هل كان الحسن الثاني أعدل من محمد السادس
حين يتأمل الإنسان المغربي البسيط في واقع حياته اليومية، ويقارن بين ما كان عليه زمن الحسن الثاني وما يعيشه اليوم تحت حكم محمد السادس، قد يجد نفسه مشوشًا في البداية، لكنه سرعان ما يستقر في وجدان الكثيرين الشعور بأن ما مضى، رغم ما حمله من قسوة، كان أكثر دفئًا في بعض جوانبه من هذا الحاضر البارد. قد يقال إن الماضي كان مليئًا بالقمع، والاعتقالات، وانتهاك الحريات، لكن من عاش في ذلك الزمن يعرف أن الموازين ليست بتلك البساطة التي تُعرض بها في التقارير أو المقالات.
في عهد الحسن الثاني، كان المغرب دولة خارجة من الاستعمار، تخوض معارك الاستقرار وبناء المؤسسات، وسط صراع داخلي بين القصر والمعارضة، وتوترات خارجية بسبب قضية الصحراء، وظروف إقليمية ودولية صعبة. نعم، كان الحكم صارمًا، وكان صوت المعارضين يُسكت بالقوة، و"سنوات الرصاص" تركت جراحًا حقيقية في الذاكرة الجماعية. لكن، وسط كل هذا، كان هناك نوع من التوازن غير المعلن بين السلطة والشعب. كانت الدولة، وإن بيد من حديد، لا تتخلى تمامًا عن مسؤوليتها الاجتماعية تجاه المواطن. كانت تعرف أن الفقير يجب أن يُطعم، وأن المتضرر يجب أن يُسند، وأن الفوضى الاجتماعية أخطر من الخصم السياسي.
من يراجع الواقع آنذاك، بعيدًا عن التحليلات، يسمع قصصًا مثل قصةالرجل الذي احترق كوخه هو و جيرانه في عهد الحسن الثاني ، وجاءت الدولة على الفور لتحمل العائلات إلى المسجد، وتوفر لهم كل ما يحتاجونه من غذاء وفراش، بل وتسكنهم من جديد، ثم تمنحهم بقعًا أرضية بعد 3 شهور فقط. كانت الدولة حاضرة،لا يجوع احد و لا يعاني غلاء المعيشة كما هو الحال في السنوات الاخيرة . كان للدولة وجه اجتماعي رغم بطشها السياسي. لم يكن المواطن يشعر بأنه وحده في وجه الشارع. نعم، كان النظام صارمًا، لكنه لم يكن لا مباليًا. في عهد الحسن الثاني، لم يكن أحد يجرؤ على سرقة المال العام ثم يظهر على الشاشات كرمز للنجاح. إذا ثبت على أحدهم الفساد، اختفى إلى الأبد، أو كما يقول المغاربة "مشا وراء الشمس".
هذه المقارنة المؤلمة تتضح أكثر حين ننظر إلى الحاضر، إلى عهد محمد السادس، الذي جاء بشعارات كبرى: الانفتاح، المصالحة، التنمية، دولة الحق والقانون. بدأ حكمه بإطلاق سراح بعض المعتقلين، وتأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة، وتغيير الصورة التي التصقت بالقصر طيلة عقود. فرح المغاربة، وهتفوا باسمه، وأملوا في مغرب جديد. لكن سرعان ما بدأ ذلك الأمل يتآكل شيئًا فشيئًا. تحولت الوعود إلى كلمات مكررة، والمشاريع إلى واجهات لا تصل إلى عمق المعاناة. اليوم، تُهدم بيوت البسطاء دون بديل، وتُشرد الأسر أمام أعين الجميع، بلا مأوى، ولا تعويض، ولا حتى اعتذار. اليوم، يعاني المغاربة من الغلاء الذي لا يرحم، والفساد الذي صار "عاديًا"، بل وأحيانًا محميًا. الوزراء الذين كان يُفترض أن يخافوا من الشعب، صاروا يخاطبونه بتعجرف، ويتخذون قرارات تزيد من ألمه.
في عهد محمد السادس، لم تعد هناك رهبة من الفساد، بل على العكس، صار بعض رموز الثراء السريع يُقدّمون كنماذج للنجاح. قوانين محاربة الإثراء غير المشروع تُسحب، وقضايا الفساد الكبرى تُطوى، ولا أحد يُحاسب. أما الشعب، فقد أصبح يُنظر إليه كأزمة مؤجلة، وليس كمصدر للشرعية. أصبح الشاب المغربي يرى بلده كمرحلة انتظار قبل "الحرڤة"، وأصبح المواطن البسيط يشعر أن لا قيمة له في مخططات التنمية، وأنه خارج الحسابات.
وإذا تأملنا أكثر، سنلاحظ أن هناك نوعًا من الهندسة السياسية المتكررة، وكأن التاريخ يُعاد بحذر: حين اقترب الحسن الثاني من النهاية، أوصى بإطلاق سراح عدد من المعتقلين، حتى يُفتتح عهد محمد السادس بصورة "الملك المنقذ"، وكأن العهد الجديد جاء ليُصحح أخطاء العهد السابق. واليوم، يبدو أننا نعيش نفس السيناريو، حيث تتراكم الاعتقالات السياسية، وتُفتح ملفات الصحفيين والمعارضين، ليكون أمام ولي العهد حين يخلف والده، ملف جاهز للعفو والمصالحة، يبدأ به حكمه، وينال به القبول الشعبي. إنها سياسة التوريث الناعم للشرعية: يُبنى العرش الجديد من آلام العهد الذي مضى.
وبين هذا وذاك، يضيع المواطن في انتظار "العهد الأفضل"، وتمر عليه العقود دون أن يرى الفرق الحقيقي. ومع كل انتقال ملكي، يُعاد تشغيل نفس آلة الرمزية: العفو، الأمل، البداية الجديدة. لكن حين تنتهي نشوة البداية، يعود كل شيء إلى أصله: الفقر كما هو، الفساد كما هو، و"المخزن" في مكانه.
من هنا، يصبح مفهوما جدًا أن يقول البعض: "الحسن الثاني كان أرحم". ليس لأنهم نسوا المعتقلات أو القمع، ولكن لأنهم يشعرون أن ذلك الحزم، رغم قسوته، كان أكثر عدالة من هذا الفساد المقنع بالحداثة. في زمن الحسن الثاني، كانت الدولة تضرب وتُطعم. اليوم، لا تضرب بنفس الحدة، لكنها أيضًا لا تُطعم، ولا تواسي، ولا تهتم. من هنا تنبع المقارنة العاطفية التي قد لا تُفهم بسهولة من طرف من لم يعش التجربتين.
في النهاية، لا أحد يُنكر أن "حتى زين ما خاطياه لولا". فالحسن الثاني، رغم صلابته، لم يكن كاملاً، وقد خلف وراءه جراحًا حقيقية. لكن محمد السادس، رغم شعاراته، لم ينجح في مداواة تلك الجراح، بل وفتح جراحًا جديدة، بأسلوب ناعم، لكنه أكثر وجعًا. لأن القمع حين يكون معلنًا، يُقاوَم. لكن حين يكون مغلفًا بالابتسامات، يكون أكثر قسوة، لأنه يُغلف الألم بالكذب.
لذلك، حين يُسأل المواطن البسيط اليوم: "هل تفضل زمن محمد السادس أم زمن الحسن الثاني؟" قد يفاجئك جوابه، لكنه نابع من منطق بسيط: "على الأقل في عهد الحسن الثاني، كنا نعيش... ونُحس بأن الدولة تخاف الله فينا". قد لا يكون هذا دقيقًا في كل التفاصيل، لكنه يعبر عن شعور حقيقي لدى طبقة واسعة من الناس، يرون في الماضي قسوة فيها عدالة، وفي الحاضر حرية فيها تخلٍّ، ولا يجدون في المستقبل ما يكفي من الأمل.
في عهد الحسن الثاني، كان المغرب دولة خارجة من الاستعمار، تخوض معارك الاستقرار وبناء المؤسسات، وسط صراع داخلي بين القصر والمعارضة، وتوترات خارجية بسبب قضية الصحراء، وظروف إقليمية ودولية صعبة. نعم، كان الحكم صارمًا، وكان صوت المعارضين يُسكت بالقوة، و"سنوات الرصاص" تركت جراحًا حقيقية في الذاكرة الجماعية. لكن، وسط كل هذا، كان هناك نوع من التوازن غير المعلن بين السلطة والشعب. كانت الدولة، وإن بيد من حديد، لا تتخلى تمامًا عن مسؤوليتها الاجتماعية تجاه المواطن. كانت تعرف أن الفقير يجب أن يُطعم، وأن المتضرر يجب أن يُسند، وأن الفوضى الاجتماعية أخطر من الخصم السياسي.
من يراجع الواقع آنذاك، بعيدًا عن التحليلات، يسمع قصصًا مثل قصةالرجل الذي احترق كوخه هو و جيرانه في عهد الحسن الثاني ، وجاءت الدولة على الفور لتحمل العائلات إلى المسجد، وتوفر لهم كل ما يحتاجونه من غذاء وفراش، بل وتسكنهم من جديد، ثم تمنحهم بقعًا أرضية بعد 3 شهور فقط. كانت الدولة حاضرة،لا يجوع احد و لا يعاني غلاء المعيشة كما هو الحال في السنوات الاخيرة . كان للدولة وجه اجتماعي رغم بطشها السياسي. لم يكن المواطن يشعر بأنه وحده في وجه الشارع. نعم، كان النظام صارمًا، لكنه لم يكن لا مباليًا. في عهد الحسن الثاني، لم يكن أحد يجرؤ على سرقة المال العام ثم يظهر على الشاشات كرمز للنجاح. إذا ثبت على أحدهم الفساد، اختفى إلى الأبد، أو كما يقول المغاربة "مشا وراء الشمس".
هذه المقارنة المؤلمة تتضح أكثر حين ننظر إلى الحاضر، إلى عهد محمد السادس، الذي جاء بشعارات كبرى: الانفتاح، المصالحة، التنمية، دولة الحق والقانون. بدأ حكمه بإطلاق سراح بعض المعتقلين، وتأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة، وتغيير الصورة التي التصقت بالقصر طيلة عقود. فرح المغاربة، وهتفوا باسمه، وأملوا في مغرب جديد. لكن سرعان ما بدأ ذلك الأمل يتآكل شيئًا فشيئًا. تحولت الوعود إلى كلمات مكررة، والمشاريع إلى واجهات لا تصل إلى عمق المعاناة. اليوم، تُهدم بيوت البسطاء دون بديل، وتُشرد الأسر أمام أعين الجميع، بلا مأوى، ولا تعويض، ولا حتى اعتذار. اليوم، يعاني المغاربة من الغلاء الذي لا يرحم، والفساد الذي صار "عاديًا"، بل وأحيانًا محميًا. الوزراء الذين كان يُفترض أن يخافوا من الشعب، صاروا يخاطبونه بتعجرف، ويتخذون قرارات تزيد من ألمه.
في عهد محمد السادس، لم تعد هناك رهبة من الفساد، بل على العكس، صار بعض رموز الثراء السريع يُقدّمون كنماذج للنجاح. قوانين محاربة الإثراء غير المشروع تُسحب، وقضايا الفساد الكبرى تُطوى، ولا أحد يُحاسب. أما الشعب، فقد أصبح يُنظر إليه كأزمة مؤجلة، وليس كمصدر للشرعية. أصبح الشاب المغربي يرى بلده كمرحلة انتظار قبل "الحرڤة"، وأصبح المواطن البسيط يشعر أن لا قيمة له في مخططات التنمية، وأنه خارج الحسابات.
وإذا تأملنا أكثر، سنلاحظ أن هناك نوعًا من الهندسة السياسية المتكررة، وكأن التاريخ يُعاد بحذر: حين اقترب الحسن الثاني من النهاية، أوصى بإطلاق سراح عدد من المعتقلين، حتى يُفتتح عهد محمد السادس بصورة "الملك المنقذ"، وكأن العهد الجديد جاء ليُصحح أخطاء العهد السابق. واليوم، يبدو أننا نعيش نفس السيناريو، حيث تتراكم الاعتقالات السياسية، وتُفتح ملفات الصحفيين والمعارضين، ليكون أمام ولي العهد حين يخلف والده، ملف جاهز للعفو والمصالحة، يبدأ به حكمه، وينال به القبول الشعبي. إنها سياسة التوريث الناعم للشرعية: يُبنى العرش الجديد من آلام العهد الذي مضى.
وبين هذا وذاك، يضيع المواطن في انتظار "العهد الأفضل"، وتمر عليه العقود دون أن يرى الفرق الحقيقي. ومع كل انتقال ملكي، يُعاد تشغيل نفس آلة الرمزية: العفو، الأمل، البداية الجديدة. لكن حين تنتهي نشوة البداية، يعود كل شيء إلى أصله: الفقر كما هو، الفساد كما هو، و"المخزن" في مكانه.
من هنا، يصبح مفهوما جدًا أن يقول البعض: "الحسن الثاني كان أرحم". ليس لأنهم نسوا المعتقلات أو القمع، ولكن لأنهم يشعرون أن ذلك الحزم، رغم قسوته، كان أكثر عدالة من هذا الفساد المقنع بالحداثة. في زمن الحسن الثاني، كانت الدولة تضرب وتُطعم. اليوم، لا تضرب بنفس الحدة، لكنها أيضًا لا تُطعم، ولا تواسي، ولا تهتم. من هنا تنبع المقارنة العاطفية التي قد لا تُفهم بسهولة من طرف من لم يعش التجربتين.
في النهاية، لا أحد يُنكر أن "حتى زين ما خاطياه لولا". فالحسن الثاني، رغم صلابته، لم يكن كاملاً، وقد خلف وراءه جراحًا حقيقية. لكن محمد السادس، رغم شعاراته، لم ينجح في مداواة تلك الجراح، بل وفتح جراحًا جديدة، بأسلوب ناعم، لكنه أكثر وجعًا. لأن القمع حين يكون معلنًا، يُقاوَم. لكن حين يكون مغلفًا بالابتسامات، يكون أكثر قسوة، لأنه يُغلف الألم بالكذب.
لذلك، حين يُسأل المواطن البسيط اليوم: "هل تفضل زمن محمد السادس أم زمن الحسن الثاني؟" قد يفاجئك جوابه، لكنه نابع من منطق بسيط: "على الأقل في عهد الحسن الثاني، كنا نعيش... ونُحس بأن الدولة تخاف الله فينا". قد لا يكون هذا دقيقًا في كل التفاصيل، لكنه يعبر عن شعور حقيقي لدى طبقة واسعة من الناس، يرون في الماضي قسوة فيها عدالة، وفي الحاضر حرية فيها تخلٍّ، ولا يجدون في المستقبل ما يكفي من الأمل.