مافيا الدواء في المغرب: أسماء تتحكم في المرض، وتربح من معاناة المغاربة
تحقيق خاص | لوبيات الأدوية في المغرب: مافيا بيضاء تتحكم في المرض والموت.
في المغرب، لا تحتاج إلى كثير من التحليل لتدرك أن من يُمسك بخيوط قطاع الأدوية ليس وزارة الصحة، ولا البرلمان، ولا حتى الحكومة، بل حفنة من الأسماء الوازنة التي تحرك السوق كما تشاء، وتفرض أسعارًا كما تشاء، وتُقصي من تشاء، وتُدخل من تشاء، في واحدة من أخطر شبكات النفوذ التي ظلت لعقود تتحكم في صحة المغاربة، دون أن يجرؤ أحد على مساءلتها أو كسر شوكتها. الأمر لا يتعلق فقط بشركات أدوية، بل بأشخاص لهم أسماء وعلاقات وتاريخ طويل في مقاومة كل محاولة للإصلاح.
لنبدأ بالاسم الذي يُعد رمزًا من رموز الصناعة الدوائية في المغرب: محمد العراقي، صاحب مختبرات Pharma 5. هذا الرجل بنى إمبراطوريته على شعار "الأدوية الجنيسة الوطنية"، لكن الواقع أنه أحد أكبر المتحكمين في السوق، ومن أكثر المعارضين لانفتاح القطاع على منافسة حقيقية. مجموعة فارما 5 تُعتبر المزود الرئيسي للمستشفيات العمومية في عدد من التخصصات، وتحظى بامتيازات واضحة في الصفقات العمومية، بل هناك من يتحدث عن "حصانة غير معلنة" تحيط بأنشطتها، في ظل صمت الوزارة.
بجانب العراقي، هناك عبد القادر بركة، مالك Cooper Pharma وعضو سابق بمجلس المستشارين، رجل أعمال وسياسي في آن واحد، وموزع دواء وفاعل برلماني، مزيج قاتل في بلد مثل المغرب. يتحكم في سلاسل توزيع ضخمة، ويُعرف بعلاقاته الوثيقة مع عدد من المسؤولين في وزارة الصحة. بركة يملك قدرة على التأثير في قرارات حاسمة تتعلق بالتسعير والتسجيل، وسبق أن تم ذكر اسمه غير مرة في سياقات الحديث عن تضارب المصالح بين السياسة والبزنس.
ثم هناك عبد الرحمان السليماني، صاحب مختبر Sothema، واحد من أقدم الفاعلين في القطاع، تولى مناصب مؤثرة داخل جمعيات مهنية تمثل الشركات المصنعة، وكان دائم الحضور في كواليس مفاوضات الأسعار مع الدولة. شركاته تحقق أرباحًا خيالية من صفقات مع وزارة الصحة، خصوصًا في مجال أدوية الأمراض المزمنة، حيث يكون المواطن رهينة، لا يستطيع رفض الدواء ولا تحمل تكلفته، فيضطر للاختيار بين المرض أو الاقتراض.
أما مختبر Laprophan، فاسمه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بعائلة رشيد السبتي، الذي يُعرف بتوغله في سوق الأدوية الموجهة للطبقة الميسورة، وأدوية التجميل والمكملات، لكن الأهم من ذلك هو حضوره الدائم في اللوبي المهني والدفاع الشرس عن مصالح المختبرات الكبرى. يُقال إنه من الأسماء التي كان لها دور في إجهاض عدد من مبادرات إصلاح منظومة التسجيل الدوائي.
وعند الحديث عن المال والاقتصاد والدواء، لا يمكن تجاهل اسم مريم بنصالح شقرون، الرئيسة السابقة لـCGEM، التي تملك عائلتها استثمارات استراتيجية داخل شركات مثل Sothema وLaprophan، سواء عبر مساهمات مباشرة أو عبر شراكات مالية. هذه العلاقة تجعل تأثيرها غير مباشر لكن قوي جدًا، خصوصًا حين كانت تترأس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، مما كان يمنحها صوتًا في المشاورات الحكومية حول السياسات الدوائية.
أما في ميدان الاستيراد والتوزيع، يبرز اسم فؤاد بنعلال، صاحب Dislog Group، الذي اقتحم عالم الأدوية بقوة، مستفيدًا من شبكات التوزيع التي بناها في قطاع المواد الاستهلاكية، ليتحول في ظرف وجيز إلى رقم صاعد في قطاع حساس. دخول بنعلال على الخط خلق نوعًا من التوتر داخل القطاع، لكنه سرعان ما انسجم مع منطق "اللعبة"، وبدأ يشتغل بتنسيق غير معلن مع باقي اللاعبين.
ولا ننسى دور سعيد العلوي المدغري، الذي كان لسنوات رئيسًا للفيدرالية المغربية للصناعة الدوائية، وكان دائم الظهور في الإعلام مدافعًا عن "الخصوصية المغربية"، لكنه في الواقع كان صوت الشركات الكبرى التي ترفض فتح السوق أمام المنافسة الخارجية، خاصة من مختبرات آسيوية أو من أمريكا اللاتينية، بحجة الجودة بينما الحقيقة هي الدفاع عن مصالح راسخة.
لكن، من يحمي هؤلاء؟ كيف يصمدون رغم تغير الحكومات والوزراء؟ الجواب يكمن في شبكة النفوذ التي تمتد إلى عمق الإدارة، وحتى داخل وزارة الصحة نفسها. وزراء تعاقبوا على القطاع مثل لحسين الوردي وأنس الدكالي وخالد آيت الطالب حاولوا، بدرجات مختلفة، مواجهة هذا الحائط، لكنهم اصطدموا بواقع أن اللوبي أقوى من الوزارة. الوردي حاول تخفيض أسعار بعض الأدوية، وتعرض لهجوم شرس من ممثلي المختبرات في البرلمان وفي الإعلام. أما آيت الطالب، فرغم أنه جاء من الميدان الطبي، إلا أن صمته أمام تغول هذه الشركات خلال جائحة كورونا، كشف محدودية حركته أو ربما تقاطعه مع بعض المصالح الكبرى.
ولعل الأخطر أن اللوبي لا يشتغل فقط على مستوى الإنتاج والتوزيع، بل يتوغل في أعماق القرار العلمي. لجان تقييم الأدوية داخل وزارة الصحة، والتي تحدد لائحة الأدوية التي تدخل نظام التغطية الصحية، يشتغل فيها أطباء وأكاديميون تربطهم أحيانًا علاقات تمويل أو شراكات علمية مع المختبرات الكبرى. ما يعني أن القرار العلمي في بعض الأحيان قد لا يكون مستقلًا بالكامل، بل موجّه من خلف الستار.
ما يزيد من تعقيد الصورة هو سكوت الإعلام، باستثناء قلة من الصحفيين الاستقصائيين الذين حاولوا النبش في الملف، لكنهم اصطدموا إما بالمنع أو بالضغط أو حتى بالتهديد. الإعلام الكبير، المرتبط بالإشهار التجاري، لا يجرؤ على فتح ملفات المختبرات، لأن شركات الأدوية تُعد من كبار المعلنين، وهو ما يحول الصحافة من سلطة رقابة إلى واجهة صامتة.
أما المواطن المغربي، فهو الحلقة الأضعف في هذه السلسلة الجهنمية. يشتري الدواء بثمن أغلى من نظيره في تونس أو مصر أو تركيا، رغم أن دخل المواطن المغربي أقل بكثير. يجد نفسه مضطرًا لشراء ماركات معينة لأن الطبيب وصفها له، والطبيب نفسه قد يكون تلقى رحلة أو "كونغريس" من المختبر الذي ينتجها. وفي النهاية، يكون المواطن هو الذي يدفع ثمن دواء، وثمن فساد، وثمن منظومة كلها تخدم المصالح على حساب الحياة.
انتهى التحقيق... لكن هل بدأت المواجهة؟
السؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم: إلى متى ستبقى هذه الأسماء تتحكم في سوق الأدوية كما لو كانت تملك صحة الناس؟ من يملك الجرأة ليضع هذا الملف على الطاولة؟ هل ستصحو الدولة من غفلتها، أم سيبقى المواطن المغربي يضع روحه بين أيدي مافيا بيضاء تلبس معطف الطب وتغرق في المال الحرام؟
في المغرب، لا تحتاج إلى كثير من التحليل لتدرك أن من يُمسك بخيوط قطاع الأدوية ليس وزارة الصحة، ولا البرلمان، ولا حتى الحكومة، بل حفنة من الأسماء الوازنة التي تحرك السوق كما تشاء، وتفرض أسعارًا كما تشاء، وتُقصي من تشاء، وتُدخل من تشاء، في واحدة من أخطر شبكات النفوذ التي ظلت لعقود تتحكم في صحة المغاربة، دون أن يجرؤ أحد على مساءلتها أو كسر شوكتها. الأمر لا يتعلق فقط بشركات أدوية، بل بأشخاص لهم أسماء وعلاقات وتاريخ طويل في مقاومة كل محاولة للإصلاح.
لنبدأ بالاسم الذي يُعد رمزًا من رموز الصناعة الدوائية في المغرب: محمد العراقي، صاحب مختبرات Pharma 5. هذا الرجل بنى إمبراطوريته على شعار "الأدوية الجنيسة الوطنية"، لكن الواقع أنه أحد أكبر المتحكمين في السوق، ومن أكثر المعارضين لانفتاح القطاع على منافسة حقيقية. مجموعة فارما 5 تُعتبر المزود الرئيسي للمستشفيات العمومية في عدد من التخصصات، وتحظى بامتيازات واضحة في الصفقات العمومية، بل هناك من يتحدث عن "حصانة غير معلنة" تحيط بأنشطتها، في ظل صمت الوزارة.
بجانب العراقي، هناك عبد القادر بركة، مالك Cooper Pharma وعضو سابق بمجلس المستشارين، رجل أعمال وسياسي في آن واحد، وموزع دواء وفاعل برلماني، مزيج قاتل في بلد مثل المغرب. يتحكم في سلاسل توزيع ضخمة، ويُعرف بعلاقاته الوثيقة مع عدد من المسؤولين في وزارة الصحة. بركة يملك قدرة على التأثير في قرارات حاسمة تتعلق بالتسعير والتسجيل، وسبق أن تم ذكر اسمه غير مرة في سياقات الحديث عن تضارب المصالح بين السياسة والبزنس.
ثم هناك عبد الرحمان السليماني، صاحب مختبر Sothema، واحد من أقدم الفاعلين في القطاع، تولى مناصب مؤثرة داخل جمعيات مهنية تمثل الشركات المصنعة، وكان دائم الحضور في كواليس مفاوضات الأسعار مع الدولة. شركاته تحقق أرباحًا خيالية من صفقات مع وزارة الصحة، خصوصًا في مجال أدوية الأمراض المزمنة، حيث يكون المواطن رهينة، لا يستطيع رفض الدواء ولا تحمل تكلفته، فيضطر للاختيار بين المرض أو الاقتراض.
أما مختبر Laprophan، فاسمه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بعائلة رشيد السبتي، الذي يُعرف بتوغله في سوق الأدوية الموجهة للطبقة الميسورة، وأدوية التجميل والمكملات، لكن الأهم من ذلك هو حضوره الدائم في اللوبي المهني والدفاع الشرس عن مصالح المختبرات الكبرى. يُقال إنه من الأسماء التي كان لها دور في إجهاض عدد من مبادرات إصلاح منظومة التسجيل الدوائي.
وعند الحديث عن المال والاقتصاد والدواء، لا يمكن تجاهل اسم مريم بنصالح شقرون، الرئيسة السابقة لـCGEM، التي تملك عائلتها استثمارات استراتيجية داخل شركات مثل Sothema وLaprophan، سواء عبر مساهمات مباشرة أو عبر شراكات مالية. هذه العلاقة تجعل تأثيرها غير مباشر لكن قوي جدًا، خصوصًا حين كانت تترأس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، مما كان يمنحها صوتًا في المشاورات الحكومية حول السياسات الدوائية.
أما في ميدان الاستيراد والتوزيع، يبرز اسم فؤاد بنعلال، صاحب Dislog Group، الذي اقتحم عالم الأدوية بقوة، مستفيدًا من شبكات التوزيع التي بناها في قطاع المواد الاستهلاكية، ليتحول في ظرف وجيز إلى رقم صاعد في قطاع حساس. دخول بنعلال على الخط خلق نوعًا من التوتر داخل القطاع، لكنه سرعان ما انسجم مع منطق "اللعبة"، وبدأ يشتغل بتنسيق غير معلن مع باقي اللاعبين.
ولا ننسى دور سعيد العلوي المدغري، الذي كان لسنوات رئيسًا للفيدرالية المغربية للصناعة الدوائية، وكان دائم الظهور في الإعلام مدافعًا عن "الخصوصية المغربية"، لكنه في الواقع كان صوت الشركات الكبرى التي ترفض فتح السوق أمام المنافسة الخارجية، خاصة من مختبرات آسيوية أو من أمريكا اللاتينية، بحجة الجودة بينما الحقيقة هي الدفاع عن مصالح راسخة.
لكن، من يحمي هؤلاء؟ كيف يصمدون رغم تغير الحكومات والوزراء؟ الجواب يكمن في شبكة النفوذ التي تمتد إلى عمق الإدارة، وحتى داخل وزارة الصحة نفسها. وزراء تعاقبوا على القطاع مثل لحسين الوردي وأنس الدكالي وخالد آيت الطالب حاولوا، بدرجات مختلفة، مواجهة هذا الحائط، لكنهم اصطدموا بواقع أن اللوبي أقوى من الوزارة. الوردي حاول تخفيض أسعار بعض الأدوية، وتعرض لهجوم شرس من ممثلي المختبرات في البرلمان وفي الإعلام. أما آيت الطالب، فرغم أنه جاء من الميدان الطبي، إلا أن صمته أمام تغول هذه الشركات خلال جائحة كورونا، كشف محدودية حركته أو ربما تقاطعه مع بعض المصالح الكبرى.
ولعل الأخطر أن اللوبي لا يشتغل فقط على مستوى الإنتاج والتوزيع، بل يتوغل في أعماق القرار العلمي. لجان تقييم الأدوية داخل وزارة الصحة، والتي تحدد لائحة الأدوية التي تدخل نظام التغطية الصحية، يشتغل فيها أطباء وأكاديميون تربطهم أحيانًا علاقات تمويل أو شراكات علمية مع المختبرات الكبرى. ما يعني أن القرار العلمي في بعض الأحيان قد لا يكون مستقلًا بالكامل، بل موجّه من خلف الستار.
ما يزيد من تعقيد الصورة هو سكوت الإعلام، باستثناء قلة من الصحفيين الاستقصائيين الذين حاولوا النبش في الملف، لكنهم اصطدموا إما بالمنع أو بالضغط أو حتى بالتهديد. الإعلام الكبير، المرتبط بالإشهار التجاري، لا يجرؤ على فتح ملفات المختبرات، لأن شركات الأدوية تُعد من كبار المعلنين، وهو ما يحول الصحافة من سلطة رقابة إلى واجهة صامتة.
أما المواطن المغربي، فهو الحلقة الأضعف في هذه السلسلة الجهنمية. يشتري الدواء بثمن أغلى من نظيره في تونس أو مصر أو تركيا، رغم أن دخل المواطن المغربي أقل بكثير. يجد نفسه مضطرًا لشراء ماركات معينة لأن الطبيب وصفها له، والطبيب نفسه قد يكون تلقى رحلة أو "كونغريس" من المختبر الذي ينتجها. وفي النهاية، يكون المواطن هو الذي يدفع ثمن دواء، وثمن فساد، وثمن منظومة كلها تخدم المصالح على حساب الحياة.
انتهى التحقيق... لكن هل بدأت المواجهة؟
السؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم: إلى متى ستبقى هذه الأسماء تتحكم في سوق الأدوية كما لو كانت تملك صحة الناس؟ من يملك الجرأة ليضع هذا الملف على الطاولة؟ هل ستصحو الدولة من غفلتها، أم سيبقى المواطن المغربي يضع روحه بين أيدي مافيا بيضاء تلبس معطف الطب وتغرق في المال الحرام؟