الفساد العقاري في العرائش: تواطؤ السلطة وتواطؤ الصمت
الفساد في المغرب، كما في العديد من الدول، يعتبر من الظواهر التي تنخر جسد الإدارة وتعيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو لا يقتصر فقط على الاختلاسات المالية بل يمتد ليشمل الاستيلاء غير المشروع على الأملاك العمومية وخاصة الأراضي، التي أصبحت في العقود الأخيرة هدفاً لمافيات منظمة مدعومة أحياناً بنفوذ سياسي أو إداري. ويُعد ملف الأراضي في المغرب من أعقد الملفات التي تتداخل فيها المصالح الاقتصادية والسياسية، ويتحول في بعض الأحيان إلى صراع مفتوح بين المواطنين العاديين وأصحاب السلطة.
في مدينة العرائش وضواحيها، برزت خلال السنوات الأخيرة عدة قضايا تتعلق بالفساد العقاري، من بينها قضايا تفويت أراضٍ عمومية أو سلالية دون وجه حق، واستغلال النفوذ لتسهيل صفقات مشبوهة. من أبرز الأسماء التي طُرحت بقوة في هذا السياق اسم محمد السيمو، رئيس جماعة القصر الكبير السابق والبرلماني عن إقليم العرائش. السيمو، الذي كان يتمتع بحضور قوي في المشهد السياسي المحلي، وُجهت إليه خلال سنة 2023 تهم ثقيلة تتعلق باختلاس وتبديد أموال عمومية، والمشاركة في تلقي منافع غير مستحقة ضمن مؤسسة عمومية، واستغلال تضارب المصالح. في ملفه، طُرحت تساؤلات خطيرة حول صفقة منح أشغال تعشيب ملعب القصر الكبير سنة 2017 لشركة قدمت عرضاً مالياً أعلى من باقي المتنافسين، في مخالفة صريحة لمرسوم الصفقات العمومية. كما تم اتهامه بشراء قطعة أرض من شركة يملكها عضو داخل مجلس الجماعة يُدعى "ع.غ"، وهي عملية وصفت بأنها انتهاك لقانون تنافي المصالح. النيابة العامة أحالته إلى التحقيق رفقة 12 شخصاً آخرين، ووُضع تحت إجراءات احترازية مشددة شملت سحب جواز سفره، حجز ممتلكاته البنكية والمنقولة، ومنعه من مغادرة التراب الوطني. لكنه رغم ذلك، وفي مشهد مثير، تمت تبرئته من جميع التهم في حكم صدر يوم 14 يوليوز 2025 عن غرفة الجنايات المالية بمحكمة الاستئناف بالرباط، حيث تمت تبرئة جميع المتهمين في الملف، وهو ما خلق جدلاً واسعاً بين من اعتبر أن التهم كانت ملفقة ومن رأى أن النفوذ السياسي لا يزال قادراً على تحريف مسار العدالة.
وفي نفس الإقليم، تحديداً بجماعة أولاد أوشيح، تفجّرت في أكتوبر 2023 قضية معقدة تتعلق بأرض فلاحية تُعرف باسم “مزارع صنيجة”، تمتد على أكثر من 280 هكتاراً. الأسرة المالكة للأرض، عائلة اليعكوبي، وجدت نفسها محاصرة من طرف سكان محليين بدوار أولاد أحمد الذين اعتبروا أنفسهم أصحاب حقوق سلالية على نفس القطعة الأرضية، الأمر الذي تحوّل إلى مواجهة على الأرض استُخدم فيها العنف، بما في ذلك إحراق المحاصيل، تدمير قنوات الري، وتخريب مضخات المياه. التوتر تصاعد في غياب أي تدخل صارم من السلطات، مما أعطى انطباعاً بأن هناك من يحاول خلق واقع جديد بالقوة لانتزاع الأرض، سواء عبر فوضى “السلاليين” أو عبر دعم خفي من شخصيات ذات تأثير سياسي أو إداري. الغريب أن الملف لم يعرف تحريكاً قضائياً واضحاً رغم ما شهده من تعديات موثقة، الأمر الذي دفع العديد من المراقبين إلى التشكيك في استقلالية تدخل الإدارة في نزاعات الأرض.
أما على المستوى الوطني، فقد كشف تقرير الهيئة الوطنية لحماية المال العام في المغرب أن شخصيات سياسية بارزة استفادت من تفويتات غير قانونية لعشرات الآلاف من الهكتارات من الأراضي العمومية خلال العقود الماضية. من بين الأسماء التي تم تداولها في التقرير: علي بلحاج، المحجوبي أحرضان، رحو الهيلع، وغيرهم، حيث حصل هؤلاء على أراضٍ بدون وجه حق قانوني أو بثمن رمزي بدعوى الاستثمار، في وقت ظل فيه المواطن البسيط يعاني من أجل الحصول على سكن لائق أو قطعة أرض صغيرة للزراعة. هذه التفويتات تمت خارج مساطر الشفافية، وأحياناً عبر عقود التراضي أو قرارات ولائية، دون إخضاعها لمنافسة أو إعلان عمومي، مما حول ملف الأراضي إلى “منجم نفوذ” توزع فيه الامتيازات لمن يملك الولاء أو القوة داخل الدولة العميقة.
في خضم هذه الفوضى العقارية، يجد المواطن المغربي نفسه أمام معضلة أخلاقية وسياسية كبرى: فمن جهة، الدولة ترفع شعارات محاربة الفساد وتعزيز الحكامة الجيدة، ومن جهة أخرى، ملفات ثقيلة تتعلق بأراضي عمومية وسلالية تُطوى في صمت أو تنتهي بتبرئة المتورطين، مما يزرع الإحباط ويفقد الثقة في المؤسسات. وقد أصبحت الأراضي، خاصة في المناطق الحضرية أو القريبة من مشاريع تنموية، محط أطماع شبكات منظمة تتقن اللعب في ثغرات القانون وتستفيد من تواطؤات داخل الجماعات، العمالات، والوكالات الحضرية.
إن حماية الأراضي من الفساد لا تتطلب فقط تدخل القضاء بل تتطلب أيضاً يقظة المجتمع المدني، ومساءلة حقيقية للمسؤولين المحليين، وفتح تحقيقات نزيهة تتابع أطراف الشبكات مهما كانت رتبتهم. ما لم يتم تفعيل المحاسبة وربط المسؤولية بالعقاب فعلياً، سيبقى ملف العقار في المغرب بؤرة سوداء للفساد، ويستمر المواطن في دفع ثمن صراعات خفية لا دخل له فيها، سوى أنه يقف في وجه من ينهب أرضه وحقه في مستقبل كريم.
وفي الختام، يمكن القول إن معركة الأراضي في المغرب ليست فقط معركة قانونية، بل هي معركة من أجل العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. فالأرض ليست فقط مساحة جغرافية، بل هي ذاكرة وهوية وحق أصيل يجب أن يُحمى. لن يكون هناك استقرار حقيقي ما دامت أراضي الناس تُنهب تحت الطاولات، وما دامت مؤسسات الدولة لا تنتصر للمظلوم بل تميل مع من يملك القوة والنفوذ. ومهما طالت ليالي الظلم، لا بد أن يشرق فجر العدالة.
في مدينة العرائش وضواحيها، برزت خلال السنوات الأخيرة عدة قضايا تتعلق بالفساد العقاري، من بينها قضايا تفويت أراضٍ عمومية أو سلالية دون وجه حق، واستغلال النفوذ لتسهيل صفقات مشبوهة. من أبرز الأسماء التي طُرحت بقوة في هذا السياق اسم محمد السيمو، رئيس جماعة القصر الكبير السابق والبرلماني عن إقليم العرائش. السيمو، الذي كان يتمتع بحضور قوي في المشهد السياسي المحلي، وُجهت إليه خلال سنة 2023 تهم ثقيلة تتعلق باختلاس وتبديد أموال عمومية، والمشاركة في تلقي منافع غير مستحقة ضمن مؤسسة عمومية، واستغلال تضارب المصالح. في ملفه، طُرحت تساؤلات خطيرة حول صفقة منح أشغال تعشيب ملعب القصر الكبير سنة 2017 لشركة قدمت عرضاً مالياً أعلى من باقي المتنافسين، في مخالفة صريحة لمرسوم الصفقات العمومية. كما تم اتهامه بشراء قطعة أرض من شركة يملكها عضو داخل مجلس الجماعة يُدعى "ع.غ"، وهي عملية وصفت بأنها انتهاك لقانون تنافي المصالح. النيابة العامة أحالته إلى التحقيق رفقة 12 شخصاً آخرين، ووُضع تحت إجراءات احترازية مشددة شملت سحب جواز سفره، حجز ممتلكاته البنكية والمنقولة، ومنعه من مغادرة التراب الوطني. لكنه رغم ذلك، وفي مشهد مثير، تمت تبرئته من جميع التهم في حكم صدر يوم 14 يوليوز 2025 عن غرفة الجنايات المالية بمحكمة الاستئناف بالرباط، حيث تمت تبرئة جميع المتهمين في الملف، وهو ما خلق جدلاً واسعاً بين من اعتبر أن التهم كانت ملفقة ومن رأى أن النفوذ السياسي لا يزال قادراً على تحريف مسار العدالة.
وفي نفس الإقليم، تحديداً بجماعة أولاد أوشيح، تفجّرت في أكتوبر 2023 قضية معقدة تتعلق بأرض فلاحية تُعرف باسم “مزارع صنيجة”، تمتد على أكثر من 280 هكتاراً. الأسرة المالكة للأرض، عائلة اليعكوبي، وجدت نفسها محاصرة من طرف سكان محليين بدوار أولاد أحمد الذين اعتبروا أنفسهم أصحاب حقوق سلالية على نفس القطعة الأرضية، الأمر الذي تحوّل إلى مواجهة على الأرض استُخدم فيها العنف، بما في ذلك إحراق المحاصيل، تدمير قنوات الري، وتخريب مضخات المياه. التوتر تصاعد في غياب أي تدخل صارم من السلطات، مما أعطى انطباعاً بأن هناك من يحاول خلق واقع جديد بالقوة لانتزاع الأرض، سواء عبر فوضى “السلاليين” أو عبر دعم خفي من شخصيات ذات تأثير سياسي أو إداري. الغريب أن الملف لم يعرف تحريكاً قضائياً واضحاً رغم ما شهده من تعديات موثقة، الأمر الذي دفع العديد من المراقبين إلى التشكيك في استقلالية تدخل الإدارة في نزاعات الأرض.
أما على المستوى الوطني، فقد كشف تقرير الهيئة الوطنية لحماية المال العام في المغرب أن شخصيات سياسية بارزة استفادت من تفويتات غير قانونية لعشرات الآلاف من الهكتارات من الأراضي العمومية خلال العقود الماضية. من بين الأسماء التي تم تداولها في التقرير: علي بلحاج، المحجوبي أحرضان، رحو الهيلع، وغيرهم، حيث حصل هؤلاء على أراضٍ بدون وجه حق قانوني أو بثمن رمزي بدعوى الاستثمار، في وقت ظل فيه المواطن البسيط يعاني من أجل الحصول على سكن لائق أو قطعة أرض صغيرة للزراعة. هذه التفويتات تمت خارج مساطر الشفافية، وأحياناً عبر عقود التراضي أو قرارات ولائية، دون إخضاعها لمنافسة أو إعلان عمومي، مما حول ملف الأراضي إلى “منجم نفوذ” توزع فيه الامتيازات لمن يملك الولاء أو القوة داخل الدولة العميقة.
في خضم هذه الفوضى العقارية، يجد المواطن المغربي نفسه أمام معضلة أخلاقية وسياسية كبرى: فمن جهة، الدولة ترفع شعارات محاربة الفساد وتعزيز الحكامة الجيدة، ومن جهة أخرى، ملفات ثقيلة تتعلق بأراضي عمومية وسلالية تُطوى في صمت أو تنتهي بتبرئة المتورطين، مما يزرع الإحباط ويفقد الثقة في المؤسسات. وقد أصبحت الأراضي، خاصة في المناطق الحضرية أو القريبة من مشاريع تنموية، محط أطماع شبكات منظمة تتقن اللعب في ثغرات القانون وتستفيد من تواطؤات داخل الجماعات، العمالات، والوكالات الحضرية.
إن حماية الأراضي من الفساد لا تتطلب فقط تدخل القضاء بل تتطلب أيضاً يقظة المجتمع المدني، ومساءلة حقيقية للمسؤولين المحليين، وفتح تحقيقات نزيهة تتابع أطراف الشبكات مهما كانت رتبتهم. ما لم يتم تفعيل المحاسبة وربط المسؤولية بالعقاب فعلياً، سيبقى ملف العقار في المغرب بؤرة سوداء للفساد، ويستمر المواطن في دفع ثمن صراعات خفية لا دخل له فيها، سوى أنه يقف في وجه من ينهب أرضه وحقه في مستقبل كريم.
وفي الختام، يمكن القول إن معركة الأراضي في المغرب ليست فقط معركة قانونية، بل هي معركة من أجل العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. فالأرض ليست فقط مساحة جغرافية، بل هي ذاكرة وهوية وحق أصيل يجب أن يُحمى. لن يكون هناك استقرار حقيقي ما دامت أراضي الناس تُنهب تحت الطاولات، وما دامت مؤسسات الدولة لا تنتصر للمظلوم بل تميل مع من يملك القوة والنفوذ. ومهما طالت ليالي الظلم، لا بد أن يشرق فجر العدالة.