قصة "إدريس البصري... الرجل الذي حكم من وراء الستار في زمن الرصاص"

قصة واقعية من المغرب ، حيث كان الخوف قانونًا، والكلمات تُحاسب، والبصري الرجل الذي كان يعرف كل شيء…

السلام عليكم.
 قصة من زمن البصري… حين كان المغرب يتنفس تحت الخوذة
ايها الاحبة ، دعوني أحكي لكم عن زمن لم يكن فيه الكلام حرًا، وكان الحذر جزءًا من الحياة اليومية...
كان المغرب يعيش على وقع التحولات الكبرى بعد الاستقلال. سنوات الأمل ببناء دولة قوية وعادلة سرعان ما اصطدمت بالواقع: صراعات داخلية، محاولات انقلاب، وأحزاب لا تنام إلا وعينها على الحكم. في هذا الزمن، كان الحسن الثاني ملكًا شابًا، ذكيًا، مثقفًا، لكنه لا يثق بسهولة… وكان يعرف أن حكم بلد كالمغرب لا يتم فقط بالحكمة، بل أحيانًا بالعصا.
ومن بين رجاله الكثيرين، كان هناك رجل واحد مختلف… رجل اسمه إدريس البصري.
الرجل الذي عرف كل شيء… وسيطر على كل شيء
لم يكن البصري رجل السياسة التقليدي، بل كان رجل الدولة العميقة. بدأ ضابطًا صغيرًا، تسلق السلالم بسرعة البرق، إلى أن أصبح وزيرًا للداخلية سنة 1979. ومنذ تلك اللحظة، لم يعد المغرب كما كان. في كل قرية، كان اسم إدريس البصري يُهمَس به همسًا. في كل جريدة، كانت رقاب المحررين تُجزّ إن كتبت سطرًا لا يرضيه. وفي كل شارع، كان الناس ينظرون حولهم قبل أن يتكلموا.
لم يكن التلفاز يعرض إلا ما يشاء، والإذاعة لا تبث إلا ما يُسمح به، والصحف تُقص بالمقص الحديدي. كان كل شيء مراقبًا… حتى الأحلام.
في عهده… كان الخوف يسكن البيوت
يُقال إنه يعرف كل شيء… من يتكلم، من يهمس، من يوزع منشورات سرية، ومن يلتقي بمن في المقاهي. حتى أن بعض المغاربة كانوا يضحكون بمرارة قائلين: "إدريس البصري يعرف متى ننام، وماذا نحلم".
في عهده، اختفى كثيرون في غياهب السجون السرية. تازمامارت لم تكن مجرد اسم، كانت لعنة. مكان مظلم، لا يصل إليه نور الشمس ولا صوت الإنسان، حيث دُفن البعض أحياءً. كان هناك من لم يعرف ذويه عنه شيئًا لعقود… هل مات؟ هل ما زال حيًا؟ لا أحد يعلم.
اللعبة السياسية… والضحك على الذقون
أدخل إدريس البصري الأحزاب في لعبة معقدة. انتخابات تُعلن نتائجها قبل أن تجرى، برلمان صوري، و"معارضة" بلا أنياب. كان يعرف كيف يفتح الباب للنقاش، لكنه يغلقه متى شاء. من لم يُروّض، سُحق. ومن رضخ، نال فتات السلطة.
لم يكن الناس يثقون في السياسة. كانوا يقولون: "كل شيء مُرتب مسبقًا، لا فائدة". وكان البصري يتقن ترتيب المسرح.
لكن لكل زمن نهاية…
عندما توفي الحسن الثاني سنة 1999، واعتلى العرش ابنه محمد السادس، تغير كل شيء. كان الملك الجديد يريد عهدًا جديدًا. وعرف أن الماضي لا يمكن أن يُدفن إن لم يُفتح. فبدأت رياح التغيير تهب، وصدرت الأوامر: "البصري يجب أن يرحل".
رحل الرجل الذي كان يعرف كل شيء… بصمت. لم يُحاكم، لم يُحاسب، فقط اختفى من المشهد كما ظهر. عاش سنواته الأخيرة في فرنسا، بعيدا عن الضجيج، حتى مات سنة 2007.
هيئة الإنصاف والمصالحة… كشف الستار عن الجرح
في عهد محمد السادس، بدأت البلاد تفتح الجراح القديمة. جلس الضحايا يروون ما جرى. بُكيت الحكايات، وتكلم الذين سكتوا لعقود. لم تُفتح كل الملفات، لكن شيئًا من الحقيقة خرج إلى النور. لم يكن البصري وحده المسؤول، لكن اسمه ظل يرمز لتلك المرحلة.
وماذا بعد؟
الآن، يا اخواني، عندما نتمشى في شوارعنا بحرية، ونتحدث في مقاهينا دون خوف، ونتصفح الأخبار بلا رقابة… تذكروا أن هذا لم يكن دائمًا هكذا. هناك زمن كان الخوف فيه هو القانون، وكانت الدولة ترى كل شيء ولا تُحاسَب.
زمن إدريس البصري لم يكن مجرد مرحلة، بل درس. درس عن السلطة عندما تتغوّل، وعن الصمت عندما يتحول إلى سياسة، وعن الدولة حين تجعل من الأمن ذريعة للخوف.
لكن أهم درس هو:
أن لا شيء يدوم، وأن لكل زمن رجاله… ونهاياته.
والسلام عليكم و رحمة الله.

جواد الليل.
تعليقات