سوق الصالحين: بين الطموح التنموي والتجاوزات المثيرة للجدل
سوق الصالحين في سلا: قصة الطموح والتجاوزات المثيرة للجدل
مقدمة
يُعد سوق الصالحين في مدينة سلا أحد أبرز المشاريع التنموية التي أطلقها الملك محمد السادس في 24 أكتوبر 2017، بهدف تحسين البنية التحتية التجارية ودعم الاقتصاد التضامني وإدماج الباعة المتجولين في النسيج الاقتصادي المهيكل. باستثمارات تجاوزت 305 إلى 361 مليون درهم، شكل المشروع، الذي امتد على مساحة 23 هكتارًا، نموذجًا طموحًا للتنمية الحضرية والاقتصادية. ومع ذلك، سرعان ما تحول هذا المشروع، الذي كان يُنظر إليه كتجسيد لسياسة القرب الملكية، إلى موضوع جدل واسع بسبب التجاوزات والاختلالات التي واكبت تنفيذه وتوزيع محالّه. منذ افتتاحه الرسمي في 2022، برزت اتهامات بالفساد، سوء التدبير، وإقصاء التجار الحقيقيين، مما دفع الفرقة الوطنية للشرطة القضائية إلى تدخل وفتح تحقيقات. هذا المقال يستعرض تاريخ المشروع، التجاوزات الموثقة، التبعات، والدروس المستفادة، بهدف فهم التحديات التي تواجه مثل هذه المبادرات الكبرى.
خلفية المشروع
أُطلق مشروع تهيئة سوق الصالحين بتعليمات ملكية سامية، بهدف تحويل السوق التقليدي القديم، المعروف سابقًا بـ"سوق الكلب" بسبب العشوائية والفوضى، إلى مركب تجاري عصري. شمل المشروع بناء 1483 محلاً تجاريًا، منها 968 محلاً في المركب التجاري و391 محلاً في السوق المركزي، إلى جانب ملاعب قرب، فضاءات خضراء، ومرآب تحت أرضي. رصد لهذا المشروع تمويل مشترك بين وزارة الأوقاف (185 مليون درهم)، مجلس جهة الرباط-سلا-القنيطرة (30 مليون درهم)، عمالة سلا عبر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (10 ملايين درهم)، جماعة سلا (70 مليون درهم)، والهيئة المفوضة (10 ملايين درهم). كان الهدف الأساسي هو استقرار الباعة المتجولين، تحرير الطرق العامة، وتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية لآلاف السكان.
التجاوزات الموثقة
منذ الإعلان عن المشروع، بدأت تظهر بوادر المشاكل. إليكم أبرز التجاوزات الموثقة بناءً على تقارير صحفية وتصريحات رسمية:
اختلالات في توزيع المحلات:
في أبريل 2021، أشارت جريدة "هسبريس" إلى "بلوكاج" في فتح السوق بسبب اتهامات باختلالات في توزيع المحلات. أفاد تجار، مثل حبيب المنيوي، بأنهم حرموا من محالّهم بسبب "جهات" نفذت عملية التوزيع بشكل غير شفاف. كشفت التحقيقات أن الأظرفة التي تضم أرقام المحلات كانت مكشوفة، مما سمح لأشخاص لهم علاقات بالسلطة بالاستفادة من المحلات الفاخرة والمقاهي.
في يوليو 2024، نشرت "هوية بريس" أن مستشارين بمجلس سلا طالوا وزارة الداخلية بكشف لوائح المستفيدين، بعد اتهامات بتحول المشروع إلى "وزيعة" لأقارب وأشخاص استفادوا من أكثر من محل دون وجه حق.
الفساد والوساطة:
في يوليو 2024، نشرت "هوية بريس" أن مستشارين بمجلس سلا طالوا وزارة الداخلية بكشف لوائح المستفيدين، بعد اتهامات بتحول المشروع إلى "وزيعة" لأقارب وأشخاص استفادوا من أكثر من محل دون وجه حق.
الفساد والوساطة:
في سبتمبر 2024، أفادت "ماب ميديا" بأن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية استمعت إلى تجار اتهموا مسؤولين محليين وأمناء بممارسة الوساطة غير القانونية. كشفت التحقيقات عن بيع محالّ بشكل غير قانوني بأسعار تتراوح بين 16 و25 مليون سنتيم.
في يناير 2025، أحالت الفرقة الملف إلى الوكيل العام للملك بالرباط بعد استماعها إلى 27 متضررًا، مما يؤكد وجود نشاطات مشبوهة تشمل تفريخ محالّ وبيعها عبر سماسرة.
إقصاء التجار الحقيقيين:
في يناير 2025، أحالت الفرقة الملف إلى الوكيل العام للملك بالرباط بعد استماعها إلى 27 متضررًا، مما يؤكد وجود نشاطات مشبوهة تشمل تفريخ محالّ وبيعها عبر سماسرة.
إقصاء التجار الحقيقيين:
في يناير 2025، ذكرت "لسانكم" أن أكثر من 20 أسرة لم تستفد من المحلات، مما أثار استياء التجار الذين اعتبروا أنفسهم أصحاب الحق. احتجاجات الباعة الجائلين بسوق "الساعة" في سلا عززت هذه الادعاءات.
أشار تقرير "الأخبار" إلى أن عملية القرعة، التي أُدعت شفافيتها من قبل رئيس جمعية التجار محمد أزروال، شهدت انحيازًا، حيث استفاد أشخاص ليس لهم علاقة بالتجارة.
العشوائية بعد الافتتاح:
أشار تقرير "الأخبار" إلى أن عملية القرعة، التي أُدعت شفافيتها من قبل رئيس جمعية التجار محمد أزروال، شهدت انحيازًا، حيث استفاد أشخاص ليس لهم علاقة بالتجارة.
العشوائية بعد الافتتاح:
في أغسطس 2022، أفادت "هسبريس" بأن السوق، بعد أيام من افتتاحه، عاد إلى الفوضى، حيث احتل الباعة الممرات ونشر السلع بشكل عشوائي، مما يعكس غياب المراقبة الفعالة.
التحقيقات الرسمية
التحقيقات الرسمية
بدأت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تحقيقاتها في مارس 2024، حيث حلت بقسم التعمير التابع لعمالة سلا للتحقيق مع مسؤولين. في يناير 2025، أحيل الملف إلى القضاء بعد استماعها إلى أطراف متعددة، بما في ذلك رئيس الجمعية وأمناء التجار. المصادر أشارت إلى أن التحقيقات ركزت على اتهامات بالفساد وتلاعب في القرعة، مع احتمال تورط مسؤولين من العمالة.التبعات الاجتماعية والاقتصاديةفقدان الثقة: أدت التجاوزات إلى تآكل الثقة بين التجار والسلطات، حيث يرى الكثيرون أن المشروع، الذي وُعد بإنصافهم، تحول إلى أداة للاستفادة الشخصية.
الاحتجاجات:
الاحتجاجات:
شهد السوق احتجاجات متفرقة من التجار المحرومين، مما زاد من التوتر الاجتماعي في المنطقة.
التأثير الاقتصادي: تأخر افتتاح السوق وتجاوزات التوزيع أثرت سلبًا على دينامية النشاط التجاري، حيث لم يحقق المشروع الانتعاش الاقتصادي المتوقع.
وجهات النظر المختلفةالسلطات:
التأثير الاقتصادي: تأخر افتتاح السوق وتجاوزات التوزيع أثرت سلبًا على دينامية النشاط التجاري، حيث لم يحقق المشروع الانتعاش الاقتصادي المتوقع.
وجهات النظر المختلفةالسلطات:
نفت عمالة سلا الاتهامات رسميًا، معتبرة أن القرعة تمت بشفافية، لكنها لم تنشر اللوائح الكاملة للمستفيدين.
التجار: يطالبون بالشفافية ومحاسبة المسؤولين، معتبرين أن التجاوزات دمرت أحلامهم.
الخبراء: يرون أن غياب الرقابة والتخطيط الجيد هما السبب الرئيسي، مع ضرورة إصلاح هيكلية النظام الإداري.
الحلول المقترحةالشفافية:
التجار: يطالبون بالشفافية ومحاسبة المسؤولين، معتبرين أن التجاوزات دمرت أحلامهم.
الخبراء: يرون أن غياب الرقابة والتخطيط الجيد هما السبب الرئيسي، مع ضرورة إصلاح هيكلية النظام الإداري.
الحلول المقترحةالشفافية:
نشر لوائح المستفيدين وفتح تحقيقات مستقلة.
الرقابة: تعيين لجان مستقلة لمراقبة توزيع المحلات المستقبلية.
تعويض المتضررين: إعادة النظر في توزيع المحلات لضمان العدالة.
تشريعات صارمة: وضع قوانين رادعة لمنع الفساد في المشاريع العمومية.
خاتمة
الرقابة: تعيين لجان مستقلة لمراقبة توزيع المحلات المستقبلية.
تعويض المتضررين: إعادة النظر في توزيع المحلات لضمان العدالة.
تشريعات صارمة: وضع قوانين رادعة لمنع الفساد في المشاريع العمومية.
خاتمة
سوق الصالحين كان يمكن أن يكون رمزًا للنجاح التنموي، لكنه تحول إلى حالة دراسية عن مخاطر الفساد وسوء التدبير. التجاوزات الموثقة، من اختلالات التوزيع إلى الوساطة غير القانونية، تبرز الحاجة إلى إصلاحات جذرية في إدارة المشاريع العمومية. التحقيقات الجارية قد تكشف الحقيقة، لكن الخطوة الأهم تكمن في إعادة بناء الثقة بين السلطة والمواطن. المغرب، بإمكانياته وطموحاته، قادر على تعلم الدروس من هذا المشروع وتحويل التحديات إلى فرص للتقدم.