في الثاني والعشرين من يوليو 2025، أصدر الأزهر الشريف، المؤسسة الدينية العريقة التي تُعدّ واحدة من أبرز المراجع الإسلامية في العالم، بياناً قوياً يعبر فيه عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، الذي يعاني من حصار مشدد وأوضاع إنسانية كارثية. جاء البيان، الذي حمل توقيع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ليصف ما يحدث في غزة بأنه "إبادة جماعية مكتملة الأركان"، مندداً بسياسة التجويع المتعمد التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين، بما في ذلك استهداف مواقع إيواء النازحين ومراكز توزيع المساعدات الإنسانية بالرصاص الحي. لم يكتفِ البيان بإدانة الاحتلال، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث أشار إلى تواطؤ دول ثالثة، دون تسميتها، في دعم هذه الجرائم من خلال تزويد إسرائيل بالسلاح أو تشجيعها بقرارات وتصريحات "منافقة". كما استصرخ البيان ضمائر العالم، داعياً إلى تحرك عاجل لإنقاذ أهل غزة من المجاعة القاتلة، وفتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية، وتوفير العلاج للمرضى والمصابين الذين تفاقمت حالتهم جراء تدمير المستشفيات والبنية التحتية الطبية. كانت صياغة البيان لافتة بلهجتها الحادة وموقفها الصريح، وهو أمر ليس بالجديد تماماً على الأزهر، الذي سبق له أن اتخذ مواقف داعمة للقضية الفلسطينية، لكنه بدا هذه المرة أكثر جرأة في وصف الأحداث وتحميل المسؤوليات. لكن، وبعد ساعات قليلة من نشر البيان على الصفحات الرسمية للأزهر على منصات التواصل الاجتماعي، فوجئ المتابعون باختفائه تماماً، دون أي توضيح مبدئي من المؤسسة. هذا الحذف المفاجئ أثار موجة من الجدل والتساؤلات، ليس فقط في الأوساط المصرية، بل امتد إلى وسائل إعلام دولية وعربية، حيث بدأت التكهنات حول الأسباب التي دفعت الأزهر، وهو مؤسسة تتمتع بمكانة دينية وثقافية كبيرة، إلى اتخاذ هذه الخطوة غير المسبوقة. سرعان ما تصدرت القضية عناوين الأخبار، مع تقارير تشير إلى أن الحذف لم يكن قراراً داخلياً بحتاً، بل جاء نتيجة ضغوط مباشرة مارستها الرئاسة المصرية على شيخ الأزهر. موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، الذي كان من بين أوائل المنصات التي تناولت الموضوع، نقل عن مصادر مقربة من الأزهر والرئاسة المصرية أن مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي طلب سحب البيان فوراً، معتبراً أن إشارته إلى "تواطؤ دول ثالثة" في الإبادة الجماعية قد تؤثر سلباً على الدور المصري في الوساطة بين إسرائيل وحركة حماس، أو تثير حساسيات دبلوماسية مع قوى دولية تدعم إسرائيل، مثل الولايات المتحدة. في اليوم التالي، الثالث والعشرين من يوليو، أصدر الأزهر بياناً توضيحياً حاول فيه تبرير قراره بسحب البيان الأول. أكد المركز الإعلامي للأزهر أن القرار جاء "انطلاقاً من المسؤولية الشرعية والوطنية" التي يتحملها الأزهر تجاه القضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن المؤسسة أدركت أن البيان قد يؤثر على المفاوضات الجارية لإقرار هدنة إنسانية في غزة، والتي تتوسط فيها مصر إلى جانب قطر والولايات المتحدة. أوضح الأزهر أنه آثر "حقن الدماء" وتجنب أي تأثير سلبي على هذه المفاوضات، التي تهدف إلى إدخال المساعدات ووقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً، على الإبقاء على البيان الذي قد يُستخدم كذريعة لتعطيل التفاوض. هذا التوضيح، رغم محاولته تهدئة الجدل، لم يُخمد النقاشات، بل أججها أكثر، حيث اعتبر البعض أن الأزهر، بقبوله سحب البيان، قد خضع لضغوط سياسية على حساب دوره الديني والأخلاقي، فيما رأى آخرون أن القرار كان براغماتياً يعكس حساسية الوضع الدبلوماسي الذي تمر به مصر. التقارير الصحفية، مثل تلك التي نشرتها "العربي الجديد" و"الجزيرة"، أشارت إلى أن الضغوط لم تأتِ فقط من الرئاسة، بل امتدت إلى جهات سيادية أخرى، بما في ذلك وزارة الخارجية المصرية، التي تواصلت مع شيخ الأزهر لحثه على سحب البيان. مصدر مقرب من الأزهر، تحدث لموقع "مدى مصر"، ذكر أن وزير الخارجية بدر عبد العاطي أبلغ الطيب بأن البيان قد يعرقل مفاوضات كانت على وشك التوصل إلى حل يسمح بإدخال المساعدات إلى غزة. هذه الروايات عززت الانطباع بأن القرار كان مدفوعاً باعتبارات سياسية أكثر منها دينية أو إنسانية، مما أثار انتقادات حادة للنظام المصري، الذي اتهمه البعض بالسعي للحفاظ على علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل والولايات المتحدة على حساب الموقف الأخلاقي من القضية الفلسطينية. على منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة في مصر، تحول حذف البيان إلى قضية رأي عام. مستخدمون كثيرون، بينهم ناشطون ومثقفون، عبروا عن خيبة أملهم من خضوع الأزهر، الذي يُفترض أن يكون صوتاً مستقلاً يدافع عن القضايا العادلة، لضغوط السلطة. منشورات على منصة "إكس"، مثل تلك التي نشرها حسابات مثل @LoveLiberty_2
و@RassdNewsN
، اتهمت النظام المصري صراحة بالتواطؤ في حصار غزة، معتبرة أن حذف البيان يكشف عن "إحراج" السلطة من موقف الأزهر الصريح. في المقابل، دافع آخرون عن قرار الأزهر، معتبرين أنه تصرف بحكمة لتجنب إلحاق الضرر بالجهود الدبلوماسية التي قد تخفف من معاناة الفلسطينيين. هذا الانقسام عكس التوتر الأوسع في المجتمع المصري بين من يرون ضرورة الحفاظ على استقرار الدولة ودورها الإقليمي، ومن يطالبون بمواقف أكثر شجاعة في دعم القضية الفلسطينية. من زاوية أخرى، لم تقتصر ردود الفعل على الأوساط المصرية والعربية، بل امتدت إلى الإعلام الإسرائيلي، الذي تناول الحدث باهتمام. صحيفة "يسرائيل هايوم" وصفت خطوة حذف البيان بأنها "غير مسبوقة"، مشيرة إلى أنها تعكس حساسية الموقف المصري في ظل الوساطة بين إسرائيل وحماس. بينما تساءلت صحيفة "معاريف" عما إذا كان السيسي يحاول منع تضرر المفاوضات أم أنه يسعى لإرسال رسالة طمأنة لواشنطن. هذه التعليقات أثارت مزيداً من التساؤلات حول مدى تأثير الضغوط الخارجية، خاصة من الولايات المتحدة، على القرار المصري. في سياق أوسع، يُظهر هذا الحدث التوازن الدقيق الذي تحاول مصر الحفاظ عليه في سياستها الخارجية. منذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، واجهت مصر تحديات في التوفيق بين التزاماتها الدبلوماسية وتطلعات شعبها الداعم للقضية الفلسطينية. دور مصر كوسيط في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، خاصة في مفاوضات وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات إلى غزة، يضعها تحت ضغط مستمر للحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة، دون إغضاب الرأي العام العربي. حذف بيان الأزهر، في هذا السياق، يمكن أن يُفسر كمحاولة لتجنب أي تصعيد قد يعرقل هذا الدور، خاصة في ظل الوضع الإنساني المتدهور في غزة، حيث أشارت تقارير أممية إلى وفاة عشرات الأطفال بسوء التغذية منذ منتصف يوليو 2025، وتفاقم المجاعة بسبب إغلاق المعابر. ومع ذلك، فإن الحادثة تثير تساؤلات عميقة حول استقلالية الأزهر كمؤسسة دينية. تاريخياً، كان الأزهر صوتاً مؤثراً في القضايا الإسلامية والعربية، لكنه لم يخلُ من التوترات مع السلطة السياسية في مصر. منذ تولي الدكتور أحمد الطيب مشيخة الأزهر في 2010، حاولت المؤسسة الحفاظ على توازن بين دورها الديني والأخلاقي وبين الضغوط السياسية، لكن هذه الحادثة أعادت فتح النقاش حول مدى قدرة الأزهر على اتخاذ مواقف مستقلة في قضايا حساسة مثل القضية الفلسطينية. منتقدو القرار يرون أن خضوع الأزهر للضغوط السياسية يقوض دوره كمرجعية دينية عالمية، بينما يرى مؤيدوه أن المؤسسة تصرفت بحكمة لتجنب إلحاق الضرر بالفلسطينيين أنفسهم. في النهاية، تبقى قضية حذف بيان الأزهر مرآة تعكس تعقيدات الوضع السياسي والإنساني في المنطقة. فمن جهة، تُبرز معاناة الشعب الفلسطيني في غزة، حيث تجتمع المجاعة والحصار والدمار لتخلق أزمة غير مسبوقة، ومن جهة أخرى، تكشف عن التحديات التي تواجهها مؤسسات مثل الأزهر في التعبير عن مواقفها بحرية في ظل ضغوط سياسية داخلية وخارجية. سواء كان حذف البيان نتيجة ضغوط مباشرة من الرئاسة المصرية، كما أفادت تقارير دولية، أو قراراً داخلياً مدفوعاً بالحرص على المفاوضات، فإن الحادثة تترك أثراً عميقاً في النقاش حول دور المؤسسات الدينية في القضايا السياسية، وحول قدرة الدول العربية على اتخاذ مواقف موحدة وشجاعة تجاه القضية الفلسطينية.
و@RassdNewsN
، اتهمت النظام المصري صراحة بالتواطؤ في حصار غزة، معتبرة أن حذف البيان يكشف عن "إحراج" السلطة من موقف الأزهر الصريح. في المقابل، دافع آخرون عن قرار الأزهر، معتبرين أنه تصرف بحكمة لتجنب إلحاق الضرر بالجهود الدبلوماسية التي قد تخفف من معاناة الفلسطينيين. هذا الانقسام عكس التوتر الأوسع في المجتمع المصري بين من يرون ضرورة الحفاظ على استقرار الدولة ودورها الإقليمي، ومن يطالبون بمواقف أكثر شجاعة في دعم القضية الفلسطينية. من زاوية أخرى، لم تقتصر ردود الفعل على الأوساط المصرية والعربية، بل امتدت إلى الإعلام الإسرائيلي، الذي تناول الحدث باهتمام. صحيفة "يسرائيل هايوم" وصفت خطوة حذف البيان بأنها "غير مسبوقة"، مشيرة إلى أنها تعكس حساسية الموقف المصري في ظل الوساطة بين إسرائيل وحماس. بينما تساءلت صحيفة "معاريف" عما إذا كان السيسي يحاول منع تضرر المفاوضات أم أنه يسعى لإرسال رسالة طمأنة لواشنطن. هذه التعليقات أثارت مزيداً من التساؤلات حول مدى تأثير الضغوط الخارجية، خاصة من الولايات المتحدة، على القرار المصري. في سياق أوسع، يُظهر هذا الحدث التوازن الدقيق الذي تحاول مصر الحفاظ عليه في سياستها الخارجية. منذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، واجهت مصر تحديات في التوفيق بين التزاماتها الدبلوماسية وتطلعات شعبها الداعم للقضية الفلسطينية. دور مصر كوسيط في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، خاصة في مفاوضات وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات إلى غزة، يضعها تحت ضغط مستمر للحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة، دون إغضاب الرأي العام العربي. حذف بيان الأزهر، في هذا السياق، يمكن أن يُفسر كمحاولة لتجنب أي تصعيد قد يعرقل هذا الدور، خاصة في ظل الوضع الإنساني المتدهور في غزة، حيث أشارت تقارير أممية إلى وفاة عشرات الأطفال بسوء التغذية منذ منتصف يوليو 2025، وتفاقم المجاعة بسبب إغلاق المعابر. ومع ذلك، فإن الحادثة تثير تساؤلات عميقة حول استقلالية الأزهر كمؤسسة دينية. تاريخياً، كان الأزهر صوتاً مؤثراً في القضايا الإسلامية والعربية، لكنه لم يخلُ من التوترات مع السلطة السياسية في مصر. منذ تولي الدكتور أحمد الطيب مشيخة الأزهر في 2010، حاولت المؤسسة الحفاظ على توازن بين دورها الديني والأخلاقي وبين الضغوط السياسية، لكن هذه الحادثة أعادت فتح النقاش حول مدى قدرة الأزهر على اتخاذ مواقف مستقلة في قضايا حساسة مثل القضية الفلسطينية. منتقدو القرار يرون أن خضوع الأزهر للضغوط السياسية يقوض دوره كمرجعية دينية عالمية، بينما يرى مؤيدوه أن المؤسسة تصرفت بحكمة لتجنب إلحاق الضرر بالفلسطينيين أنفسهم. في النهاية، تبقى قضية حذف بيان الأزهر مرآة تعكس تعقيدات الوضع السياسي والإنساني في المنطقة. فمن جهة، تُبرز معاناة الشعب الفلسطيني في غزة، حيث تجتمع المجاعة والحصار والدمار لتخلق أزمة غير مسبوقة، ومن جهة أخرى، تكشف عن التحديات التي تواجهها مؤسسات مثل الأزهر في التعبير عن مواقفها بحرية في ظل ضغوط سياسية داخلية وخارجية. سواء كان حذف البيان نتيجة ضغوط مباشرة من الرئاسة المصرية، كما أفادت تقارير دولية، أو قراراً داخلياً مدفوعاً بالحرص على المفاوضات، فإن الحادثة تترك أثراً عميقاً في النقاش حول دور المؤسسات الدينية في القضايا السياسية، وحول قدرة الدول العربية على اتخاذ مواقف موحدة وشجاعة تجاه القضية الفلسطينية.