حنظلة... سفينة الحرية التي واجهت الاحتلال في عرض البحر
سفينة حنظلة، وهي جزء من مبادرة تحالف أسطول الحرية، أبحرت من ميناء سيراكوزا في صقلية بإيطاليا يوم 13 يوليو 2025، في محاولة جديدة لكسر الحصار البحري الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ عام 2007. السفينة، التي تحمل اسم الشخصية الكاريكاتيرية الشهيرة التي ابتكرها الفنان الفلسطيني ناجي العلي عام 1969 كرمز للمقاومة والهوية الفلسطينية، هي سفينة صيد نرويجية سابقة تُعرف باسم "نافارن"، صنعت عام 1968، بطول حوالي 18 مترًا ومزودة بمحرك ديزل مناسب للإبحار في البحر المتوسط. كانت تحمل 21 ناشطًا من 12 دولة، من بينهم نواب برلمانيون، محامون، صحفيون، نقابيون، ناشطون بيئيون، ومدافعون عن حقوق الإنسان، إضافة إلى مساعدات إنسانية رمزية تشمل حليب الأطفال، الحفاضات، الطعام، الأدوية، مستلزمات طبية، وأدوات لتحلية المياه. الهدف الأساسي للرحلة كان لفت الانتباه إلى الأزمة الإنسانية في غزة، التي تفاقمت بسبب الحصار والحرب المستمرة منذ أكتوبر 2023، ودعم الفلسطينيين سلميًا من خلال إيصال المساعدات وتسليط الضوء على معاناتهم، خاصة الأطفال الذين يشكلون نصف سكان القطاع.قبل انطلاقها، واجهت السفينة تحديات كبيرة، حيث تعرضت لمحاولات تخريبية في ميناء غاليبولي بإيطاليا، حيث عُثر على حبل ملفوف بإحكام حول مروحة القارب في 19 يوليو، فيما وصف بأنه عمل تخريبي متعمد، كما تعرض أحد أفراد الطاقم لحروق كيميائية بعد تسليم حمض الكبريتيك بدلاً من المياه العذبة. رغم ذلك، أعادت السفينة الإبحار في 20 يوليو بعد تجاوز هذه المشكلات التقنية. خلال الرحلة، تم تجهيز السفينة بنظام تتبع متطور بالتعاون مع شركة Forensic Architecture لتوثيق مسارها وحمايتها من أي انتهاكات محتملة، مع بث تحركاتها مباشرة عبر يوتيوب ومشاركة صور الرادار لحظيًا.في 23 يوليو، وصلت السفينة إلى قبالة سواحل مالطا، على بعد حوالي ثلاثة أيام من غزة، وسط مخاوف من استهدافها من قبل القوات الإسرائيلية. وفي 24 يوليو، أظهرت بيانات ملاحية من موقع "مارين ترافيك" أن السفينة، التي ترفع علم بريطانيا، اقتربت من المياه الإقليمية الشمالية لمصر، بعد أن قطعت أكثر من 530 ميلًا بحريًا منذ مغادرتها إيطاليا. كانت على بعد 123 ميلًا بحريًا من السواحل المصرية، وواصلت تقدمها نحو غزة. في اليوم التالي، 25 يوليو، أعلن تحالف أسطول الحرية انقطاع الاتصال مع السفينة لمدة ساعتين تقريبًا، مع رصد العديد من الطائرات المسيرة الإسرائيلية تحلق بالقرب منها، مما أثار مخاوف من هجوم محتمل. لكن الاتصال عاد لاحقًا، وأكد التحالف أن السفينة واصلت مهمتها، وكانت على بعد 349 ميلًا بحريًا من غزة.في 26 يوليو، اقتربت السفينة أكثر من غزة، حيث وصلت إلى مسافة 70 ميلًا بحريًا، متجاوزة النقاط التي تم اعتراض سفن سابقة عندها، مثل سفينة "مرمرة الزرقاء" عام 2010 (72 ميلًا)، وسفينة "مادلين" في يونيو 2025 (110 أميال)، وسفينة "الضمير" (1050 ميلًا). اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة أعلنت أن "حنظلة" هي الأقرب إلى غزة منذ سنوات، وكانت على بعد 8 ساعات زمنية من منطقة الرسو المتوقعة، حوالي الساعة 04:30 فجرًا بتوقيت غزة. خلال هذا الوقت، رصدت السفينة 16 طائرة مسيرة إسرائيلية تحلق فوقها خلال 45 دقيقة، بعضها على ارتفاع منخفض، مما دفعها لتفعيل حالة الطوارئ. النائبة الفرنسية غابرييل كاتلا، إحدى الناشطات على متن السفينة، أكدت استعدادهم لأي تدخل محتمل، قائلة: "اتحدنا جميعًا، نحن متضامنون ومستعدون، لا تقلقوا علينا، فكروا بالفلسطينيين الذين يتألمون تحت الإبادة الفظيعة."في وقت متأخر من مساء 26 يوليو، اقتحمت قوات البحرية الإسرائيلية السفينة في المياه الدولية، على بعد حوالي 40 ميلًا بحريًا من غزة، أي ما يعادل 50 كيلومترًا من الساحل المصري و100 كيلومتر غرب غزة. أظهر بث مباشر لحظة صعود الجنود الإسرائيليين المسلحين على متن السفينة، حيث أجبروا الناشطين على رفع أيديهم، وقاموا بقطع كاميرات المراقبة والبث المباشر، مما أدى إلى فقدان الاتصال بالكامل مع السفينة في حوالي الساعة 11:43 بتوقيت فلسطين. تحالف أسطول الحرية وصف العملية بأنها "اعتراض عنيف" و"قرصنة بحرية"، مؤكدًا أن السفينة كانت تحمل مساعدات إنسانية مدنية غير عسكرية، وأن الاعتراض في المياه الدولية يشكل خرقًا واضحًا للقانون الدولي البحري. الناشطون على متن السفينة أعلنوا قبل الاقتحام أنهم سيدخلون في إضراب مفتوح عن الطعام إذا تم اعتقالهم، رافضين قبول أي طعام من الجيش الإسرائيلي.وزارة الخارجية الإسرائيلية زعمت أن السفينة حاولت الدخول بشكل غير قانوني إلى المنطقة البحرية قبالة غزة، وأن البحرية الإسرائيلية أوقفتها، وأنها في طريقها إلى ميناء أسدود بأمان مع جميع الركاب سالمين. هيئة البث الإسرائيلية أكدت أن الجيش سيسحب السفينة إلى أسدود ويبعد الناشطين الأجانب. المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل "عدالة" أرسل محامين إلى ميناء أسدود للمطالبة بالتواصل مع الناشطين المحتجزين، مؤكدًا أن الاحتجاز في المياه الدولية غير قانوني وينتهك القانون الدولي الإنساني، خاصة أن الحصار على غزة يُعتبر عقابًا جماعيًا محظورًا، ويتعارض مع تدابير محكمة العدل الدولية التي تطالب بتسهيل دخول المساعدات إلى غزة.من بين الناشطين على متن السفينة كان الصحفي المغربي محمد البقالي من قناة الجزيرة، المقيم في باريس، والمصور العراقي وعد الموسى، مراسل ميداني للجزيرة، إلى جانب نائبتين من حزب "فرنسا الأبية"، وناشطة نرويجية مسنة تُدعى فيغديس، التي عبرت عن فخرها بالمشاركة في المهمة لدعم الشعب الفلسطيني. تحالف أسطول الحرية أشار إلى أن هذا الاعتداء هو الثالث على بعثاته في 2025، بعد هجوم بطائرة مسيرة على سفينة "الضمير" في مايو، مما تسبب في إصابة 4 أشخاص وتعطيل السفينة، والاستيلاء على سفينة "مادلين" في يونيو، حيث تم احتجاز 12 ناشطًا ثم ترحيلهم شرط عدم العودة. حركتا حماس والجبهة الشعبية دانتا الاقتحام، ودعتا إلى تحرك دولي عاجل للضغط على إسرائيل لوقف "القرصنة البحرية"، بينما أكدت آن رايت، عضو اللجنة التوجيهية لأسطول الحرية، أن إسرائيل لا تملك سلطة قانونية لاحتجاز مدنيين دوليين في المياه الدولية.السفينة، بعد اقتحامها، تم سحبها إلى ميناء أسدود، ولم يُعرف مصير الناشطين بشكل واضح بعد الاقتحام، لكن التحالف دعا الحكومات الدولية ووسائل الإعلام للضغط على إسرائيل لضمان سلامتهم وإطلاق سراحهم. هذه الرحلة، وهي الـ37 في سلسلة محاولات أسطول الحرية، جاءت في سياق أزمة إنسانية حادة في غزة، حيث تسبب الحصار في نقص حاد في المواد الأساسية، وأدى إلى مجاعة أزهقت أرواح العديد، مع تقارير عن إصابات بالغثيان وفقدان الوعي بسبب الجوع، خاصة بين الأطفال. منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش وأمنستي دعمت المهمة، وطالبت برفع الحصار، معتبرة أنه خرق للقانون الدولي. رغم الاعتراض، أكد التحالف أن هذه لن تكون المحاولة الأخيرة، وسيستمر في إرسال السفن حتى يُكسر الحصار ويحصل الفلسطينيون على حريتهم وكرامتهم.