"55 سنة من سنوات الضياع في المغرب"

"من أحمد العراقي إلى أخنوش… أين ذهب عمري؟"

السلام عليكم
 إلى من يهمه الأمر…
أو إلى من لا يهمه شيء،
أكتبُ لك هذه الرسالة من قلب أنهكه التعب، وعينٍ ذبل فيها البريق، ووجهٍ رسم عليه الزمن خرائط القهر والانتظار.
أكتب لك… لا شاكياً، بل شاهدًا على نصف قرن من الحلم المؤجَّل.
كنتُ صغيرًا حين كانت حكومة أحمد العراقي تدير شؤون البلاد، وكنت أسمع أبي يتحدث عن الغد، عن العدالة، عن وطنٍ نستحقه. وصدّقت أبي، صدّقته كما يصدق الابن أباه، بل كما يصدق الظمآن وعد الماء.
مرت الحكومات، حكومة بعد حكومة، وجه يرحل ووجه يأتي، والوجوه تختلف لكن الوجع واحد.
اليوسفي تحدّث عن التناوب، وجطو عن الكفاءة، والفاسي عن التعليم، وبنكيران عن التماسيح، والعثماني عن "الاستمرارية"، وأخنوش… عن الربح والخسارة، كأننا أوراقٌ في بورصة لا نعرف قواعدها.
وكنتُ أنتظر.
في كل مرة أقول: "لعلّ هذه المرّة صادقة."
كنت أؤمن أن التغيير ممكن، أن الحياة الكريمة حق، لا مكرمة.
لكني كنتُ مخطئًا.
مرت خمس وخمسون سنة يا صديقي، وأنا أقف في طابور الحياة دون أن أصل.
ذبل وجهي كما تذبل شجرةٌ لم تمسّها يد المطر.
شاخ ظهري من حمل الهمّ، لا من تعب العمل.
ولم أشترِ بيتًا، ولم أرَ طبيبًا دون إذلال، ولم أعرف معنى الراحة.
خمسة عقود ونصف، وأنا أقول: "غدًا أفضل."
وكلّ غدٍ جاء أسوأ من الذي قبله.
حتى صار الأمل كذبة جميلة، نحفظها مثل أنشودة الطفولة، ونرددها لعلنا نصدّقها.
اليوم… لا أملك إلا وجهًا شاحبًا، وحقيبةً من الخيبات، ومقعدًا قرب النافذة أطلّ منه على وطنٍ جميل في صوره، موجوع في حقيقته.
وأسأل نفسي بصمت:
من سيعيد لي هذه السنوات؟ من سيعوضني عن شبابي؟ من سيسألني: "هل عشت سعيدًا؟"
لكنني لا أطلب شيئًا.
لا أريد منصبًا، ولا مالًا، ولا سلطة.
أريد فقط أن لا يموت حفيدي بنفس الأسلوب الذي عشتُ به: منتظرًا.
فإن كنتَ ممن يملكون القرار، أو حتى مجرد قلم،
فاكتب — بالله عليك — أننا كنا هنا، أننا حلمنا، وأننا لم نرَ شيئًا.
واكتب أن الرجل الذي كتب إليك، لم يطلب سوى حياة تشبه حجم إنسانيته.
وإن لم تستطع،
فدعني أعود إلى صمتي الطويل، حيث الوطن أجمل في الخيال، والحقيقة أقل وجعًا إن تجاهلتها.
ابن هذا الوطن،
المتعب،
الذي لم ييأس، لكنه تعب من الأمل.

تعليقات