حين يبتسم التاج للصهيونية: إمارة المؤمنين تحت المجهر

 موقف إمارة المؤمنين في المغرب من الصهيونية في ضوء الإسلام والشرع

هل تلتقي إمارة المؤمنين مع الصهيونية؟
قراءة دينية وسياسية في ضوء الإسلام والرسول ووجهة الله
مقدمة
شهد العالم العربي والإسلامي في السنوات الأخيرة تحولات سياسية ودبلوماسية متسارعة، كان أبرزها موجة "التطبيع" بين عدد من الدول العربية ودولة الاحتلال الإسرائيلي. وبينما عبّر كثيرون عن رفضهم القاطع لهذا التقارب، باعتباره خيانة للقضية الفلسطينية، كان وقع التطبيع المغربي مع إسرائيل أكثر حساسية، لا سيما أن المملكة المغربية تُدار بنظام ملكي يتبوأ فيه الملك صفة "أمير المؤمنين"، وهي صفة دينية رمزية وثقيلة من حيث مدلولاتها الشرعية والتاريخية.
وهنا يثور التساؤل المشروع والحتمي: هل تلتقي إمارة المؤمنين مع الصهيونية؟ وهل يقبل الإسلام، من حيث النصوص والأصول، هذا النوع من التحالف أو الاعتراف بشرعية كيان يحتل أرضًا إسلامية ويهتك المقدسات؟
سنحاول في هذا المقال تناول المسألة من عدة زوايا: دينية، قرآنية، نبوية، سياسية، وفقهية، دون الوقوع في السجال العاطفي، بل من خلال رصد الحقائق وتحليل المواقف ومقارنة المبادئ بالقرارات.
أولًا: إمارة المؤمنين في المغرب – المعنى والدلالة
إمارة المؤمنين ليست مجرد لقب تشريفي، بل هي مؤسسة تاريخية ودينية تعود جذورها إلى العهد الإسلامي الأول، وقد تبناها المغرب منذ قرون كإطار شرعي لتولية الحكم، في ظل بيعة دينية تربط بين الشعب والحاكم.
وتعني إمارة المؤمنين، في جوهرها:
التزام الحاكم بتطبيق الشريعة الإسلامية أو على الأقل احترامها.
حماية الدين والدفاع عن المقدسات الإسلامية.
نصرة قضايا الأمة الإسلامية، وعلى رأسها فلسطين والقدس.
العدل بين الناس وإقامة القسط.
في الدستور المغربي، يُنص صراحة على أن الملك "أمير المؤمنين، والممثل الأسمى للأمة، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية، والحامي لحمى الملة والدين".
وبالتالي فإن أي موقف سياسي يصدر عن مؤسسة إمارة المؤمنين يُنظر إليه لا باعتباره قرارًا دبلوماسيًا فقط، بل بصفته موقفًا دينيًا أيضًا، وله رمزية روحية في ضمير المغاربة والمسلمين عمومًا.
ثانيًا: الصهيونية – المفهوم والواقع
الصهيونية ليست مجرد ديانة يهودية أو جماعة ثقافية، بل هي حركة سياسية استعمارية عنصرية نشأت في أواخر القرن التاسع عشر، هدفها إقامة وطن قومي لليهود في أرض فلسطين، من خلال:
احتلال الأرض.
تهجير السكان الأصليين.
تدمير القرى والبلدات الفلسطينية.
تهويد القدس.
اقتحام المسجد الأقصى وانتهاك حرماته.
وقد اعتمدت الصهيونية على دعم استعماري غربي واضح (بريطانيا، ثم أمريكا)، وكانت وما تزال في صراع مباشر مع الأمة الإسلامية والعربية. وبالتالي فإن التعامل مع الصهيونية، سياسيًا أو اقتصاديًا أو عسكريًا، يُعد في نظر الكثير من العلماء نوعًا من الولاء لعدوٍ صريح.
قال تعالى:
"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض. ومن يتولهم منكم فإنه منهم. إن الله لا يهدي القوم الظالمين."
[المائدة: 51]
ثالثًا: الموقف الشرعي من التطبيع مع الكيان الصهيوني
اتفق علماء الأمة – قديماً وحديثاً – على أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ظلمٌ وعدوانٌ بيّن، وعلى أن الاعتراف بشرعية هذا الكيان الغاصب أو التطبيع معه بلا شروط شرعية يُعد من صور الركون إلى الظالمين.
قال الله تعالى:
"ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار..."
[هود: 113]
ومن هنا، فإن مسألة التطبيع لا تُقاس بالمصالح الوطنية الضيقة فحسب، بل تخضع أيضًا لمبدأ الولاء والبراء الذي يعد من أصول العقيدة الإسلامية.
إن إمارة المؤمنين – بصفتها الشرعية – لا يمكن أن تبرر إقامة علاقات مع كيان يمارس القتل اليومي بحق أطفال غزة، ويقتحم باحات المسجد الأقصى، وينتهك المعاهدات الدولية.
حتى في حالات الضرورة السياسية، فإن الضرورات لا تُبيح المحرمات إلا بقدرها، ولا تبرر التنازل عن المبادئ الكبرى، خصوصًا إذا لم يكن التطبيع مشروطًا بانسحاب كامل من الأراضي المحتلة، أو وقف جرائم الحرب.
رابعًا: موقف الرسول ﷺ من اليهود كأهل كتاب
النبي محمد ﷺ تعامل مع اليهود كأهل كتاب، وبنى معهم اتفاقات سلمية، ولكنه لم يتسامح مطلقًا مع الخيانة السياسية أو التآمر العسكري. فقد واجه:
بني قينقاع: الذين نقضوا العهد، فأجلاهم عن المدينة.
بني النضير: تآمروا على قتله، فأجلاهم أيضًا.
بني قريظة: خانوا أثناء غزوة الخندق، فحكم فيهم سعد بن معاذ بالقتل للرجال، والسبي للنساء.
لقد كان موقف النبي ﷺ واضحًا: لا عداوة دينية لليهود، ولكن لا مهادنة مع الخيانة أو العدوان. وبالتالي، فإن التحالف مع مشروع صهيوني لا يؤمن بحقوق المسلمين، ولا يعترف بمقدساتهم، يتناقض تمامًا مع سُنة الرسول ﷺ.
خامسًا: المغرب والتطبيع – دوافع ومآلات
بررت الدولة المغربية قرارها بالتطبيع مع إسرائيل عام 2020 بأنه جاء في إطار:
الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء.
المصالح الاقتصادية والأمنية.
التأكيد على دعم القضية الفلسطينية من موقع آخر.
لكن ما حصل لاحقًا شكّل صدمة:
زيارات عسكرية متبادلة.
توقيع اتفاقيات أمنية واستخباراتية.
تسارع أشكال التطبيع الثقافي والتربوي والإعلامي.
حضور إسرائيلي في محيط المسجد الأقصى (والملك يرأس لجنة القدس).
كل هذا جعل فئة كبيرة من الشعب المغربي، والعلماء والمثقفين، ترفض التطبيع وترى فيه خيانة للموقف الأخلاقي والشرعي والتاريخي للمغرب تجاه فلسطين.
سادسًا: إمارة المؤمنين بين الشريعة والسياسة
إن التحدي الحقيقي يكمن في التوفيق بين المصالح السياسية والمرجعية الدينية. فحين تحمل مؤسسة الحكم صفة "إمارة المؤمنين"، فإنها مطالبة بما لا تُطالَب به الأنظمة السياسية الأخرى. فهي لا تمثل دولة فقط، بل تمثل روح الدين وشرعية الإسلام في الدولة.
ولذلك، فإن أي قرار يُخالف أصول العقيدة أو مقاصد الشريعة، يُعد تصرفًا غير منسجم مع هوية الإمارة، ويضعف الثقة الشعبية والدينية بها.
سابعًا: موقف علماء المغرب والعالم الإسلامي
علماء المغرب لم يكن لهم موقف موحد أو علني واضح، ربما تحت ضغوط سياسية، لكن أصواتًا متفرقة نددت بالقرار.
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أدان التطبيع واعتبره محرّمًا شرعًا.
كبار العلماء مثل القرضاوي، محمد الحسن ولد الددو، أحمد الريسوني، ومفكرون آخرون أكدوا أن التطبيع من دون استعادة كامل الحقوق الفلسطينية حرام شرعًا ويقوض مكانة الأمة.
خاتمة
لا يمكن للإسلام، ولا للرسول ﷺ، ولا للقرآن الكريم، أن يقرّوا تحالفًا أو تعاونًا مع مشروع صهيوني قائم على القتل والاحتلال والتطهير العرقي، خصوصًا عندما يكون هذا التعاون صادرًا عن جهة تحمل صفة "إمارة المؤمنين".
إن العلاقة بين المغرب وإسرائيل، بصيغتها الحالية، تتناقض مع وظيفة أمير المؤمنين في الشرع، ومع روح البيعة التي تربط الملك بشعبه على أساس حماية الدين ونصرة قضايا الأمة.
ولا يعني هذا بالضرورة الدعوة إلى الصدام، لكن من واجب العلماء والغيورين والمثقفين أن يُبينوا الحق، وأن يُنبهوا إلى خطورة المسار، لأن "الساكت عن الحق شيطان أخرس"، كما قال السلف.
"إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم..."
[محمد: 7] 
تعليقات