خيوط النفوذ والريع في سوق العقار المغربي: الأسماء، الآليات، والضحايا
السلطة والمال والعقار في المغرب: خارطة اللوبيات المتحكمة في سوق السكن
مقدمة: سكن الفقراء.. وثروات الأغنياءفي المغرب، تحوّل العقار من مجرد قطاع اقتصادي إلى آلية نفوذ سياسي ومالي، تُمكِّن من يملكه من التأثير في القرار وتضخيم الثروات. وبالمقابل، يواجه الملايين من المغاربة واقعًا مرًّا من غلاء الأسعار، العشوائيات، وصعوبة الحصول على سكن لائق. وبينما تُبنى المدن الجديدة والمجمعات الفاخرة، تبقى جيوب من المغرب غير النافع منسية. خلف هذا التفاوت الكبير، تقف شبكة واسعة من ما يُعرف إعلاميًا بـ"لوبيات العقار"، التي تستفيد من الامتيازات، تستغل الثغرات، وتؤثر على القرار العمومي.
أولًا: من هم لوبيات العقار في المغرب؟
1. أنس الصفريوي – إمبراطور السكن الاقتصادي
رجل الأعمال أنس الصفريوي يُعتبر من الأسماء الأكثر ارتباطًا بسوق العقار المغربي. هو مؤسس مجموعة الضحى، التي أُنشئت في البداية كفاعل في مشاريع السكن الاجتماعي، واستفادت من دعم حكومي غير مسبوق في بداية الألفية الثالثة، سواء عبر:
تفويت أراضٍ بثمن رمزي.
إعفاءات ضريبية مهمة.
تسهيلات في التراخيص والتعمير.
لكن سرعان ما تعرّضت مشاريع الضحى لانتقادات شديدة بسبب:
رداءة الجودة في البناء.
تأخير تسليم الشقق.
مشاكل تتعلق بالبنية التحتية والخدمات.
الصفريوي، الذي كان يُقدّم في البداية كـ"منقذ السكن الاجتماعي"، أصبح يُنظر إليه كشخص احتكر السوق واستفاد من قربه من دوائر القرار.
في 2015، خرجت احتجاجات في مدن متعددة ضد مشاريع الضحى، وطالب مواطنون بمحاسبة الشركة.
2. فؤاد عالي الهمة – ظل الدولة و"الهمة العقارية"
فؤاد عالي الهمة، المستشار الملكي الحالي وصديق الملك محمد السادس، لم يُعرف بامتلاكه العلني لشركات عقارية، لكن اسمه ارتبط لسنوات بـ"الهمة العقارية" كمصطلح متداول في الإعلام، إشارة إلى الشركات التي يُعتقد أنها تستفيد من قربها من مراكز النفوذ.
في مدينة مراكش خصوصًا، انتشر الحديث عن مشاريع عقارية ضخمة أنجزتها شركات قريبة من بعض المحيطين بالهمة، خاصة في مجال تحويل الأراضي الزراعية إلى منتجعات وفيلات.
رغم أن لا اتهام رسمي موجّه له، فإن اسمه دائمًا ما يُذكر في النقاش العمومي حول "العقار المحمي من فوق"، ويُنظر إليه كأحد الأشخاص الذين لا يُمكن مساءلتهم في ملفات التهيئة والعقار.
3. محمد العراقي – شركة أليانس
محمد العراقي، رجل أعمال مغربي ومؤسس مجموعة أليانس العقارية، التي تُعد من أكبر الشركات الفاعلة في مجال البناء والسكن الفاخر والسياحي. شارك في مشاريع بالمغرب وخارجه، لكنه دخل في مشاكل مالية ضخمة في السنوات الأخيرة.
رغم إنجازاته العقارية، فإن مجموعته ارتبطت بفضائح لها علاقة بعدم تسليم مشاريع في وقتها، وصعوبات مالية أثّرت على مئات الزبناء. كما أثير الجدل حول علاقات العراقي ببعض مسؤولي الجهات في الدار البيضاء والرباط، خاصة فيما يتعلق بالحصول على تصاميم وموافقات غير شفافة.
4. شركات تعود لأسماء سياسية أو لأبنائهم
في السنوات الأخيرة، كُشف عن تورط بعض السياسيين في أنشطة عقارية غير معلنة، إما عبر شركات بأسماء أفراد عائلاتهم أو عبر شراكات مشبوهة. من بين ما نُشر:
تقارير عن امتلاك أبناء وزراء وشخصيات نافذة لشركات صغيرة تشتري أراضٍ فلاحية وتعيد بيعها بعد تغيير صبغتها.
استفادة منتخبين جماعيين من أراضٍ عبر الجمعيات التعاونية، ثم تحويلها لمشاريع سكنية مربحة.
من بين الأسماء التي ظهرت في بعض التقارير:
إدريس جطو (رئيس المجلس الأعلى للحسابات سابقًا): ذُكر اسمه في تحقيقات صحفية تربطه بأراضٍ سُوّيت وضعيتها بشكل غامض.
عزيز أخنوش (رئيس الحكومة): ورغم أن نشاطه الأساسي ليس العقار، فإن مجموعته تمتلك استثمارات عقارية مرتبطة بقطاع التهيئة والتوزيع التجاري (مراكز تجارية، أراضٍ).
⚠️ لا تعني هذه الإشارات وجود فساد مثبت قضائيًا، لكنها تعكس الشبهات والارتباطات التي تداولها الإعلام أو المجتمع المدني.
ثانيًا: كيف تعمل هذه اللوبيات؟
1. التحكم في خريطة التهيئة
لوبيات العقار تُمارس ضغطًا كبيرًا لتوجيه تصاميم التهيئة لصالحها، عبر:
تحويل أراضٍ فلاحية إلى أراضٍ سكنية.
دفع الجهات المسؤولة لتمديد المجال الحضري باتجاه أراضٍ يملكونها.
عرقلة المشاريع التعاونية أو الشعبية المنافسة.
2. شراء الذمم الإدارية
في العديد من الحالات، يُقال إن هذه اللوبيات:
تقدم رشاوى للحصول على تراخيص البناء بسرعة.
تُوظّف مستشارين قانونيين لديهم علاقات داخل الجماعات.
تحتفظ بشبكات "علاقات مصلحية" داخل الوكالات الحضرية.
3. التأثير في القرار السياسي
من خلال تمويل الحملات الانتخابية أو الدخول في شراكات مباشرة أو غير مباشرة مع سياسيين، تعمل هذه اللوبيات على حماية مصالحها، بل في بعض الحالات:
تتحكم في المجالس المنتخبة.
تُملي السياسات العقارية للبلديات.
تتدخل في توقيت إطلاق البرامج السكنية.
ثالثًا: الخاسر الأكبر – المواطن
1. ارتفاع الأسعار بشكل مصطنع
رغم وجود عرض كبير، فإن الأسعار تبقى مرتفعة بشكل غير طبيعي، بسبب:
احتكار الأراضي من طرف منعشين كبار.
التواطؤ مع السماسرة والمضاربين.
ضعف الرقابة من طرف الدولة.
2. انهيار الطبقة المتوسطة
شقة متوسطة (70-90م²) في الرباط أو البيضاء تتجاوز 1.2 مليون درهم.
شقق السكن الاقتصادي التي كان يُفترض أن تُباع بـ250.000 درهم تُعرض بأكثر من 400.000 درهم بعد "التحسينات".
الأبناك تستفيد من قروض طويلة المدى، فتُثقل كاهل المواطنين.
3. ظهور مدن الأشباح
مدن جديدة مثل تامسنا وتامنصورت تحوّلت إلى مدن شبه فارغة:
غياب مدارس ومصحات.
ضعف الربط بالنقل.
مشاريع بدون رؤية اجتماعية.
رابعًا: هل من أفق للتغيير؟
حتى اليوم، لا توجد رغبة سياسية واضحة لمحاربة هذا اللوبي. لكن التوصيات التالية قد تُحدث فرقًا:
نشر لائحة المستفيدين من الأراضي العمومية (كما فعلت الدولة في 2012).
إحداث هيئة مستقلة لمراقبة العقار تضم قضاة وخبراء وصحفيين.
إصلاح شامل لمنظومة التراخيص وتصاميم التهيئة.
فرض ضرائب إضافية على المضاربات العقارية.
دعم التعاونيات السكنية وتمويلها مباشرة.
خاتمة: دولة تُبنى من الطوب أم من العدل؟
سوق العقار في المغرب أصبح مرآة صادمة لحجم الفجوة بين السلطة والعدالة الاجتماعية. وفيما تستفيد أقلية من الثروة العقارية، يعيش الملايين تحت سقف الإيجار أو التهديد بالطرد. لوبيات العقار ليست فقط شركات ضخمة، بل شبكة نفوذ تضم رجال أعمال، سياسيين، إداريين، وقوانين ضعيفة.
ولذلك، فإن السؤال اليوم ليس هل نعرف هذه اللوبيات، بل: هل نملك الجرأة لكسر نفوذها؟