سفاح مراكش: الحاج محمد المسفيوي

 ظلال الرعب في أسواق المدينة الحمراء

القصة: 
1.الحاج محمد المسفيوي، سفاح مراكش
 المقدمة:
 السياق التاريخي والاجتماعيفي أواخر القرن التاسع عشر، كانت مراكش، عاصمة المغرب الجنوبية، مدينة نابضة بالحياة ولكنها تعاني من اضطرابات اقتصادية وسياسية. تحت حكم السلطان العلوي مولاي الحسن الأول (1873-1894)، كان المغرب يواجه تحديات داخلية مثل التمردات القبلية، وخارجية بسبب التدخلات الأوروبية المتزايدة، خاصة من فرنسا وإسبانيا. كانت الأسواق التقليدية في مراكش، مثل ساحة جامع الفنا، مركزًا للتجارة والحياة الاجتماعية، لكنها كانت أيضًا مليئة بالفقر والتوترات. في هذا السياق، عاش الحاج محمد المسفيوي، وهو إسكافي (صانع أحذية) وتاجر بسيط، يُعتقد أنه ولد حوالي عام 1850. كان يُعرف بمظهره الأنيق وهدوئه الظاهري، لكنه كان يخفي جانبًا مظلمًا تحول إلى أسوأ كابوس في تاريخ مراكش.
2. البداية: أولى الجرائم
بدأت القصة في أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر، عندما بدأت نساء شابات يختفين في ظروف غامضة في مراكش. كانت الضحية الأولى، وفقًا للروايات، فتاة شابة زارت دكان المسفيوي لشراء أحذية أو لتكليفه بكتابة رسالة، وهي خدمة كان يقدمها كجزء من تجارته. لم تُرَ الفتاة مرة أخرى، وعندما عُثر على جثتها في منطقة نائية، كانت مقطوعة الرأس، مما أثار الرعب في الحي. في البداية، لم تُربط الجريمة بالمسفيوي، حيث كان يُنظر إليه كرجل عادي ومحترم يحمل لقب "الحاج"، مما يوحي بتقواه الظاهرية. السلطات المحلية، التي كانت تعاني من محدودية الموارد في ظل الحكم السلطاني، لم تولِ القضية اهتمامًا كبيرًا في البداية، مما سمح للمسفيوي بمواصلة جرائمه.
3. تصاعد الأحداث: 
نمط الجرائممع مرور الوقت، أصبح نمط الجرائم واضحًا. كان المسفيوي، بمساعدة شريكته، وهي امرأة سبعينية تُدعى آنا (وفقًا لبعض المصادر)، يستهدف النساء الشابات اللواتي يزرن دكانه. كان يستخدم ذكاءه ومظهره المحترم لكسب ثقتهن، فيقدم لهن مشروبًا مخدرًا (غالبًا نبيذًا ممزوجًا بمادة منومة). بعد أن يفقدن الوعي، كان يقتلهن بخنجر، ويقطع رؤوسهن، ثم يتخلص من الجثث إما بدفنها في حديقة منزله المجاور للدكان أو رميها في بئر عميق تحت متجره. الهدف الأساسي، وفقًا لاعترافاته لاحقًا، كان السرقة، حيث كان يأخذ مجوهرات الضحايا وأي ممتلكات ثمينة، حتى لو كانت مبالغ صغيرة. بحلول عام 1906، وصل عدد الضحايا إلى 36 امرأة على الأقل، وهو رقم صادم في مدينة مثل مراكش في تلك الفترة. الذعر انتشر بين السكان، وأصبحت الأسواق أقل ازدحامًا خوفًا من "السفاح الغامض".
4. الذروة: 
الكشف عن السفاحجاءت النقطة الحاسمة عندما بدأ والدا إحدى الضحايا في تتبع خطوات ابنتهما المفقودة، مما قادهما إلى دكان المسفيوي. شكوك المجتمع بدأت تتجه نحوه، خاصة بعد أن لاحظ البعض أن العديد من الضحايا شوهدن آخر مرة بالقرب من متجره. السلطات المحلية، تحت ضغط الغضب الشعبي، داهمت دكانه ومنزله في عام 1906. ما اكتشفوه كان مرعبًا: عُثر على 20 جثة مقطوعة الرأس في قعر بئر تحت دكانه، و16 جثة أخرى مدفونة في حديقة منزله المجاور. تحت التعذيب الشديد، اعترف المسفيوي بجرائمه، وكذلك فعلت شريكته آنا، التي كانت تُساعده في جذب الضحايا وتنفيذ الخطة. كشف المسفيوي أن دوافعه كانت السرقة، لكنه ألمح أيضًا إلى متعة مرضية في عمليات القتل، مما جعل القضية أكثر رعبًا.
5. النهاية: 
المحاكمة والعقابفي 11 يونيو 1906، أُجريت إحدى أكثر المحاكمات شهرة في تاريخ المغرب آنذاك. كانت القضية قد أثارت غضب المراكشيين، الذين طالبوا بعقوبة قاسية. في البداية، حُكم على المسفيوي بالصلب (نوع من الإعدام العلني القاسي)، وهو حكم عرفي يعكس شدة الجرائم. ومع ذلك، بسبب الاحتجاجات الدولية، خاصة من القوى الأوروبية التي كانت تراقب المغرب، تم تخفيف الحكم إلى الإعدام بقطع الرأس. توفيت شريكته آنا تحت التعذيب قبل تنفيذ الحكم، بينما نُفذ حكم الإعدام على المسفيوي في 13 يونيو 1906. كانت المحاكمة حدثًا عامًا، حيث تجمع الآلاف لمشاهدة نهاية "سفاح مراكش".
6. الخاتمة: 
الأثر والإرثتركت قضية الحاج محمد المسفيوي بصمة عميقة في تاريخ مراكش، حيث أصبحت قصته أسطورة تحذيرية تُروى عبر الأجيال. ساهمت القضية في زيادة وعي المجتمع بأهمية الحذر من الغرباء، حتى أولئك الذين يبدون محترمين. كما ألقت الضوء على محدودية النظام الأمني في المغرب قبل الاستقلال، حيث استغرق اكتشاف السفاح سنوات بسبب ضعف التحقيقات. الكاتبة البريطانية من أصل مغربي، سعيدة رواس، أعادت إحياء قصة المسفيوي في كتابها "جامع الفنا" (Assembly of the Dead)، حيث وصفتها كقصة مشابهة لجرائم جاك السفاح في لندن، مما أثار اهتمامًا دوليًا بالقضية. حتى اليوم، يُشار إلى المسفيوي كأول قاتل متسلسل موثق في سجلات القضاء المغربي، وتظل قصته رمزًا للغموض والرعب في تاريخ المغرب.

تعليقات