مشروعا قانون الصحافة والنشر بالمغرب 2025: بين التنظيم والرقابة

 مشروعي القانون 26.25 و27.25: إصلاح تشريعي أم تضييق مؤسسي؟

 قانون الصحافة في المغرب: بين التأطير القانوني وتكميم الأفواه
 مقدمة:
في كل دولة تطمح إلى ترسيخ الديمقراطية، تظل حرية الصحافة ركيزة أساسية، وجزءًا لا يتجزأ من الحريات العامة. وفي المغرب، شهدت الصحافة تحولات كبيرة، سواء من حيث الخطاب أو الممارسة أو الأطر القانونية. غير أن هذه التحولات ظلت محكومة بالتوتر بين خطاب رسمي يُعلن دعم حرية التعبير، وواقع ميداني يُغيب فيه الصحافي المستقل، ويُلاحق فيه أصحاب الأقلام الحرة.
وقد جاء مشروع قانون 26.25، المصادق عليه يوم 3 يوليوز 2025، ليُعيد ترتيب المشهد الإعلامي المغربي من جديد، لكنه حمل معه الكثير من الجدل، خاصة فيما يتعلق بتمثيلية الصحافيين، دور الناشرين، وموقع الصحافة المستقلة من هذا الترتيب الجديد.
 العرض
1. تطور القانون: من ظهير 1958 إلى قوانين 2016 و2025
منذ استقلال المغرب، نُظّمت الصحافة بقوانين كانت تُغلب المقاربة الأمنية، أشهرها ظهير 1958. لكن بعد دستور 2011، الذي كرس حرية التعبير في الفصل 28، صدر في 2016 ثلاثية قانونية جديدة:
القانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر
القانون 89.13 الخاص بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين
القانون 90.13 المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة
ثم جاءت قوانين 2025، لتُعدل هذه المنظومة، أبرزها:
قانون 26.25: إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة
قانون 27.25: تعديل شروط الولوج إلى المهنة
 2. الإيجابيات المعلنة في القانون
رغم الجدل، لا يمكن إنكار بعض النقاط الإيجابية التي حملها القانون، منها:
إلغاء العقوبات الحبسية في قضايا النشر
تنظيم منح البطاقة المهنية بمعايير واضحة (شهادة، عقد عمل، CNSS)
تكريس المجلس الوطني كإطار للتنظيم الذاتي
كما أشار المشرع إلى أن تمثيلية 7 صحافيين مهنيين داخل المجلس، دون ناشرين منتخبين، يهدف إلى:
"ضمان استقلالية الجسم الصحافي عن مصالح المُلّاك والمقاولات، ومنع تضارب المصالح".
 3. خلف الخطاب الرسمي: إقصاء الصحافة الحرة؟
ورغم هذه الإيجابيات المعلنة، يرى كثيرون أن القانون الجديد هو غطاء قانوني لإقصاء الأصوات المزعجة، لأسباب عدة:
🔹 أولًا: انتخاب 7 صحافيين دون أي ناشر منتخب
الناشرون أُقصوا من العملية الانتخابية، ما اعتُبر كسْرًا للتوازن بين من يملك الصحيفة ومن يكتب فيها.
تركيبة المجلس أصبحت موجهة لفئة واحدة، أغلبها ـ حسب الانتقادات ـ محسوبة على الجهات الرسمية أو ممولة من الدولة.
🔹 ثانيًا: الصحافي المستقل خارج اللعبة
قانون 27.25 يشترط العمل بعقد دائم في مؤسسة معترف بها للحصول على بطاقة صحافي، ما يعني إقصاء المستقلين واليوتوبرز والفاعلين الرقميين.
حالة الصحافي حميد المهداوي مثال صارخ: رغم مشواره المهني، سُحبت بطاقته بدعوى أنه "لم يعد ينتمي إلى مؤسسة"، واعتُبر مجرد "يوتيوبر ثرثار"، تمهيدًا لمحاكمته إن لزم الأمر.
🔹 ثالثًا: التسييس الخفي للمجلس الوطني
بدل أن يكون المجلس مستقلًا، يُخشى أن يتحوّل إلى أداة لضبط المشهد الإعلامي حسب أجندات سياسية، حيث يُمثل فيه الخانعون، ويُقصى منه الأحرار.
 4. رأي تحليلي: حرية الصحافة لا تُضمن بالنصوص فقط
صحيح أن وجود قانون يؤطر المهنة ضروري، لكن هذا القانون، إذا وُضع في سياق:
الضغط على الصحافيين الاستقصائيين
محاكمات بتهم غامضة مثل "نشر أخبار زائفة"
تحكم الحكومة في الإعلام العمومي والخاص عبر الإشهار والدعم
فإنه يفقد معناه الإصلاحي، ويصبح أداة ناعمة للتضييق بدل أن يكون حصنًا للحرية.
ما نحتاجه اليوم ليس فقط نصوصًا قانونية، بل:
إرادة سياسية حقيقية لاحترام الصحافة المستقلة
تعددية داخل المجلس الوطني تشمل الصحافيين والناشرين والنقابات
شروط مرنة وعادلة لولوج المهنة، لا تُقصي أحدًا بناءً على اختلافه مع السلطة
خاتمة
قانون الصحافة الجديد في المغرب يعكس صراعًا واضحًا بين التحكم والتعددية، بين من يريد مهنة منضبطة بقانون ومؤسسات، ومن يريد حرية التعبير الحقيقية كما يكفلها الدستور. وإن كانت بعض بنود القانون تُظهر نوايا إصلاحية، فإنّ النية السياسية والواقع الميداني يقولان شيئًا آخر: تهميش المستقلين، واستمرار التضييق على الصحافيين الشرفاء، هو الخطر الحقيقي.
حرية الصحافة لا تُقاس بعدد القوانين، بل بعدد الأصوات التي لا تُقمع، وعدد الأقلام التي لا تُجفف، وعدد المحاكمات التي لا تتم فقط لأن صاحبها قال "لا".
 أبرز مقتضيات مشروع القانون 26.25
1. هيكلة جديدة للمجلس
تقلّص عدد أعضائه من 21 إلى 17.
تمثل ثلاث فئات:
7 صحافيين مهنيين منتخَبين عبر الاقتراع المباشر، بضمان تمثيل نسائي (3 صحافيات على الأقل).
7 ناشرين ينتدبونهم نقاباتهم ومؤسساتهم المهنية وفق معايير موضوعية (عدد مستخدمين، رقم المعاملات)، دون انتخاب مباشر.
3 أعضاء معينين من مؤسسات دستورية: قاضٍ (المجلس الأعلى للسلطة القضائية)، وعضو عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وآخر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي 
2. تخفيض شرط الأقدمية
اشتراط 10 سنوات خبرة لممثلي الصحافيين بدل 15 سنة، لتجديد الدماء داخل المجلس 
3. آليات جديدة للتمثيلية والانتخابات
إنشاء لجنة إشراف مستقلة لتنظيم انتخاب ممثلي الصحافيين وتحديد نصيب الناشرين.
إقرار إمكانية الطعن القضائي ضد نتائج التمثيل أو التعيين 
4. حماية ضد الشلل المؤسساتي
إذا تعذّر انتخاب المجلس، تُشكّل «لجنة خاصة مؤقتة» تُدبّر شؤون المجلس لمدة تصل إلى 120 يومًا بموجب حكم قضائي 
5. توسيع اختصاصات الرقابة
إحداث سجلين رسميين: الأول للصحافيين المهنيين الحاصلين على بطاقة، والثاني للناشرين.
تقنين آجال إبداء المجلس رأيه في مشاريع القوانين (30 يومًا)، مع إمكانية الاستعجال الحكومي.
إلزامية نشر ميثاق أخلاقيات المهنة والأنظمة التنفيذية في الجريدة الرسمية 
6. عقوبات تأديبية مشددة
تشمل التنبيه، الإنذار، التوبيخ، سحب البطاقة (سنة و3 سنوات)، وإيقاف إصدار الصحف حتى 30 يومًا.
إلزام المجلس بنشر العقوبات النهائية وتسجيلها في سجل رسمي شفاف 
تحليل نقدي
 شكوك حول الحياد والتمثيلية
استبعاد الناشرين من الانتخابات المباشرة واستبدالهم بالتعيين انتقائيًا يُضعف التوازن المؤسساتي، ويشكّل قلقًا حول استقلالية التمثيل 
التنصيص على التمثيل بناءً على حجم المؤسسة الرقمي أو المالي قد يحصر التمثيل في يد شركات كبرى ومقربة من الدولة .
إقصاء المستقلين والمشتغلين خارج إطار المؤسسات الرسمية (كحالة المهداوي) عبر تشديد شروط ولوج البطاقة المهنية يُعد “قانون تضييقي” .
 الطموحات والمخاوف
الإيجابيات: وجود شفاف لأعضاء المجلس، سن آلية انتخابات ومراقبتها، وتوسيع سلطات الرقابة، كلها تبدو خطوات إصلاحية إيجابية.
لكن: إذا بقيت الإرادة السياسية في الظل، واستخدمت هذه الآليات لمعاقبة الأصوات الحرة أو إسناد التمثيل فقط لمن هم موالين، فسيخسر القانون قيمته كآلية تنظيم ذاتي فعلي.
 الخلاصة
مشروع القانون 26.25 يقدّم معايير جديدة لترشيد إدارة قطاع الصحافة، من خلال هيكلة المجلس وضبط قواعد انتخاب وتمثيل العضوية وتنظيم العقوبات. ولكن التطبيق الحقيقي في السياق السياسي المغربي، خصوصًا غياب التمثيل المستقل واعتماد آليات قد تُوظَّف لتركيز السيطرة، يجعل منه قانونًا ذو وجهين: إصلاح شكلي في النص، قد يصبح تضييقًا لطيفًا في المضمون.
حرية الصحافة لا تُخلق بالقانون فقط، بل بالإرادة السليمة لتطبيقه. وإن لم تكن هناك شفافية ومساءلة فعلية، فإن المكتسبات الدستورية تتحوّل إلى "زينة قانونية" بلا قوة جوهرية.
 أهم مقتضيات مشروع القانون 27.25
1. تحديث الإطار القانوني لمهنة الصحافة
الهدف: مواءمة النص مع الدستور (الفصول 25–28) والالتزامات الدولية المرتبطة بحرية التعبير وحقوق العمل. 
يواكب التحولات العميقة التي يشهدها الإعلام، خاصة الرقمية، ويعمل على تعزيز حماية حقوق الصحافيين. 
2. شروط متجددة للحصول على بطاقة الصحفي المهني
يعزز مطلب الشهادة الأكاديمية والعمل بعقد دائم في مؤسسة صحافية معترف بها.
الالتحاق بـالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) أصبح شرطًا ضروريًا.
الهدف المعلن: رفع مستوى الاحترافية وضبط المجال المهني.
3. تعزيز الحقوق الاجتماعية والضمانات المهنية
تأكيد حماية الصحفيين ضمن إطار قانون الشغل، بمنحهم الحقوق نفسها مثل الإجازات المدفوعة والتعويضات.
تعزيز الحماية القانونية المرتبطة بالجوانب المهنية والاجتماعية للمهنة. 
4. تضمين الصحافة الرقمية والمهنية الجديدة
القانون يعترف بضرورة تغطية الفئات الجديدة المشتغلة خارج المؤسسات التقليدية، مثل الصحافة الإلكترونية.
لكن الشروط الصارمة قد تبقى عقبة أمام كثير منهم.
5. آليات للعقوبات والمسائلة
نصوص تقرّ بتفعيل عقوبات إدارية جزائية مثل سحب البطاقة مؤقتًا أو نهائيًا، مع مراعاة حق الدفاع.
يهدف إلى حماية أخلاقيات المهنة وتنظيمها من الفوضى.
 الانتقادات والمخاوف
إقصاء الصحافيين المستقلين: شروط البطاقة تفرض التوظيف الرسمي، مما يحرم الكثير من البدايات الحرة (حالة حميد المهداوي نموذجا).
تحويل المهنة إلى مؤسساتية: قد يعطي الأفضلية للجهات الرسمية وتهميش الأصوات المستقلة.
التطبيق الانتقائي: القانون يبدو جيدًا على الورق، لكن ما يهم هو الإرادة السياسية في تنفيذه؛ والمخاوف من ضرب الحريات قائمة.
 خلاصة
مشروع قانون 27.25 يهدف إلى تحديث النظام القانوني للصحفيين المهنيين، ويركز على تعزيز الاحترافية والحماية الاجتماعية. لكنه في المقابل:
يفرض شروطًا صعبة على مستقلين وصحافة رقمية.
قد يستخدم كرادع ضد المصالح المعاكسة أو الخطابات النقدية.
نقطة محورية:
هذا القانون، كثمرة تشريعية، جيد لكنه يتطلّب إرادة سياسية حقيقية لإنجاحه؛ فالضمان يكمن في التنفيذ، لا فقط في النص.
إذا رغبت، يمكنني إعداد مقارنة بين قانون 89.13 القديم و27.25، أو حتى تنظيم الملخص في عرض بوربوينت يُظهر المميزات والتحديات بشكل بياني مبسّط؟

تعليقات