سنوات الجمر: خريبكة بين قساوة العيش في الصفيح، و نذرة الماء و دور الغابة،
السلام عليكم.
✍️ نص القصة (الجزء الأول)
في سنة 1973، كنت أدرس بمدرسة المحطة بمدينة خريبكة، قبل أن يتغير اسمها لاحقًا لتصبح "مدرسة العزيزية". كما تغيّر اسم شارع الزلاقة ليصبح شارع محمد السادس، تكريمًا لملك البلاد.
كنا نعيش في كوخ من الصفيح، اشتراه والدي سنة 1968 بثلاثمائة وخمسين درهمًا. قضينا فيه خمس سنوات من العذاب الشديد، من ناحية المأكل والملبس، وسط برد قارس وفقر مدقع. كنت أراقب بعين الشفقة حال أبي، الذي بدا كالغريب، لا يعرف أحدًا، ولا يملك من يعينه ماديًا أو معنويًا.
في الشتاء، كنا ننام كأننا في العراء، فالصفيح لا يحمي من البرد ولا من الرياح. ومع مرور الأيام، يكبر الإنسان وتزداد قدرته الجسدية، فصرت قادرًا على حمل أشياء أثقل.
كان بيتنا بعيدًا عن المدرسة، وكانت الغابة تهيمن على المشهد العام في المدينة، فنمر وسطها كل صباح ومساء في طريقنا إلى الدراسة. كنا ندخل القسم على الساعة السابعة والنصف صباحًا، ولا يزال الظلام مخيّمًا، ونخرج في السادسة والنصف مساءً، والظلام قد عاد من جديد.
وفي صباح ربيعي جميل، وبينما نحن في طريقنا كأطفال إلى المدرسة، وجدنا جثة معلّقة على شجرة. اقتربنا لنراها... كان ميتًا. وقتها، لم تكن هناك هواتف أو وسائل تواصل، وكان من يريد إبلاغ الشرطة عليه أن يذهب راجلاً إلى المخفر.
كان الفقر يلف كل شيء، حتى الدراجات الهوائية والنارية كانت تُسرق وتُفكّك ليلاً، ولا يبقى منها إلا الهياكل. وسط الغابة، كان هناك كوخ لحارسها، يركب حصانًا من "وزارة الفلاحة"، وكنا نحن نسرق منه العسل أحيانًا، في سن 12 عامًا. كما كنا نجمع الحطب من الغابة للطهي، إذ لم تكن قنينات الغاز متوفرة.
كثيرًا ما كان يطاردنا الحارس بجواده، فنترك الحطب ونهرب، وأحيانًا نختبئ في اعلى الشجرة و هو يرانا لكن لن ننزل حتى يملّ ويغادر.
وفي بداية الثمانينات، انطلقت أشغال بناء مستشفى الحسن الثاني، فاقتُلعت الكثير من الأشجار. تركوها مكدّسة على الجوانب، فخرج سكان دوار "الشرّادي" أو ما كان يعرف بـ"كاريان القزدير" المجاور، مثل أسراب النمل، يجرّون الأغصان والحطب وكل قابل للاشتعال. بدا المكان كأنه قرية الهنود الحمر، بأكوام الحطب الشاهقة.
حيّنا لم يكن مزوّدًا لا بالماء ولا بالكهرباء، ولا حتى بالصرف الصحي. كنت أرافق أمي، وهي تحمل الجرة "القلة" على ظهرها، لجلب الماء من "العين الحمراء" الواقعة بحي النهضة القديم، قرب محلبة محماد الشلح، بجوار حمام النهضة الذي بُني لاحقًا.
كان هناك منبع آخر يُعرف باسم "با لام ..BALAM "، تابع للمكتب الشريف للفوسفاط، وقد أزيل فيما بعد. أما "عين عائشة"، فكانت مجرد ثقب في أنبوب ماء الشرب التابع للمكتب، يستفيد منه البدو لسقي ماشيتهم، وكانت بعيدة، لكننا نذهب إليها كل يوم أحد لغسل الملابس.
بمرور الوقت، أُزيلت كل الموارد المجانية، وبدأ بيع الماء. كان الباعة يأتون بعربات تجرّها أحصنة، وسعر 10 لترات من الماء هو 20 فرنك. ثم ظهرت تجزئة النهضة الجديدة، وعمل بائعو الماء مع البنّائين، وكانوا يأتون بأربعة صهاريج فقط يوميًا، سعة كل واحد 200 لتر، لتوزيعها على 200 براكة!
فعُدنا إلى المعاناة من جديد... نبحث عن الماء، ونشد الرحال يوميًا نحو النهضة القديمة. دام هذا الوضع مدة من الزمن قبل أن يُزوَّد حي النهضة الجديدة بالماء الصالح للشرب.
وفي سنة 1981... وقعت الكارثة.
يتبع...
في سنة 1973، كنت أدرس بمدرسة المحطة بمدينة خريبكة، قبل أن يتغير اسمها لاحقًا لتصبح "مدرسة العزيزية". كما تغيّر اسم شارع الزلاقة ليصبح شارع محمد السادس، تكريمًا لملك البلاد.
كنا نعيش في كوخ من الصفيح، اشتراه والدي سنة 1968 بثلاثمائة وخمسين درهمًا. قضينا فيه خمس سنوات من العذاب الشديد، من ناحية المأكل والملبس، وسط برد قارس وفقر مدقع. كنت أراقب بعين الشفقة حال أبي، الذي بدا كالغريب، لا يعرف أحدًا، ولا يملك من يعينه ماديًا أو معنويًا.
في الشتاء، كنا ننام كأننا في العراء، فالصفيح لا يحمي من البرد ولا من الرياح. ومع مرور الأيام، يكبر الإنسان وتزداد قدرته الجسدية، فصرت قادرًا على حمل أشياء أثقل.
كان بيتنا بعيدًا عن المدرسة، وكانت الغابة تهيمن على المشهد العام في المدينة، فنمر وسطها كل صباح ومساء في طريقنا إلى الدراسة. كنا ندخل القسم على الساعة السابعة والنصف صباحًا، ولا يزال الظلام مخيّمًا، ونخرج في السادسة والنصف مساءً، والظلام قد عاد من جديد.
وفي صباح ربيعي جميل، وبينما نحن في طريقنا كأطفال إلى المدرسة، وجدنا جثة معلّقة على شجرة. اقتربنا لنراها... كان ميتًا. وقتها، لم تكن هناك هواتف أو وسائل تواصل، وكان من يريد إبلاغ الشرطة عليه أن يذهب راجلاً إلى المخفر.
كان الفقر يلف كل شيء، حتى الدراجات الهوائية والنارية كانت تُسرق وتُفكّك ليلاً، ولا يبقى منها إلا الهياكل. وسط الغابة، كان هناك كوخ لحارسها، يركب حصانًا من "وزارة الفلاحة"، وكنا نحن نسرق منه العسل أحيانًا، في سن 12 عامًا. كما كنا نجمع الحطب من الغابة للطهي، إذ لم تكن قنينات الغاز متوفرة.
كثيرًا ما كان يطاردنا الحارس بجواده، فنترك الحطب ونهرب، وأحيانًا نختبئ في اعلى الشجرة و هو يرانا لكن لن ننزل حتى يملّ ويغادر.
وفي بداية الثمانينات، انطلقت أشغال بناء مستشفى الحسن الثاني، فاقتُلعت الكثير من الأشجار. تركوها مكدّسة على الجوانب، فخرج سكان دوار "الشرّادي" أو ما كان يعرف بـ"كاريان القزدير" المجاور، مثل أسراب النمل، يجرّون الأغصان والحطب وكل قابل للاشتعال. بدا المكان كأنه قرية الهنود الحمر، بأكوام الحطب الشاهقة.
حيّنا لم يكن مزوّدًا لا بالماء ولا بالكهرباء، ولا حتى بالصرف الصحي. كنت أرافق أمي، وهي تحمل الجرة "القلة" على ظهرها، لجلب الماء من "العين الحمراء" الواقعة بحي النهضة القديم، قرب محلبة محماد الشلح، بجوار حمام النهضة الذي بُني لاحقًا.
كان هناك منبع آخر يُعرف باسم "با لام ..BALAM "، تابع للمكتب الشريف للفوسفاط، وقد أزيل فيما بعد. أما "عين عائشة"، فكانت مجرد ثقب في أنبوب ماء الشرب التابع للمكتب، يستفيد منه البدو لسقي ماشيتهم، وكانت بعيدة، لكننا نذهب إليها كل يوم أحد لغسل الملابس.
بمرور الوقت، أُزيلت كل الموارد المجانية، وبدأ بيع الماء. كان الباعة يأتون بعربات تجرّها أحصنة، وسعر 10 لترات من الماء هو 20 فرنك. ثم ظهرت تجزئة النهضة الجديدة، وعمل بائعو الماء مع البنّائين، وكانوا يأتون بأربعة صهاريج فقط يوميًا، سعة كل واحد 200 لتر، لتوزيعها على 200 براكة!
فعُدنا إلى المعاناة من جديد... نبحث عن الماء، ونشد الرحال يوميًا نحو النهضة القديمة. دام هذا الوضع مدة من الزمن قبل أن يُزوَّد حي النهضة الجديدة بالماء الصالح للشرب.
وفي سنة 1981... وقعت الكارثة.
يتبع...