المفتش الاقليمي للشغل في افران و مكناس في التسعينات ( 1 ) مرتشي وخائن

مفتش الشغل والخيانة و الرشوة في ضيعة احد كبار رجال الاعمال 

وصلت إلى ضيعة * الوسية * في إقليم مكناس بالمغرب عام 1991.
قادما اليها من مدينة خريبكة، بدأت العمل واعتدت تدريجيًا على حياة جديدة بين قبائل الأطلس المتوسط، المعروفة بطيبة أهلها. بدأت أتعلم منهم أشياء كنت أجهلها تمامًا، سواء كانت اللهجة أو اللغة، إن صح التعبير، بالإضافة إلى عادات وتقاليد رأيتها لأول مرة في احتفالاتهم وحياتهم اليومية.

خلال تلك الفترة، بدأت أتعرف على الناس من داخل الضيعة وخارجها، بما في ذلك العمال الذين يعملون فيها، منهم العمال الدائمون والموسميون. كما تعرفت على أشخاص يأتون إلى الضيعة لأغراض مختلفة، مثل رجال الدرك الملكي القادمين من الحاجب وأكوراي، وآخرين من المناطق المجاورة الذين كانوا يأتون للتسول فقط. كل هذا كان أمرًا مألوفًا ولا غرابة فيه.

لكن ما أثار انتباهي حقًا كان رجل أنيق يزور الضيعة كلما حضر صاحبها أو كل خمسة عشر يومًا تقريبًا. كان يأتي أحيانًا برفقة ابنه الصغير، وفي أغلب الأحيان كان يصل بسيارة رينو 4، على الرغم من أنه يملك سيارتين. وبما أن منصبي وموقع عملي كان في مركز الضيعة طوال الوقت، كنت أراقب ما يحدث هناك، ولو دون قصد. فمن الطبيعي أن يجذب انتباهك شيء يمر أمامك - سواء كان إنسانًا، حيوانًا، أو حتى شيئًا تجلبه الرياح - إذا كنت وحدك في مكان ما.

لكن هذا الرجل، وهو مفتش العمل، كان غريبًا بعض الشيء. وأغرب ما لاحظته فيه أنه لم يكن يتحدث مع العمال بشكل عام، لا مع الموسميين ولا مع الدائمين، ولا حتى مع الأطر. كل ما كان يفعله هو حضور الولائم، وأخذ أكياس من التفاح والإجاص، بالإضافة إلى النقود من صاحب الضيعة. كنت أشفق على حال العمال ومصيرهم في تلك الأرض النائية، حيث كان المفترض أن يكون هذا الرجل، الذي يحتاجونه، يدافع عن حقوقهم، لكنه كان يخونهم ويخون الأمانة. كنت أشعر بالأسى تجاههم لأن نسبة 99% منهم كانوا أميين، حتى بعض الأطر مثل المقتصد، والميكانيكي، والمسؤول عن السقي.

مرت الأيام والسنين، وأنا أراقب مفتش العمل طوال المدة التي عملت فيها هناك، لكنه لم يغير شيئًا. ظل حال العمال على ما هو عليه، بينما كان حال صاحب الضيعة في تحسن مستمر، وحال مفتش العمل يتطور بشكل ملحوظ. فقررت أن أحارب هذا المنكر بطريقتي الخفية. بدأت بثقب إطار سيارته أثناء وقت الغداء في كل مرة يزور فيها الضيعة. ولم يتغير شيء، فانتقلت إلى ثقب إطارين، واستمررت على هذا الحال لمدة عام تقريبًا. كان يصلح الإطارات بنفسه برفقة ابنه الصغير، لأن العمال في تلك الساعة كانوا يستريحون في بيوتهم خلال استراحة الظهيرة. ولأنه كان "ذكيًا كالحمار"، كما يقال، كان يظن أن وجود مسامير أو أشياء تتسبب في ثقب الإطارات أمر طبيعي في الضيعة. لم يسأل نفسه يومًا لماذا كانت جميع  الالات والسيارات والجرارات والشاحنات سليمة، بينما سيارته هي الوحيدة التي تتعرض للثقب مع انني كنت احدث ثقوب في اماكن غير ملامسة للارض.

وعندما أيقنت أن هذه الرسائل، التي كان يعتبرها مشفرة، لم تجدِ نفعًا، أقسمت بالله العظيم أن أغير الوضع، حتى لو كان ذلك على حساب عملي هناك. وذات يوم...

يتبع ...

تعليقات