وثائق مسربة تضع وهبي وفاطمة الزهراء المنصوري في قلب العاصفة

 فضيحة "جبروت": تسريبات تهز ثقة المغاربة في وزراء الحكومة

القصة و ما فيها 
الوثائق التي سربتها مجموعة "جبروت" والمتعلقة بعبد اللطيف وهبي وفاطمة الزهراء المنصوري في المغرب:
في الأسابيع الأخيرة، انفجرت على الساحة المغربية فضيحة من العيار الثقيل، حينما ظهرت مجموعة تطلق على نفسها اسم "جبروت"، ونشرت عبر قنوات رقمية ما قالت إنها وثائق مسربة تخص مسؤولين بارزين في الحكومة المغربية، وهما وزير العدل عبد اللطيف وهبي ووزيرة إعداد التراب الوطني فاطمة الزهراء المنصوري. هذه التسريبات، التي نُشرت على دفعات، أثارت موجة من الغضب والجدل، ليس فقط بسبب طبيعة المحتوى، بل بسبب صمت الحكومة وغياب أي توضيح رسمي، مما زاد من حدة الاتهامات في الفضاء العام. الوثائق بحسب ما تم تداوله، تتحدث عن استفادة غير قانونية من عقارات وأراضٍ تابعة للدولة، تحت غطاء من النفوذ السياسي وتبادل المصالح. وقد ادعى القراصنة أنهم تمكنوا من اختراق أنظمة إلكترونية محمية داخل مؤسسات حكومية، واطلعوا على مستندات تخص صفقات وملفات خاصة تؤكد، بحسب قولهم، وجود تواطؤ بين المسؤولَين في الحصول على عقارات بأثمان تفضيلية، أو التوسط لأطراف محسوبة عليهما للاستفادة من التوزيع المجالي للأراضي في مشاريع التنمية الحضرية.
ما جعل الأمر أكثر حساسية هو أن اسم عبد اللطيف وهبي، الذي طالما دافع عن مبدأ "الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة"، أصبح الآن في قلب هذه العاصفة، دون أن يصدر عنه أي توضيح رسمي مباشر منذ ظهور التسريبات. بل زاد الطين بلة أن أول رد غير مباشر نُقل عنه جاء قبل أيام من التسريبات، حينما صرّح بأن وزارته محصنة رقمياً، وأنه لا توجد أي إمكانية لاختراق أنظمتها، في رد منه على سؤال يتعلق بأمن البيانات والوثائق. غير أن ظهور هذه الوثائق من "جبروت" يناقض تصريحاته، ويكشف عن هشاشة رقمية داخل مؤسسات يُفترض أن تكون أكثر جهوزية لحماية أسرار الدولة.
أما فاطمة الزهراء المنصوري، الوزيرة القوية ورئيسة المجلس الجماعي لمراكش، فقد سارعت إلى نفي ما ورد في التسريبات، مؤكدة أن كل ما تم تداوله "مفبرك وغير صحيح"، وقالت في تصريح مقتضب إن هدف هذه الوثائق هو التشهير بها والإساءة إلى سمعتها السياسية. لكنها لم تقدم توضيحات إضافية، ولم تنشر توضيحًا وثائقيًا مضادًا يشرح مصدر الثروات أو مسار القرارات المتخذة في الملفات المذكورة. وبهذا، فإن النفي وحده لم يكن كافيًا لإخماد نيران الشكوك لدى الشارع المغربي، بل بالعكس، زاد من فضول الناس حول حقيقة ما يحدث خلف الكواليس.
من المثير أن هذه التسريبات لم تأتِ في ظرف سياسي عادي، بل جاءت متزامنة مع تصاعد الغضب الشعبي بسبب أزمة اجتماعية واقتصادية خانقة، حيث يتهم المواطنون الطبقة السياسية بالاستفادة من المناصب لتحقيق مكاسب شخصية، بينما يعاني الناس من ارتفاع الأسعار وندرة فرص الشغل. في هذا السياق، انتشرت ردود فعل واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث دعا نشطاء ومؤثرون إلى فتح تحقيق عاجل في مضمون الوثائق، بدل تجاهلها أو الاكتفاء بتكذيبها شفهيًا. بل هناك من طالب بإقالة المسؤولين المعنيين إلى حين انتهاء أي تحقيق شفاف، وهو ما لم يحدث إلى الآن.
أما عن طبيعة الوثائق، فهي تضمنت حسب ما تم تداوله ملفات عقارية تتحدث عن مشاريع جرى تمريرها في مدن مثل مراكش وأكادير والرباط، تشمل توزيع أراضٍ ذات قيمة عقارية مرتفعة، مقابل أثمان رمزية، تم توثيقها في ملفات تحمل تواقيع وأختام رسمية. بعض الوثائق احتوت على أسماء مستفيدين من أقارب وأصدقاء للمسؤولين، وادعت "جبروت" أن هذه العمليات مرت تحت غطاء مشاريع سكنية واجتماعية، لكنها في الواقع صبت في جيوب شبكات محددة. بل إن من الوثائق ما يشير إلى تدخل مباشر من فاطمة الزهراء المنصوري لصالح مستثمرين محسوبين على حزبها، مما يثير شبهة تضارب المصالح.
اللافت في هذا كله، هو أن الحكومة لم تتحرك بعدُ لاتخاذ أي إجراء يوضح للرأي العام مدى صحة أو زيف هذه الوثائق، وهو ما يعتبره كثيرون علامة ضعف سياسية، وتواطؤ ضمني أو تهرب من المحاسبة. وقد عبّر حقوقيون وإعلاميون عن استغرابهم من صمت القضاء المغربي، الذي لم يفتح أي مسطرة تحقيق رغم أن الموضوع يتعلق بمسؤولين في السلطة التنفيذية. وهذا يطرح تساؤلات جوهرية حول استقلالية القضاء وجرأته في مساءلة الكبار. حتى البرلمان لم يعقد أي جلسة خاصة لمساءلة الوزيرين المعنيين، رغم أن الموضوع أصبح حديث كل الأوساط، من الجامعات إلى الأسواق، ومن المقاهي إلى الإدارات.
من جهة أخرى، هناك من شكك في مصداقية "جبروت"، واعتبر أن المجموعة تقف وراءها جهات ذات أهداف سياسية تسعى لتصفية حسابات مع وزراء معينين داخل الحكومة، خصوصًا أن وتيرة التسريبات زادت مباشرة بعد تصعيد الجدل داخل الأغلبية الحكومية. لكن في مقابل ذلك، فإن قوة الوثائق، وتفصيلها الدقيق، جعلت من الصعب على المشككين تجاهلها تمامًا، خاصة أن الكثير من المعلومات الواردة فيها قابلة للتقاطع مع وقائع سابقة تم الحديث عنها في الصحافة المغربية.
ومع ذلك، لا يزال الشارع المغربي منقسمًا بين من يثق بأن ما ورد في الوثائق صحيح تمامًا، ومن يرى أن الأمر مبالغ فيه، وقد تم تضخيمه إعلاميًا لخدمة أجندات خفية. إلا أن الغالبية تتفق على أن الصمت الرسمي غير مبرر، وأن أقل ما يمكن فعله هو فتح تحقيق شفاف، أو على الأقل تقديم توضيحات مفصلة ترد على كل نقطة من النقاط المثارة، وليس الاكتفاء بعبارات من قبيل "الادعاءات باطلة" أو "لا أساس لها من الصحة".
في كل الأحوال، فإن هذه القضية كشفت عن خلل هيكلي في طريقة تعامل الدولة المغربية مع الأزمات التي تمس ثقة المواطنين في المسؤولين. فبدل أن تكون هناك آليات فعالة للرقابة والتحقيق والرد المؤسسي، نجد ترددًا وسكوتًا يفتح المجال أمام التأويلات والإشاعات. كما أن هذه القضية تعيد طرح سؤال جوهري حول أمن المعلومات داخل الإدارات المغربية، فكيف يمكن الوثوق بأن أسرار الدولة محمية إذا كانت جهة مجهولة تمكنت من اختراق الأنظمة وسحب وثائق بهذا الحجم؟ وكيف يمكن للمواطن المغربي أن يثق في جهاز الدولة إذا كان الوزراء أنفسهم لا يملكون الشجاعة للرد بوضوح على اتهامات تمسهم بشكل مباشر؟
وفي النهاية، تظل "وثائق جبروت" علامة فارقة في الحياة السياسية الرقمية بالمغرب، فهي ليست فقط تسريبات عادية، بل هي مرآة تعكس هشاشة البنية المؤسساتية، وضعف الثقافة السياسية الرسمية في التعاطي مع الاتهامات. ولا شك أن الأيام المقبلة ستحمل تطورات جديدة، فإما أن تختار الدولة فتح ملفات المساءلة والشفافية، أو تستمر في سياسة الصمت، مع ما قد يترتب عن ذلك من فقدان الثقة وتوسع رقعة الاحتجاج الرقمي والفعلي في الشارع.

تعليقات