اثر الاعور الذي قتل زوجة ذ.احمد
كانت الليلة باردة حين وصل الدكتور أحمد إلى البلدة الصغيرة، خطواته مترددة وعيناه تراقبان كل من يمر بجانبه خشية أن يتعرّف عليه أحد. ملامحه مرهقة من طول الهروب، لكن الأمل في أن يجد خيطاً يقوده إلى الحقيقة التي تبرئه من دم عائشة لم ينطفئ بعد. دخل إلى نُزل متواضع تديره امرأة أربعينية تُدعى سلمى، حيّته بابتسامة حيية وهو يحاول أن يخفي قلقه، دفع ثمن ليلة واحدة، ثم صعد إلى غرفته الصغيرة التي لا تحتوي سوى سرير قديم وطاولة خشبية.
في صباح اليوم التالي، خرج متخفياً. وبينما كان يسير في السوق الشعبي للبلدة، وقعت عيناه على ملصق صحيفة قديمة على واجهة متجر، مكتوب فيها عن رجل غريب الأطوار يُدعى "الأعور ذو عين واحدة" شوهد يتجول قرب مسرح الجريمة التي وقعت قبل أشهر. تجمدت أنفاس أحمد للحظة، تذكر تلك الليلة المشؤومة، الرجل الذي رآه يهرب من المنزل قبل أن يكتشف جثة عائشة. قلبه خفق بقوة، فها هو الخيط الذي طال انتظاره.
اقترب أحمد بحذر من مستشفى البلدة، وهناك التقى الدكتورة ليلى، زميلة قديمة من أيام دراسته في الطب. لم تصدّق عينيها حين رأته. حاولت كبح انفعالها وهي تهمس: "أحمد… أنت هنا؟ الجميع يظنك هارباً قاتلاً." ابتسم بمرارة وقال: "أنا هارب حقاً، لكنني لست قاتلاً يا ليلى. ذلك الأعور هو من قتل عائشة، وقد يكون هنا في هذه البلدة." نظرت إليه بتمعن ثم قالت: "لا أعرف إن كان بوسعي مساعدتك، المفتش كريم في البلدة منذ أيام، يبحث عن أي أثر لك." ارتجف أحمد عند سماع الاسم، فهو يعرف إصرار كريم، يعرف أنه لن يهدأ حتى يضع القيود في يديه.
مع حلول المساء، تسلّل أحمد إلى أطراف البلدة حيث يقال إن الأعور يسكن كوخاً قديماً. دفع الباب المتهالك بحذر، دخل فوجد المكان معتماً تفوح منه رائحة العفن. وبينما كان يتفحص المكان، وقع بصره على قطعة قماش ملطخة بالدماء مخبأة تحت الطاولة، وإلى جانبها راديو قديم ما زال يعمل همساً. فجأة سمع صوت خطوات خلفه، استدار ليجد الأعور واقفاً، بعينه الوحيدة اللامعة وابتسامة باردة ترتسم على شفتيه. قال بصوت أجش: "كنت أعلم أنك ستأتي يا دكتور." ارتد أحمد خطوة إلى الوراء، قلبه يدق بعنف. حاول أن يتمالك نفسه: "لماذا قتلتها؟ لماذا عائشة؟" ضحك الأعور ضحكة قصيرة وقال: "ربما لأنك لم تكن تستحقها."
اندفع نحوه محاولاً الإمساك به، لكن أحمد تفادى قبضته وركض خارج الكوخ، الأعور يلاحقه بعصاه الحديدية. تعالت أصوات الكلاب في الأحياء القريبة مع ضجيج المطاردة، حتى وجد أحمد نفسه محاصراً عند سور حجري عالٍ. تردّد لوهلة، ثم تسلق السور بصعوبة وقفز إلى الجهة الأخرى، ليسقط متألماً لكنه نجا بأعجوبة. ظل يركض حتى وصل إلى كنيسة مهجورة، دخلها واختبأ بين المقاعد الخشبية القديمة، يلهث ويضغط على جرح في ذراعه.
بعد ساعة، جاءت ليلى تحمل حقيبة صغيرة. كانت قد لاحظت أثر دمه في الطريق فتبعته. جلست بجانبه، نظرت إليه بعينين دامعتين وقالت: "أنت تنزف كثيراً، دعني أعالجك." بينما كانت تنظف جرحه، أخرجت من حقيبتها شريط تسجيل قديم حصلت عليه من أحد مرضاها، وقالت: "سمعت أن هذا التسجيل من راديو الأعور… استمع." شغّل أحمد الشريط، فسمع صوت الأعور نفسه، يتحدث بتهكم: "ذلك الطبيب المسكين سيظل الجميع يظنونه قاتلاً، بينما أنا حرّ طليق." كان الشريط ناقصاً ومشوهاً، لكنه كاد أن يكون الدليل الذي يحتاجه.
وقبل أن يتمكنا من التفكير بخطوة تالية، اقتحم المفتش كريم الكنيسة، يرافقه ضابط من البلدة. وقف أمامهما بثبات، عيناه تخترقان الدكتور أحمد. قال بصوت صارم: "أنت مطلوب للعدالة يا أحمد. كل مكان تذهب إليه تترك خلفك الفوضى." رفع أحمد رأسه بشجاعة وقال: "أنا لست قاتلاً يا كريم، الدليل هنا. الأعور اعترف." اقترب كريم وأمسك بالشريط، استمع قليلاً ثم عقد حاجبيه: "هذا لا يكفي، ليس بعد." ثم أضاف بصوت منخفض يكشف عن صراع داخلي: "لكنني لن أقبض عليك الليلة. سأمنحك فرصة، فقط لأن شيئاً في داخلي يقول إنك بريء."
تبادل أحمد وليلى نظرة سريعة، وعرف أنه لا يملك وقتاً. مع حلول الفجر، كان أحمد قد صعد إلى شاحنة متجهة نحو ولاية بعيدة. التفت نحو البلدة التي تركها خلفه، وأغمض عينيه وهو يتمتم: "من أجلك يا عائشة… لن أتوقف حتى أجد الحقيقة." وانطلقت الشاحنة في الطريق، تاركةً وراءها غباراً كثيفاً وبداية رحلة جديدة.
في صباح اليوم التالي، خرج متخفياً. وبينما كان يسير في السوق الشعبي للبلدة، وقعت عيناه على ملصق صحيفة قديمة على واجهة متجر، مكتوب فيها عن رجل غريب الأطوار يُدعى "الأعور ذو عين واحدة" شوهد يتجول قرب مسرح الجريمة التي وقعت قبل أشهر. تجمدت أنفاس أحمد للحظة، تذكر تلك الليلة المشؤومة، الرجل الذي رآه يهرب من المنزل قبل أن يكتشف جثة عائشة. قلبه خفق بقوة، فها هو الخيط الذي طال انتظاره.
اقترب أحمد بحذر من مستشفى البلدة، وهناك التقى الدكتورة ليلى، زميلة قديمة من أيام دراسته في الطب. لم تصدّق عينيها حين رأته. حاولت كبح انفعالها وهي تهمس: "أحمد… أنت هنا؟ الجميع يظنك هارباً قاتلاً." ابتسم بمرارة وقال: "أنا هارب حقاً، لكنني لست قاتلاً يا ليلى. ذلك الأعور هو من قتل عائشة، وقد يكون هنا في هذه البلدة." نظرت إليه بتمعن ثم قالت: "لا أعرف إن كان بوسعي مساعدتك، المفتش كريم في البلدة منذ أيام، يبحث عن أي أثر لك." ارتجف أحمد عند سماع الاسم، فهو يعرف إصرار كريم، يعرف أنه لن يهدأ حتى يضع القيود في يديه.
مع حلول المساء، تسلّل أحمد إلى أطراف البلدة حيث يقال إن الأعور يسكن كوخاً قديماً. دفع الباب المتهالك بحذر، دخل فوجد المكان معتماً تفوح منه رائحة العفن. وبينما كان يتفحص المكان، وقع بصره على قطعة قماش ملطخة بالدماء مخبأة تحت الطاولة، وإلى جانبها راديو قديم ما زال يعمل همساً. فجأة سمع صوت خطوات خلفه، استدار ليجد الأعور واقفاً، بعينه الوحيدة اللامعة وابتسامة باردة ترتسم على شفتيه. قال بصوت أجش: "كنت أعلم أنك ستأتي يا دكتور." ارتد أحمد خطوة إلى الوراء، قلبه يدق بعنف. حاول أن يتمالك نفسه: "لماذا قتلتها؟ لماذا عائشة؟" ضحك الأعور ضحكة قصيرة وقال: "ربما لأنك لم تكن تستحقها."
اندفع نحوه محاولاً الإمساك به، لكن أحمد تفادى قبضته وركض خارج الكوخ، الأعور يلاحقه بعصاه الحديدية. تعالت أصوات الكلاب في الأحياء القريبة مع ضجيج المطاردة، حتى وجد أحمد نفسه محاصراً عند سور حجري عالٍ. تردّد لوهلة، ثم تسلق السور بصعوبة وقفز إلى الجهة الأخرى، ليسقط متألماً لكنه نجا بأعجوبة. ظل يركض حتى وصل إلى كنيسة مهجورة، دخلها واختبأ بين المقاعد الخشبية القديمة، يلهث ويضغط على جرح في ذراعه.
بعد ساعة، جاءت ليلى تحمل حقيبة صغيرة. كانت قد لاحظت أثر دمه في الطريق فتبعته. جلست بجانبه، نظرت إليه بعينين دامعتين وقالت: "أنت تنزف كثيراً، دعني أعالجك." بينما كانت تنظف جرحه، أخرجت من حقيبتها شريط تسجيل قديم حصلت عليه من أحد مرضاها، وقالت: "سمعت أن هذا التسجيل من راديو الأعور… استمع." شغّل أحمد الشريط، فسمع صوت الأعور نفسه، يتحدث بتهكم: "ذلك الطبيب المسكين سيظل الجميع يظنونه قاتلاً، بينما أنا حرّ طليق." كان الشريط ناقصاً ومشوهاً، لكنه كاد أن يكون الدليل الذي يحتاجه.
وقبل أن يتمكنا من التفكير بخطوة تالية، اقتحم المفتش كريم الكنيسة، يرافقه ضابط من البلدة. وقف أمامهما بثبات، عيناه تخترقان الدكتور أحمد. قال بصوت صارم: "أنت مطلوب للعدالة يا أحمد. كل مكان تذهب إليه تترك خلفك الفوضى." رفع أحمد رأسه بشجاعة وقال: "أنا لست قاتلاً يا كريم، الدليل هنا. الأعور اعترف." اقترب كريم وأمسك بالشريط، استمع قليلاً ثم عقد حاجبيه: "هذا لا يكفي، ليس بعد." ثم أضاف بصوت منخفض يكشف عن صراع داخلي: "لكنني لن أقبض عليك الليلة. سأمنحك فرصة، فقط لأن شيئاً في داخلي يقول إنك بريء."
تبادل أحمد وليلى نظرة سريعة، وعرف أنه لا يملك وقتاً. مع حلول الفجر، كان أحمد قد صعد إلى شاحنة متجهة نحو ولاية بعيدة. التفت نحو البلدة التي تركها خلفه، وأغمض عينيه وهو يتمتم: "من أجلك يا عائشة… لن أتوقف حتى أجد الحقيقة." وانطلقت الشاحنة في الطريق، تاركةً وراءها غباراً كثيفاً وبداية رحلة جديدة.