كولينا: أسطورة التحكيم الذي غيّر قوانين اللعبة بعيونه الحادة وهيبته الفريدة

 بييرلويجي كولينا: مسيرة الحكم الأعظم في تاريخ كرة القدم

بييرلويجي كولينا: مسيرة حياة أسطورة التحكيم في كرة القدم

النشأة والطفولة:
وُلد بييرلويجي كولينا في 13 فبراير 1960 بمدينة بولونيا، شمال إيطاليا. نشأ في بيئة متوسطة الحال، وكان والده موظفًا حكوميًا، وقد زرع في كولينا منذ طفولته قيم الالتزام والانضباط. منذ صغره، أظهر ذكاءً حادًا وقدرة على التركيز، واهتم بالرياضة، خاصة كرة القدم، مثل معظم الأطفال الإيطاليين في ذلك الوقت.
لم يكن يحلم بأن يصبح حكمًا، بل كان طموحه الأول أن يصبح لاعب كرة قدم محترف، وقد لعب فعلًا في مركز الدفاع خلال فترة المراهقة في عدد من الفرق المحلية، إلا أن مستواه لم يؤهله للوصول إلى الاحتراف.
 التعليم والحياة الأكاديمية:
رغم عشقه لكرة القدم، لم يهمل دراسته. التحق بجامعة بولونيا، إحدى أقدم الجامعات في العالم، حيث درس الاقتصاد والتجارة. أثناء فترة دراسته الجامعية، طلب أحد أصدقائه أن يرافقه إلى دورة تحكيم للهواة. لم يكن كولينا يعلم أن هذه الخطوة ستغير حياته إلى الأبد.
أبدى أداءً رائعًا في الدورة، ولاحظ المدربون أنه يتمتع بشخصية قوية، وقدرة على اتخاذ القرار، وهدوء في أصعب اللحظات، وهي صفات أساسية للحكم الجيد.
 بداية مشواره في التحكيم:
بدأ كولينا في التحكيم بمباريات الهواة خلال أوائل الثمانينيات، وتدرّج بسرعة في المستويات. بحلول عام 1988، كان يُدير مباريات في دوري الدرجة الثانية الإيطالي. وفي عام 1991، أصبح حكمًا في دوري الدرجة الأولى الإيطالي (Serie A)، ليبدأ بذلك فصلاً جديدًا من حياته.
وفي عام 1995، حصل على الشارة الدولية من الفيفا، وأصبح حكمًا دوليًا، وهو ما فتح له أبواب المشاركة في البطولات العالمية الكبرى.
 مظهره المميز وقوة شخصيته:
ما جعل كولينا يبرز ليس فقط براعته في التحكيم، بل مظهره الاستثنائي. في أواخر العشرينيات من عمره، أُصيب بمرض الثعلبة الشاملة (Alopecia Universalis)، مما أدى إلى فقدان شعره بالكامل، بما في ذلك الحواجب والرموش. هذا المظهر غير المعتاد، إلى جانب نظراته الحادة وصرامته، أعطاه حضورًا طاغيًا في الملاعب.
كان يتمتع بقدرة كبيرة على السيطرة على اللاعبين، مهما كانت نجوميتهم، واشتهر باستخدام لغة الجسد والتواصل البصري بذكاء. قليلون كانوا يجادلونه داخل الملعب، لأنه كان يُظهر دائمًا أنه يعرف ما يفعل.
 أبرز المحطات في مسيرته:
خلال سنواته الذهبية، أدار كولينا العديد من أهم مباريات كرة القدم على الإطلاق. من أبرز محطاته:
1. نهائي دوري أبطال أوروبا 1999:
المباراة التي جمعت مانشستر يونايتد وبايرن ميونيخ.
شهدت تلك المباراة عودة تاريخية لليونايتد في الدقائق الأخيرة، وسُجلت هدفان قاتلان.
أداؤه في هذه المباراة نال إشادة واسعة عالميًا.
2. نهائي كأس العالم 2002:
أدار المباراة بين البرازيل وألمانيا، التي انتهت بفوز البرازيل 2-0.
اعتُبر ترشيحه لهذا النهائي دليلاً على مكانته كأفضل حكم في العالم آنذاك.
3. بطولات أخرى:
شارك في كأس العالم 1998.
كأس الأمم الأوروبية 2000.
دوري أبطال أوروبا وكأس الاتحاد الأوروبي.
مباريات تأهيلية حاسمة وتصفيات كأس العالم.
 الجوائز والتقديرات:
حصل على لقب أفضل حكم في العالم من الاتحاد الدولي للتاريخ والإحصاء IFFHS ست مرات متتالية (من 1998 إلى 2003).
أُدرج اسمه في العديد من قوائم الشرف الرياضية الإيطالية والدولية.
اعتبرته وسائل الإعلام العالمية "أعظم حكم في تاريخ كرة القدم".
 الاعتزال وأسبابه:
اعتزل كولينا التحكيم الدولي في عام 2005، بعد وصوله للسن القانوني الأعلى للتحكيم (45 عامًا آنذاك). حاول الاتحاد الإيطالي منحه استثناء ليستمر، لكن لوائح الفيفا لم تسمح.
كانت نهاية مسيرته بمثابة خسارة كبيرة لعالم التحكيم، لكن كولينا لم يبتعد عن الملاعب.
 ما بعد التحكيم:
بعد الاعتزال، تفرغ كولينا للعمل الإداري والتحكيمي في الاتحادات الرياضية:
1. رئيس لجنة الحكام في UEFA:
تولى هذا المنصب وأشرف على تطوير التحكيم الأوروبي.
كان له دور كبير في إدخال تكنولوجيا الفيديو (VAR) وتحسين قواعد اللعبة.
2. العمل مع FIFA:
عمل مستشارًا فنيًا في لجنة التحكيم الدولية التابعة للفيفا.
شارك في تنظيم وتطوير معايير التحكيم في بطولات كأس العالم الأخيرة.
3. أنشطة إعلامية واستشارية:
شارك في مؤتمرات تحكيمية دولية.
نشر كتابًا بعنوان "القانون هو القانون" (The Rules of the Game) ترجم لعدة لغات.
استخدم شهرته لرفع الوعي بأهمية احترام الحكام في كرة القدم.
 الحياة الشخصية:
متزوج وله ابنتان.
معروف بتمسكه بالقيم الأخلاقية والانضباط.
يبتعد عن الإعلام والظهور المتكرر، ويفضل العمل بصمت وكفاءة.
"أهم حكم في المباراة هو الحكم الذي لا يُلاحظ."
"عليك أن تكون أقوى من الضغط، لأن قراراتك تُؤثر على ملايين."
 كولينا اليوم:
حتى عام 2025، ما يزال كولينا شخصية محورية في عالم التحكيم، ويُعد مرجعًا تحكيميًا على مستوى العالم. غالبًا ما يُستشار في القرارات المعقدة المتعلقة بالتقنية، القوانين، وتطوير التحكيم.
ترك كولينا إرثًا لا يُنسى في تاريخ كرة القدم:
لم يكن مجرد حكم، بل أسطورة حقيقية.
مثّل قمة العدالة والدقة والانضباط.
لا تزال صوره تُستخدم كنموذج للحكم المثالي في كتب التدريب والفيفا.

تعليقات