الحائط المصري على حدود غزة: بين الأمن القومي والتمويل الأوروبي

 المنطقة العازلة بين مصر وغزة: جدار الصمت والسياسة

منذ أوائل عام 2024 أقامت مصر على حدودها مع قطاع غزة، وتحديدًا قرب معبر رفح، ما يمكن وصفه بـ "منطقة عازلة" محاطة بجدران خرسانية عالية، وذلك استباقًا لأي تهديد محتمل أو تدفق كبير للسكان جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح. صور الأقمار الصناعية التي نُشرت في فبراير 2024 تظهر أعمال تجريف وتشييد جدران ارتفاعها خمسة إلى سبعة أمتار تمتد على مساحة شاسعة تصل إلى نحو اثنين إلى ثمانية كيلومترات مربعة على الجانب المصري من الحدود، وب القرب من طريق الشيخ زويد – رفح، حيث بدأت عمليات التجريف في بداية فبراير وأسرع البناء بين 6 و15 فبراير بحسب تقارير CNN وAP 
هذا البناء، الذي تقول مصادر متعددة إنه يرتبط بتخطيط لمواجهة تدفق لاجئين من غزة إذا ما قُدرت الأعمال العسكرية في المدينة الجنوبية، يُظهر وجود كتل خرسانية عملاقة وتم إنشاء مجمع سياج محمي ليحتوي على عشرات الآلاف من الأشخاص إن دعت الحاجة 
تمت الإشارة إلى هذه المنشآت كـ "منطقة عازلة مسوّرة" محاطة بأسوار خرسانية بطول عدة كيلومترات، قادرة على استيعاب أكثر من مئة ألف شخص، بحسب تقرير صحيفة وول ستريت جورنال واستعراضات للصور الجوية والعسكرية المدنية 
مراقبون حقوقيون فلسطينيون مصريون وصفوا إن هذه المنطقة العازلة ذات إسوار بارتفاع حوالي 7 أمتار، وقد بُنيت بعيدًا عن أي مستوطنة مصرية، وربما تحوي خيامًا مجهزة لاستيعاب اللاجئين المحتملين في حال تدفقهم عبر المعبر إلى سيناء 
كما أفادت تقارير أخرى أن الهدف الرسمي إعلانًا كان التحضير لاستقبال محدود بين 50 و60 ألف لاجئ بحد أقصى، إذا ما حدث تدفق جماعي، وهو ما لم يُعلن عنه رسميًا لكن رُبط بقيود أمنية وتشريعات بيع النقاط الحدودية لإغلاق الإقبال على المنطقة 
لا توجد تصريحات رسمية مصرية تفصح عن تمويل أوروبي مباشر لهذا الجدار أو المنطقة العازلة، لكن تقارير إعلامية ومصادر متخصصة في العلاقات الدولية تربط بين ميزانيات ضخمة حصلت عليها مصر من دول الاتحاد الأوروبي وبين المطالب الأوروبية لمصر بإدارة تدفقات اللاجئين وتأمين الحدود. في مارس 2024 أعلن الرئيس السيسي في مؤتمر صحفي مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي منح مصر حزمة تمويل تصل إلى نحو 7.4 مليار يورو حتى نهاية 2027، تشمل منحًا وقروضًا ميسّرة، ويُربط جزء منها بالتعاون في إدارة الحدود ومكافحة الهجرة غير النظامية ومواجهة الأزمات مثل غزة والسودان 
المنتقدون، بمن فيهم منظمات حقوقية مصرية وأوروبية، اعتبروا هذا الاتفاق "تمويلًا أمنياً" يتيح لمصر تنفيذ سياسات قمعية على الحدود بدعوى حماية أمن أوروبا، وينطوي على خطر دعم ممارسات تنتهك حقوق اللاجئين والمهاجرين، وهذا يشمل إطلاق مشاريع مثل الجدار العازل أو المنطقة المسورة على الحدود مع غزة 
بالإضافة إلى ذلك، رفضت القاهرة أي تهجير جماعي للفلسطينيين، وأكدت مع الاتحاد الأوروبي رفض أي شكل من أشكال الإخلاء القسري أو التهجير الجماعي من غزة أو الضفة الغربية. في اجتماع المجلس الذي جمع وزراء خارجية دول الاتحاد ونظرائهم المصريين، تم تبنّي مبدأ عدم نقل شعب بأكمله من الأراضي الفلسطينية، وضرورة الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، ولكن في الوقت نفسه ربط البيان الأوروبي هذا بـ "إدارة الحدود المصرية" والتنسيق في ظل أزمة إنسانية متفاقمة في غزة 
 كما أطلقت البعثات الأوروبية مبادرات مثل المهمة المدنية لمراقبة الحدود في رفح (EUBAM Rafah) التي أُطلقت لأول مرة في 2005 وتعمل رسميًا بالرغم من توقفها الجزئي منذ 2007. هذه البعثة مرتبطة بالإشراف على عمليات المعابر وتطبيق المعايير الدولية للتدقيق في البضائع والأفراد، لكنها لا تتحكم في مشاريع البنى التحتية الحدودية كالحائط العازل المصري 
في المقابل، من الناحية التاريخية بدا أن مصر بدأت فعليًا ببناء حواجز وتحصينات أعلى مع غزة منذ الفترة السابقة. فبحسب موسوعة ويكيبيديا، في ديسمبر 2009 شرعت مصر ببناء جدار فولاذي أسفل الأرض بعمق يصل إلى 18 مترًا وطول يصل إلى 10–11 كيلومتر، في تكرار لتعاون تقني مع الولايات المتحدة وفرنسا، بهدف قمع حركة التهريب عبر الأنفاق المؤدية إلى سيناء، والتي كانت تُستخدم لتهريب الأسلحة والمواد المختلفة إلى غزة. ذلك الجدار كان مدعومًا أمريكيًا وفرنسيًا ضمن إطار الأمن الإقليمي وتعزيز السيطرة الحدودية المصرية 
 ومنذ 2013 حكم السيسي، كثفت مصر جهودها في تدمير الأنفاق، حتى وصل عدد الأنفاق التي أغلقها الجيش بـ 1659 نفقًا بحلول أغسطس 2014، باستخدام أيضًا مياه البحر لتغريق الأنفاق، ما خلق أزمة بيئية وبشرية خطيرة في غزة بحسب التقارير 
كذلك في 2020 بدأت مصر تشييد جدار خرساني جديد بطول نحو 3 كيلومترات عالية، بارتفاع حوالي 7 أمتار، مزود بحساسات إلكترونية، على امتداد حدود غزة من الكرم أبو سالم وحتى معبر رفح، كإضافة إلى الجدار القديم 
لكن ما حدث في أوائل 2024 كان توسعة في نطاق التدابير الأمنية وكان جزءًا من تحوّل يُمكن تفسيره في إطار الشروط الأوروبية لمصر في إطار "الشراكة الاستراتيجية". فلا توجد أدلة واضحة في التقارير الموثوقة على أن أوروبا مولت مباشرة مواد بناء تلك الأسوار أو دفعت ثمن العمالة أو المعدات، ولكن الاتفاق المالي الكبير بين مصر والاتحاد الأوروبي، الذي ربطته بروابط إدارة الحدود والتدفقات، أوحى بأن جزءًا من التمويل العام والذي تخصصه مصر للتحكم في حدودها، قابل للاستثمار في مشاريع مثل تلك المنطقة العازلة، إذ يعد جزءًا من استراتيجية أوروبية لتجنب وصول موجة لجوء ضخمة نحو أوروبا عبر سيناء ومصر بعد انهيار أو احتلال جزئي لغزة أو تهجير جماعي ممكن 
ولذا عندما يُشار إلى أن "أوروبا مولت الحائط" فإن المعنى غير المباشر هو أن الاتفاق المالي الكبير أتاح للموازنة المصرية تمويل نشاطات أمنية حدودية تتوافق مع متطلبات أوروبا في ملف الهجرة، وليس أن وزارات أوروبية وضعت ميزانية مستقلة لبناء الجدران بشكل مباشر. المجتمع الحقوقي وصف هذا النهج بأنه "تمويل دكتاتوري" أو دعم مشروط للممارسات الحدودية الصارمة، دون ضمانات كافية لحقوق اللاجئين أو الإفصاح البرلماني المصري عن تفاصيل الإنفاق وارتباطه بهذه المشروعات 
الموقف الشعبي أو الرسمي الفلسطيني رفض هذا المشروع بوصفه "حائط الموت" أو "الحاجز الذي يُقصي الناس من أرضهم". حركة حماس وصفت المشروع بأنه تعاون أمني بين مصر وأوروبا لإعاقة حركة الفلسطينيين، في وقت يُطلب فيه تشغيل المعابر وتسهيل الدخول والخروج من القطاع، خاصة في ظل أزمة إنسانية خانقة. في وثائق المعارضة والمظاهرات، ندد ناشطون بأن الجدار يدمّر الأنفاق التي تمثل شريانًا مهمًا للسكان المحاصرين، وأن تحصين المعابر وفرض حواجز صارمة يقضي بشكل فعلي على حقوق محاصرة للسكان الذين يعانون من نقص البروتينات والغذاء والدواء والكهرباء والماء، وهي إجراءات تهدف لحصار غزة حتى تستسلم أو تُعاد هندستها سياسيًا عوضًا عن تحريرها أو تحقيق سلام يضمن عودة حقوق أهاليها 
من الناحية الإنسانية، فإن بناء هذه الحماية الحدودية وتخصيصها لاستيعاب اللاجئين المحتملين يجعلها في الواقع حيز احتجاز مؤقت مشروط ولا يسمح بحرية التنقل، فوفق بعض المصادر فإن من يدخل المنطقة لن يُسمح له بالمغادرة إلا إذا غادر نحو بلد ثالث، مما يجعلها أشبه بـ "معسكرات انتظار" وليس مناطق عبور مفتوحة 
وهي مخاوف انطلقت في مجالس حقوق الإنسان من تشابه هذه الحالة مع مناطق لاجئين محاصرين أخرى في العالم تُرك أصحابها عاشوا تحت حواجز أمنية لا تتيح الحرية، بل تهدف لإبقائهم خارج حدود بلاد الإقامة مع حرمانهم العودة إلى المناطق التي كانوا يسكنونها.
بالتالي فإن الحائط المصري على حدود غزة، الموصوف بالصلب أو الخرساني أو المقترن بالمنطقة العازلة، هو نتاج لسياسة أمنية مدمجة مع التمويل الدولي، يشترك فيها الاتحاد الأوروبي ليس كممول مباشر لهذه الجدران، ولكن كطرف ضاغط من خلال اتفاقاته المالية مع مصر على قبول إجراءات صرامة حدودية في مقابل دعم اقتصادي واسع، وهذا تم تفسيره من بعض الأطراف بأن الاتحاد "مول المشروع" ضمنيًا. الحائط الجديد يختلف عن الجدار الفولاذي القديم الذي بُني بالتعاون الأمريكي الفرنسي في 2009–2010، لكنه يتماهى مع أهداف مماثلة: تحجيم التهريب الأمني واستخدام الحدود كأداة لإدارة أزمة اللاجئين المحتملين أكثر من كأداة إنسانية توسعية أو مؤقتة.
أما فيما يخص التجاهل المصري عند الحديث عن المشروع، فهو جزء من استراتيجية رسمية لتجنب إثارة القلق الشعبي واستخدام التعسف السياسي في الداخل، إذ لم تُصدر القاهرة توضيحًا علنيًا عن طبيعة المشروع أو إمكانية أن يشمل تهجيرًا شعبيًا، بل اكتفت بتأكيد رفضها للتهجير القسري للفلسطينيين وضرورة حماية السيادة المصرية والسلامة الاستراتيجية، قبل أن تفصّل في الجوانب المالية والاقتصادية دون ذكر مباشر لهذا الجدار أو المنطقة المحاطة 

تعليقات