عندما تتشابه المآسي: هل هدم الأحياء في المغرب يفوق دمار غزة?

 مقارنة بين عمليات الهدم في غزة والمغرب: حجم الدمار، التشريد، وغياب العدالة

مقدمة
تشهد منطقتان مختلفتان عمليات هدم واسعة النطاق، الأولى في قطاع غزة بفعل النزاعات العسكرية، والثانية في المغرب في إطار حملات تنظيم عمراني وتحضير المدن لاستضافة فعاليات دولية ككأس العالم. ورغم اختلاف السياقات، إلا أن حجم الهدم والتشريد في المغرب أحيانًا يفوق ما حدث في غزة، مع غياب واضح لتسوية أو تعويض السكان المتضررين.
الهدم في غزة
خلال الحروب المتكررة، دُمرت آلاف المنازل وشُرد مئات الآلاف من السكان.
تبلغ المساحات التي تم هدمها ودمارها وفق تقارير الأمم المتحدة ومصادر أخرى عدة كيلومترات مربعة من الأحياء السكنية.
الهدم نتيجة لعمليات عسكرية مباشرة استهدفت الأحياء بسبب وجود نشاطات عسكرية، بحسب الرواية الإسرائيلية.
الهدم في المغرب منذ حكومة بنكيران حتى اليوم
منذ سنة 2011، شهد المغرب موجات متتالية من الهدم تحت شعارات مثل "تهيئة المجال"، "القضاء على العشوائيات"، أو "التحضير لكأس العالم 2030". هذه العمليات طالت دواوير وأحياء شعبية في المدن الكبرى والضواحي، وأثارت جدلاً واسعاً حول العدالة الاجتماعية وحق السكن.
 أولاً: مدينة الدار البيضاء
في الدار البيضاء، كان مشروع "المحج الملكي" من أبرز المشاريع التي تسببت في هدم واسع، خاصة في المدينة القديمة والمناطق المحاذية لمسجد الحسن الثاني. شملت عمليات الهدم أحياء مثل درب المعزي، درب السنغال، حي البحيرة، حي الرماد، حي الطاليان، وحي بوطويل. كما تم هدم أجزاء من المدينة القديمة، مما أثار احتجاجات واسعة من السكان.
أما في ضواحي المدينة، فقد تم هدم دواوير مثل دوار الراضي، دوار سي أحمد، دوار فويلة، ودوار لويز، خصوصاً في منطقة الرحمة 2 وإقليم النواصر. هذه العمليات كانت تحت إشراف مباشر من والي جهة الدار البيضاء سطات، محمد امهيدية، ضمن حملة القضاء على "العشوائيات".

ثانياً: مدينة الرباط
في الرباط، المدينة خضعت لتهيئة حضرية واسعة ضمن رؤية "الرباط مدينة الأنوار". شملت عمليات الهدم أحياء شعبية مثل دوار العسكر في حي المحيط، غرب العتيق، حي العكاري، دوار الحاجة، دوار الدوم، حي الرشاد، حي المودة، حي الانبعاث، والحي الصناعي.
تم ترحيل السكان إلى مناطق مثل تامسنا، عين عودة، وعين عتيق. بعض الأحياء مثل دوار الحاجة ودوار الدوم تم التراجع عن هدمها لصالح إعادة الهيكلة، بسبب الكثافة السكانية وصعوبة الترحيل الجماعي.
السكان الذين تم ترحيلهم واجهوا ظروفاً متباينة، بين من حصل على شقق أو قطع أرض، ومن بقي في وضع هش دون تعويض كافٍ أو تجهيزات أساسية.

ثالثاً: دواوير وقُرى في جهات مختلفة
في إقليم النواصر، تم هدم دوار فويلة ودوار لويز بالكامل ضمن برنامج القضاء على دور الصفيح. بعض الأسر حصلت على شقق سكنية، بينما بقي البعض الآخر في مساكن مؤقتة أو خيام.
في جهة سوس ماسة، تم هدم قرية تيفنيت الساحلية، رغم قيمتها السياحية والبيئية. السكان لم يحصلوا على تعويض واضح، وتمت العملية تحت شعار "تنظيم الشواطئ"، مما أثار استياء واسع.
أما في جهة بني ملال – أزيلال، فقد نظمت دواوير مثل أيت برتو، تمدروست، تيسيان، وماترت احتجاجات بسبب التهميش، وواجهت تهديداً بالهدم أو الإهمال التام.

المساحات المتضررة
في المدن الكبرى، تم هدم مئات الهكتارات من الأحياء العشوائية. أما في القرى والدواوير، فالمساحة المتوسطة للدوار تتراوح بين 1 إلى 5 كيلومترات مربعة. التقديرات تشير إلى أن المساحة الإجمالية المتأثرة قد تتجاوز آلاف الكيلومترات المربعة، خاصة في المناطق الجبلية.
وجهة السكان بعد الترحيل
بعد الهدم، تم ترحيل السكان إلى مناطق مثل الرحمة، مولاي رشيد، والنواصر. بعض الأسر حصلت على شقق اقتصادية، بينما اضطر آخرون إلى السكن في خيام أو اللجوء إلى الإيجار، وسط صعوبات مالية كبيرة.
في الرباط، نُقل السكان إلى تامسنا، عين عتيق، وعين عودة. الوضع هناك يتراوح بين مشاريع إسكان غير مكتملة، وقطع أرض تُمنح للسكان دون تجهيزات كافية، مما دفع البعض للبناء الذاتي وسط غياب البنية التحتية الأساسية.
أما في المناطق الجبلية، فلم يُقدم للسكان أي بديل حقيقي. آلاف الأسر وجدت نفسها في خيام مؤقتة بعد انهيار دواويرها، أو اضطرت للعودة إلى منازل متضررة مهددة بالانهيار، في ظل تأخر الدعم الرسمي وصعوبة الوصول إلى برامج إعادة الإعمار.

التشريد وغياب التسويات
تشريد السكان
غزة: مئات الآلاف تعرضوا للتشريد القسري خلال الحروب بسبب هدم منازلهم، وغالبًا بدون أي تعويض حقيقي.
المغرب: آلاف الأسر المغربية شُردت بسبب عمليات الهدم، بعضها مفاجئ دون إشعار كافٍ أو تعويض مناسب.
يضاف إلى ذلك أن الكثير من المنازل التي تم هدمها كانت قانونية ومرخصة، ما يزيد من حدة الأزمة.
رابعاً: الهدم الناتج عن زلزال الحوز (2023)
الزلزال كان كارثة طبيعية غير مسبوقة، لكنه أدى إلى هدم شامل في مناطق جبلية نائية. بلغ عدد المباني المنهارة 59,647، وتضرر 2,930 دوار، وتأثر حوالي 2.8 مليون نسمة.
أبرز المناطق المتضررة كانت إقليم الحوز، إقليم تارودانت، وإقليم شيشاوة. من بين القرى التي دُمّرت بالكامل: إيخفيس، تنصغارت، تاجكالت، أمزميز، ثلاث نيعقوب، إغيل، إيجوكاك، ومولاي إبراهيم.
الوضع الحالي مأساوي، حيث لا تزال آلاف الأسر تعيش في خيام مؤقتة، وبعض السكان عادوا إلى منازل مهددة بالانهيار، والبعض الآخر بدأ البناء من ماله الخاص بسبب تأخر الدعم.
خاتمة
رغم اختلاف السياق السياسي بين غزة والمغرب، إلا أن حجم الهدم والتشريد في المغرب قد يفوق بكثير ما شهدته غزة خلال النزاعات المسلحة، خاصة مع وجود هدم لمنازل مرخصة وذات ملكيات خاصة. وفي كلتا الحالتين، هناك غياب واضح لتسويات عادلة وتعويضات تحمي حقوق السكان، ما يجعل هذه العمليات مصدر معاناة إنسانية حقيقية.
هذا يفتح النقاش حول ضرورة وضع سياسات تنموية تحترم حقوق الإنسان وملكية السكان، بعيدًا عن القرارات الأحادية التي تزيد من الهشاشة الاجتماعية.

تعليقات