مأساة طانطان: النار التي التهمت الأطفال وحفرت الذاكرة

 فجرٌ من رماد: حكاية الأطفال الذين احترقوا في طريق العودة

مأساة طانطان: النار التي التهمت الحلم
في صباح 10 أبريل 2015، استفاق المغرب على واحدة من أفظع المآسي التي عصفت بقلوب الملايين، مأساة لم تكن مجرد حادثة سير، بل جرح نازف في ذاكرة وطن، ودموع لم تجف بعد من أعين الأمهات والآباء.
في مكانٍ قصيّ على الطريق الوطنية رقم 1، بين مدينة طانطان وقرية الشبيكة، اندلعت النيران في حافلة تقل براعم حلم مغربي... أطفال كانوا عائدين من مهرجان رياضي، مكللين بالفخر، يحملون الكؤوس والميداليات... ولم يكونوا يعلمون أن عودتهم ستكون الأخيرة.
صباح الاحتراق
كانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف صباحاً، حين اصطدمت شاحنة لنقل الوقود بحافلة تقل أكثر من 50 راكباً، معظمهم أطفال في ربيع أعمارهم، ينتمون إلى المدارس الرياضية بمختلف مدن الجنوب.
كانت الضربة عنيفة. لحظة صمت رهيب تبعتها صرخات مذعورة. ثم فجأة... اجتاحت النيران المكان، كأنها وحش انفلت من الجحيم.
اشتعلت الحافلة في غضون دقائق. لم يكن أمام الركاب سوى ثوانٍ قليلة للنجاة، ثوانٍ فصلت بين الحياة والموت، بين الفرح والرماد.
شهادات من الجمر
قال أحد الناجين، بصوت مخنوق وغصة في القلب:
"كنتُ جالساً قرب النافذة، شعرتُ بالارتطام ثم اللهيب. قفزتُ منها وأنا أسمع صراخ أصدقائي وهم يحترقون أمامي. لم أستطع مساعدتهم... لم أستطع..."
نجا فقط عشرة أشخاص. أما الباقون، وبينهم 33 طفلاً، فقد التهمتهم النيران. لم يُعرفوا إلا من خلال اختبارات الحمض النووي، إذ تحولت أجسادهم إلى رماد لا يُميز.
طنجة تبكي، الرباط تنعي، والمغرب كله يصمت
لم يكن المشهد عادياً. جنازات جماعية، نعوش صغيرة مغطاة بالعلم المغربي، ووجوه شاحبة لآباء لم يبقَ لهم سوى الذكريات... والصور.
رئيس الحكومة حينها أصدر بياناً، والملك محمد السادس وجّه تعليمات صارمة بتقديم الدعم الكامل للأسر المكلومة. وعمّ الحزن أرجاء المغرب.
أكثر من مأساة... إنها مرآة وطن
لم تكن مأساة طانطان حادث سير فحسب، بل لحظة محاسبة وطنية.
كيف لحافلة تقل أطفالاً أن تُسلم لمصيرها على طرق تغيب فيها معايير السلامة؟
كيف تمر شاحنات الوقود من طرقات ضيقة دون حواجز أمان؟
كيف تُصبح رحلة فرح رياضي... فاجعة وطنية؟
الذاكرة لا تموت
رغم مرور السنوات، لا تزال طانطان تذكر أبناءها الذين لم يعودوا.
في كل ربيع، ترفع صورهم في مدارسهم، وتُقام مباريات رياضية باسمهم.
هم لم يرحلوا تماماً... لقد صاروا رموزاً لألم مغربي مشترك، وصوتاً لا ينطفئ يطالب بالعدالة، بالكرامة، وبالأمان على طرقات الوطن.

تعليقات