء الصحفي دون المساس بالحرية. كما تتطلب المرحلة المقبلة حوارًا مستمرًا بين الحكومة والمهنيين لضمان توافق الأهداف والمصلحة العامة.
بهذا، يعكس مشروع القانون الجديد التزام المغرب بتطوير قطاع الإعلام وفق مبادئ ديمقراطية حديثة، تضمن التوازن بين حرية الصحافة وتنظيمها الذاتي بما يحفظ مهنيتها وكرامتها.
مساوئ ومخاطر مشروع قانون الصحافة الجديد 27.25
رغم أن مشروع القانون رقم 27.25 يحمل أهدافًا إيجابية لتحديث الإطار القانوني للصحافة في المغرب، إلا أنه يواجه انتقادات ومخاوف عدة من فاعلين في المشهد الإعلامي والمدافعين عن حرية التعبير، نذكر أبرزها:
خطر التضييق على حرية التعبير:
يخشى البعض أن يتضمن القانون مواداً تتيح للسلطات ممارسة رقابة أو تدخل مباشر على الصحافيين، تحت ذريعة مكافحة الفوضى أو الانحرافات، ما قد يؤدي إلى تقييد حرية الصحافة بدلاً من حمايتها.
ضعف استقلالية المجلس الوطني للصحافة:
يثير المشروع تساؤلات حول مدى استقلالية المجلس الوطني للصحافة عن الحكومة والسلطات، خصوصاً إذا كانت هناك آليات تسمح بتدخل السلطة التنفيذية في تشكيل أو مراقبة المجلس.
تجريم بعض الممارسات الصحفية:
قد يحتوي القانون على مواد تعاقب الصحافيين على ممارسات يُعتبرها البعض ضمن إطار العمل الصحفي، مثل نشر معلومات حساسة أو ممارسة النقد، مما قد يؤدي إلى محاكمات وتعريض الصحافيين لمخاطر قانونية.
مخاوف من توسيع صلاحيات العقوبات:
هناك تخوف من أن يتم توسيع صلاحيات العقوبات لتشمل عقوبات مدنية أو جنائية قد تُستعمل بشكل تعسفي، وهو ما يثير القلق في أوساط الصحافيين المستقلين والنشطاء.
عدم وضوح المعايير والمصطلحات:
انتقد بعض المراقبين غموض بعض البنود المتعلقة بـ"الأخلاقيات" و"الانحرافات"، ما يترك مجالاً واسعاً للتفسير قد يُستخدم لقمع الممارسات الصحفية المستقلة.
تحديات في التطبيق:
من الصعب ضمان تطبيق القانون بشكل عادل وشفاف في ظل بيئة سياسية وإعلامية قد تشهد ضغوطات متعددة، ما قد يجعل النص عرضة لسوء الاستخدام.
تعليق مختصر
هذه الانتقادات تدعو إلى ضرورة مراجعة نص القانون بدقة، مع تشاور واسع مع كل الأطراف المعنية، خصوصاً منظمات الصحافيين، لضمان تحقيق التوازن بين حرية التعبير والتنظيم الذاتي دون المساس بالحقوق الأساسية.
آراء صحافيين ومنظمات حقوقية حول مساوئ مشروع قانون الصحافة الجديد
في ظل الجدل الذي أثاره مشروع القانون رقم 27.25، عبّر العديد من الصحافيين ومنظمات حقوق الإنسان عن مخاوفهم تجاه بعض بنود القانون التي يرون أنها قد تشكل تهديدًا لحرية الصحافة وحرية التعبير.
الصحافي حسن العلوي، وهو من صحافيي المعارضة المستقلين، قال في حديث له:
"نحن ندعم التنظيم الذاتي، لكن لا يمكن أن نقبل بقانون يُمكن أن يُستخدم لتكميم الأفواه أو لملاحقة الصحافيين بسبب مواد فضفاضة مثل 'الإضرار بالمصلحة الوطنية' أو 'الانحرافات' التي لم تُعرف بشكل واضح."
المرصد المغربي لحقوق الإنسان أصدر بيانًا أعرب فيه عن قلقه من إمكانية توظيف القانون لمصادرة حرية التعبير، وذكر:
"إن أي قانون لا يضمن استقلالية تامة للمجلس الوطني للصحافة ويتيح للسلطات السياسية النفوذ في قراراته، يشكل خطرًا على حرية الإعلام وحق المواطنين في الحصول على معلومات شفافة."
من جهتها، أكدت فيدرالية الناشرين والصحافيين المستقلين أن:
"التنظيم الذاتي يجب أن يكون فعليًا ويتم عبر آليات تشاركية حقيقية تضمن تمثيلية كل الفئات الصحافية، وليس عبر فرض نصوص قانونية قد تقيد المهنة أو تفتح الباب للرقابة."
على المستوى الدولي، أشار تقرير صادر عن مراسلون بلا حدود إلى أن مشاريع قوانين مماثلة في بعض الدول قد أسفرت عن تعميق الأزمة بين السلطات والمهنيين، داعيًا إلى ضرورة أن يشمل القانون المغربي ضمانات قوية لحرية التعبير وعدم العقاب التعسفي.
خلاصة
هذه الآراء تؤكد أن نجاح مشروع القانون لا يقتصر على صيغته القانونية فقط، بل يحتاج إلى بناء ثقة حقيقية بين الحكومة والمهنيين، وضرورة إرساء آليات شفافة ومستقلة لحماية حرية الصحافة، في ظل مجتمع ديمقراطي ينعم بالتعددية وحرية التعبير.

تعليقات