وفاء مدى الحياة: هاتشيكو
الكلب الذي انتظر صاحبه لعدة سنوات الى ان توفي.
في أحد أحياء طوكيو الهادئة، وتحديدًا في حي شيبويا، تبدأ قصة الكلب هاتشيكو. ولد هذا الكلب من فصيلة "أكيتا" اليابانية الأصيلة في عام 1923، في أحد المزارع شمال اليابان. لم يكن يعلم أحد أن هذا الجرو الصغير سيصبح في يوم ما رمزًا عالميًا للوفاء.
لقاء القدر
في عام 1924، كان هناك أستاذ جامعي يُدعى هيدسابورو أوينو، يُدرّس الزراعة في جامعة طوكيو. قرر الأستاذ تبني كلب، فوقع اختياره على هاتشيكو بعد أن رآه للمرة الأولى ووجد فيه صفات الذكاء والهدوء. سرعان ما نشأت علاقة عميقة بين الرجل والكلب.
روتين يومي مميز
كل صباح، كان الأستاذ أوينو يذهب إلى عمله بالقطار من محطة شيبويا، وكان هاتشيكو يرافقه حتى باب المحطة. وفي المساء، كان الكلب يعود وحده إلى نفس المكان، ويجلس ينتظر عودة صاحبه، مهما كانت حالة الطقس.
استمر هذا الروتين اليومي لأشهر، وأصبح منظر الكلب منتظرًا أمام المحطة مألوفًا للركّاب، حتى باتوا يربتون على رأسه ويطعمونه أحيانًا. أصبح وجود هاتشيكو جزءًا من حياة المكان.
الحدث المفاجئ
وفي أحد أيام مايو عام 1925، خرج الأستاذ أوينو كعادته صباحًا إلى الجامعة، مودعًا كلبه هاتشيكو في محطة شيبويا. لكنه لم يعد أبدًا. فقد تعرض لأزمة قلبية مفاجئة أثناء عمله، وتوفي على الفور
لكن هاتشيكو لم يفهم ذلك. لقد جلس ذلك اليوم منتظرًا صاحبه حتى المساء. ولمّا لم يأتِ، عاد إلى البيت. وفي اليوم التالي، وفي نفس الموعد، عاد الكلب إلى محطة القطار، وجلس في نفس المكان... ينتظر.
9 سنوات من الانتظار
مرّت الأيام، ثم الشهور، ثم السنوات... وهاتشيكو لا يزال يعود كل يوم في نفس الموعد، يجلس في نفس المكان، ينتظر عودة صاحبه الذي رحل بلا وداع. لم يتخلّف يومًا عن الحضور، لا في حرّ الصيف، ولا في برد الشتاء، ولا تحت الأمطار.
الناس في المنطقة لاحظوا وفاءه، وبعضهم بدأ يجلب له الطعام، والبعض الآخر يحاول التقاط الصور معه. وفي عام 1932، كتب أحد طلاب الأستاذ أوينو مقالًا مؤثرًا عن الكلب في صحيفة يابانية كبرى، لتنتشر القصة في عموم اليابان.
سرعان ما تحوّل هاتشيكو إلى رمز وطني للوفاء، وتم استقباله بحفاوة من العامة، وبات زواره يوميًا يعدّون بالعشرات.
النهاية المؤثرة
في 8 مارس 1935، بعد 9 سنوات كاملة من الانتظار اليومي، عُثر على جثة هاتشيكو في شارع قرب محطة شيبويا. مات في المكان الذي عاش فيه على أمل اللقاء الأخير.
حزن اليابانيون لوفاته، وأقيمت له مراسم تكريم رسمية، وتم دفنه بجانب قبر صاحبه الأستاذ أوينو، في مقبرة "أوياما" بطوكيو، حتى لا يفترقا مجددًا.
الإرث والرمز
في عام 1934، قبل وفاته، تم بناء تمثال من البرونز لهاتشيكو أمام محطة شيبويا، بحضور الكلب نفسه، ليكون رمزًا للوفاء الذي لا يموت. وقد تم ترميم التمثال بعد الحرب العالمية الثانية، وما زال موجودًا حتى اليوم، يزوره الملايين سنويًا من اليابانيين والسياح من كل أنحاء العالم.
كما أُنتجت عنه أفلام وثائقية وروائية، أشهرها الفيلم الأمريكي:
🎬 "Hachi: A Dog's Tale" (2009) من بطولة ريتشارد غير، والذي نقل القصة بأسلوب غربي مؤثر، وبقي صادقًا في جوهر الحكاية.
خاتمة
قصة هاتشيكو ليست مجرد حكاية عن كلب، بل هي مرآة لوفاء لا حدود له، ورسالة صامتة عن الحب الذي لا يخضع للزمن أو للموت. لقد أصبح هاتشيكو أسطورة حقيقية حيّة، يرويها الكبار للصغار، ليتعلموا أن الحب الحقيقي لا ينتهي... بل ينتظر.