تحديات التعايش مع المهاجرين في شمال إفريقيا
إن قضية المهاجرين من دول جنوب الصحراء الإفريقية في بلدان شمال إفريقيا، مثل المغرب وتونس، تُعد من المواضيع المثيرة للجدل، حيث تثير قلقًا متزايدًا بين المواطنين بسبب الحوادث الأمنية التي ترتبط ببعض الأفراد من هذه المجموعات، كالسرقة والاعتداءات والاتجار بالمخدرات. ففي المغرب، على سبيل المثال، شهدت مدينة الدار البيضاء في يوليو من عام 2025 حادثة موثقة أوقفت فيها الشرطة شخصين من دول جنوب الصحراء بتهمة الضرب والجرح المقرون بالسرقة في حي الحسني، إثر شجار تحول إلى أعمال عنف خلال تجمع اجتماعي. وفي مدينة طنجة، وقعت مواجهات خطيرة في حي فرح السلام، استخدمت فيها أسلحة بيضاء كالسيوف والسواطير، مما أثار ذعرًا بين السكان الذين وصفوا الحادث بأنه كاد يتحول إلى كارثة لولا تدخل السلطات الأمنية. أما في تونس، فقد سُجلت حوادث مشابهة، مثل اعتداء في مدينة مدنين عام 2024 باستخدام آلة حادة أدت إلى إصابة شاب تونسي، وجريمة قتل في أريانة عام 2023 حيث طُعن شاب على يد مهاجر من دول جنوب الصحراء. وفي الجديدة بالمغرب، ألقت السلطات القبض على ثلاثة عشر شخصًا من دول جنوب الصحراء بتهمة الاتجار الدولي بالمخدرات، وهي حوادث تؤكد وجود مشكلات أمنية مرتبطة ببعض الأفراد من هذه المجموعات.هذه الحوادث، التي تتكرر في عدة مدن، أثارت استياءً شعبيًا واسعًا، حيث يعبر المواطنون، سواء في الشوارع أو على منصات التواصل الاجتماعي مثل منصة إكس، عن شعورهم بالقلق من تزايد الجرائم. يروي البعض تجارب شخصية عن مضايقات يومية، كالاستفزاز اللفظي أو محاولات الابتزاز، بل إن بعض الأهالي يتحدثون عن خوفهم على سلامة أطفالهم أو ممتلكاتهم في الأحياء التي يتواجد فيها المهاجرون بكثرة. هذا الشعور يتفاقم بسبب ما يرونه تقصيرًا من السلطات في التعامل مع هذه الظاهرة، إذ يشتكي البعض من بطء ردود الفعل الأمنية أو عدم كفاية الإجراءات لضمان الأمان العام. هذا الوضع أدى إلى نوع من التعميم السلبي على جميع المهاجرين من دول جنوب الصحراء، مما يزيد من التوترات الاجتماعية ويخلق أحيانًا خطابًا يميل إلى العنصرية، وهو أمر يرفضه الكثيرون ممن يرون أن الشعب المغربي أو التونسي يتميز بالتسامح والضيافة.لكن، من المهم أن ننظر إلى الجانب الآخر من الصورة. المهاجرون من دول جنوب الصحراء يعيشون غالبًا في ظروف بالغة الصعوبة، إذ يفرّ العديد منهم من الفقر المدقع أو النزاعات المسلحة أو الاضطهاد في بلدانهم مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو. في تونس، شهدت مدينة صفاقس في أبريل 2025 تفكيك مخيمات مؤقتة كانت تضم آلاف المهاجرين، مما ترك الكثيرين دون مأوى أو حلول واضحة، فاضطر بعضهم إلى العودة إلى بلدانهم طوعًا أو العيش في ظروف غير إنسانية. وفي الجزائر، هناك شهادات مثل قصة سيدي يحيى، وهو مهاجر مالي يعمل في أعمال يومية شاقة بأجر زهيد، ويعيش تحت تهديد الترحيل المستمر. هؤلاء المهاجرون غالبًا ما يكونون ضحايا لشبكات الاتجار بالبشر، وفي ليبيا، على سبيل المثال، وثّقت تقارير حالات مروعة لبيع مهاجرين إلى مليشيات مقابل مبالغ تافهة، تصل إلى ستة دولارات للفرد.إضافة إلى ذلك، هناك عوامل اقتصادية وسياسية تدفع بهؤلاء المهاجرين إلى مغادرة بلدانهم. ففي دول غرب إفريقيا، مثل غينيا وساحل العاج وغانا، يعتمد الاقتصاد بشكل كبير على تصدير المواد الخام كالكاكاو والذهب، مما يجعل هذه الدول عرضة لتقلبات الأسواق العالمية. تقرير حالات الهشاشة لعام 2025 من منظمة التعاون الاقتصادي أشار إلى أن هذه الدول تعاني من ضعف اقتصادي هيكلي، يزيد منه تفاقم الفقر والبطالة. وفي منطقة الساحل، كمالي وبوركينا فاسو، تنشط جماعات إرهابية مثل جماعة النصرة، التي تستغل الفراغ الأمني والاقتصادي لتجنيد الشباب، مما يخلق بيئة غير مستقرة تدفع بالمزيد إلى الهجرة غير النظامية بحثًا عن الأمان أو فرص أفضل. تقرير من مرصد الأزهر لعام 2025 أشار إلى أن الهجمات الإرهابية في غرب إفريقيا أودت بحياة المئات، مما يجعل الهجرة خيارًا حتميًا للكثيرين.في المقابل، تواجه دول شمال إفريقيا ضغوطًا هائلة نتيجة هذا التدفق المهاجر. المغرب، على سبيل المثال، أصبح نقطة عبور رئيسية للمهاجرين المتجهين إلى أوروبا، وهناك تقارير تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي يقدم تمويلًا لدول مثل المغرب وتونس للحد من الهجرة غير النظامية. لكن هذه السياسات أحيانًا تؤدي إلى ممارسات قاسية، مثل الترحيل إلى مناطق نائية أو احتجاز المهاجرين في مراكز غير ملائمة. هذا الوضع يضع الحكومات في موقف صعب، بين ضرورة ضمان الأمن العام لمواطنيها وبين الالتزام بالمعايير الإنسانية في التعامل مع المهاجرين.على المستوى الشعبي، يعكس النقاش على منصة إكس تنوع الآراء. هناك من يطالب بتشديد الإجراءات الأمنية، مثل ترحيل المهاجرين غير النظاميين أو فرض رقابة أكثر صرامة على تحركاتهم. وهناك من يرى أن المغرب أو تونس، كبلدان إفريقية، يجب أن تستمر في تقاليد الضيافة والتسامح، مع التركيز على معالجة سلوكيات الأفراد المخالفين بدلاً من إدانة الجميع. بعض المنشورات تحدثت عن نظريات مؤامرة، مثل اتهامات لدول أوروبية، كفرنسا، بمحاولة زعزعة العلاقات بين شمال إفريقيا وجنوب الصحراء، نظرًا للنفوذ المتزايد للمغرب في القارة الإفريقية.أما عن الحلول، فإن الموضوع يتطلب مقاربة شاملة. الإجراءات الأمنية، كتكثيف الدوريات وملاحقة المخالفين، ضرورية للحد من الجرائم، وهي خطوات تقوم بها السلطات بالفعل، كما تظهر من عمليات التوقيف المتكررة. لكن هذا وحده لا يكفي، لتقليل اعتمادهم على أنشطة غير مشروعة كوسيلة للبقاء. كما أن التعاون بين دول شمال إفريقيا ودول جنوب الصحراء ضروري لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة، كالفقر والإرهاب. على المستوى الاجتماعي،